Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 140-140)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِن يَمْسَسْكُمْ } يوم أحد . { قَرْحٌ } جرح ، وقيل قتل ، وبالأول قال مجاهد ، وقرأ حمزة والكسائى وعاصم فى رواية ابن عباس عنه ، بضم القاف وهم لغتان بمعنى واحد كالضعف والضعف ، وقرأ أبو السماك بفتح والراء وهو لغة ثالثة بمعناها وكذا قرئك قرح الثانى بثلاث لغات ، وقيل بالفتح تبع القاف لسكون الوسط مع كون حرف الحلق غير فاء الكلمة ، وقيل الجرح بفتح الجيم وإسكان الراء مصدر وبضمها وإسكان الراء اسم للأثر الحاصل به ، وقيل بالضم ألم الجراح وبالفتح الجراح ، أعنى الآثار . { فَقَدْ مَسَّ } منكم . { الْقَوْمَ } أى المشركين فى بدر . { قَرْحٌ مِّثْلُهُ } فلم يضعفوا ، ولم يجبنوا ، ولم يمنعهم ذلك عن معاودة القتال ، فأنتم أولى بأن لا تضعفوا ولا تجبنوا ، ولا تحزنوا ، وبأن تعاوِدُوهم بالقتال ، ومعنى المماثلة مطلق وقوع جنس القرح والانهزام ، ولو تفاوت ذلك ، فإن المشركين وقع فيهم الضر ، ببدر أكثر مما فى المسلمين بأحد ، وقيل للسان بأحد ومعنى المماثلة ما ذكر ، فإن الضر الواقع فى المسلمين أقل مما فى المشركين ، وقد مر الكلام فى ذلك ، وقد قال من قال قتل من المسلمين فى أحد سبعون وأسر سبعون ، وقد جرحوا سبعين ، وقتلوا خمساً وسبعين . وقيل المراد بالمماثلة الإخبار بالكثرة حتى قاربت المساواة فى أحد ، لولا مخالفة الرماة ما حد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لقوله تعالى { ولقد صدقكم الله وعده إذ تَحُسّونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم فى الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون } بل قيل قتل من المشركين يوم أحد سبعون رجلا أيضاً منهم صاحب لوائهم ، وهو طلحة بن أبى طلحه قتله على فأخذ اللواء عثمان بن أبى طلحة فقتله حمزة ، ثم أخذه أبو سعيد بن أبى طلحة فرماه سعد بن أبى وقاص بسهم فمات مكانهُ ، فأخذه نافع بن طلحة فقتل أيضاً وكان على ميمنتهم خالد بن الوليد ، وعلى ميسرتهم عكرمة بن أبى جهل ، وعلى مقدمتهم سفيان بن أمية . { وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ } نجعلها دولا بينهم يوم لفرقة ، ويوم لأخرى ، فكان الدولة للمؤمنين يوم بدر ، وللمشركين يوم أحد ، والإشارة إلى أيام الدنيا ، وأيام القتال فيها ، وتلك مبتدأ ، والأيام تابع له ، ونداولها خبراً ، وتلك الأيام مبتدأ ، والأيام خبر ، ونداولها حال من الأيام ، والمراد بالناس المؤمنون والكافرون ، لأنه يد للمؤمن على الكافر ، وللكافر على المؤمن ، وللكافر على الكافر ، وللموحد على الموحد . { وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ } عطف على محذوف ، أى نداولها بين الناس ليثاب الصابر المصاب المحق والمصيب المحق ، وينتقم الله من الظالم بالظالم وبالمحق ، وليعلم الله الذين آمنوا ، أو متعلق بمحذوف اى وفعلنا ذلك ليعلم الله الذين آمنوا أى ليعلم الذين آمنوا وإن فسر الناس بالمسلمين والكافرين الذين وقع الدول بينهم تارة للمؤمنين وتارة للكافرين ، فالتقدير نداولها بين الناس ليتميز الثابت على الإيمان من الذى على حرف ، وليعلم الله الذين آمنوا منكم والله عالم بكل شىء على الإطلاق بلا أول ، ولا آخر ، وليس علمه تعالى حادثاً ، فالمعنى ليعلم الله الذين آمنوا إذا وجدوا وآمنوا ، وذلك أنه إذا وقع شىء ، فقد علم الله بوقوعه ، كما علمه قبل وقوعه ، ولك أن تفسر العلم بالتمييز لأنه سبب التمييز ، فتعلقه بمحذوف ، أى وقولنا ذلك لتمييز الذين آمنوا ولك أن تقول ذلك كناية عن تحقق الذين آمنوا ، لأنه يلزم من تحققهم علمه به وقيل فى الكلام حذف مضاف ، أى وليعلم أولياء الله ، والكلام فى التعليق على حد ما مر ، أى فعلنا ذلك ليعلم أولياء الله الذين آمنوا أو ليثاب إلخ وليعلم أولياء الله . . إلخ ، وحكمة الحذف تفخيم أمر الأولياء بنسبة علمهم إلى الله ، والمراد بالذين آمنوا الذين أخلصوا فى إيمانهم ، والدولة تطلق فى غلبة المؤمن والكافر ، وقيل أصلها فى أن يكون الكافر غالباً ، وأما المؤمن فيعبر فى كونه غالباً بالنصر ، ويناسبه ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنهم يدالوه كما تنصروه " وعلى هذا فذكر المؤمن والكافر بالدولة فى الآية للجواز ، لكن يكون استعمالا للفظ فى حقيقته ومجازه ، على هذا القول . { وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ } متعلق بيتخذ ومن للابتداء ، ويجوز أن تكون للتبعيض ، فتعلق بمحذوف حال من قوله { شُهَدَآءَ } أى وليحصل الله منكم شهداء ، أى موتى بالقتل فى سبيله تبارك وتعالى ، فيثيبهم وهم شهداء أحد ، تمنى قوم من المسلمين ممن فاتهم قتال بدر ، أن يكون لهم يوم كيوم بدر ، يستشهدون فيه ، فأكرمهم بأحد . قال النضر بن شميل سمى الله من قتل فى سبيل الله شهيداً لأنه حى يشاهد الأشياء فى دار السلام ، قيل وأرواح غيرهم لا تشهدها ، وقالهُ ابن الإنبارى لأن الله مشهده لهُ بالجنة فى غير الموضع الذى سماه فيد شهيد ، أو يشهدوا له يوم القيامة وهو والملائكة ، ومثله ما قيل أنه يشبهه لهُ بالأمان من النار ، وقيل لأنهم الذين يشهدون يوم القيامة على الأمم مع الأنبياء والصديقين ، لأن الشهادة منصب عظيم ، وقيل لأنه يشهد عند خروج روحه ما أعد له من الكرامة ، قبل أن يدخل قبره ، وقيل لأن الملائكة تشهد لهُ بحسن الخاتمة وقيل لأن الأنبياء تشهد له بحسن الاتباع لهم ، وقيل لأن الله يشهد لهُ بحسن نيته ، وإخلاصه . وقيل لأنه لا يشهده عند خروج روحه إلا ملائكة الرحمة وقيل لأنه يشاهد الملائكة عند احتضاره ، وقيل لأنه مشاهد الملكوت من دار الدنيا ، ودار الآخرة ، وقيل لأن عليه علامة شاهدة بأنه نجا وهى دمه وريح دمه ، إذ هو كالمسك . والمفرد شهيد ، وقيل الشهداء هنا جمع شاهد على غيره ، وليس خصوص من قتل فى الجهاد ، أى من يشهد على الناس بما صدر منهم من المعاصى ، فهم من أهل العدالة منزهون عن الرذائل ، ومحلون بالفضائل ، إذ ثبتوا وصبروا على الشدائد . { وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِين } الذين يضمرون خلاف ما يظهرون ، بأن أظهروا الإيمان أو الطاعة وأضمروا الشرك ، والمعصية ، أو يخالف فعلهم قولهم ، أو الظالمون هو المشركون المجاهرون بالشرك ، وعلى كل فهم مقاتلون للذين آمنوا ، أى صدقوا فى إيمانهم فإذا علمت أنه تعالى لا يحب الكفار ، علمت أنه إذا غلبهم على المؤمنين ، فليس ذلك نصرا لهم ، على الحقيقة ، بل استدراجا لهم ، وزيادة فى ذنوبهم ، وابتلاء للمؤمنين وزيادة فى إحسانهم كما يزيدهم بالعقرب وغيرها مما يصيبهم ، كما قال { وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ } .