Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 154-154)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنْكُمْ } أنزله الله عليكم ، بعد اغتمامكم فى الهزيمة والقتل والجراح ، وغير ذلك ، أما نازال به الخوف ، غطى طائفة عظيمة الشأن منكم راسخة الإيمان ، بأن حزموا يومئذ لا شك فيهم ، قيل فى أمرهم بأن هذه الغلبة لا تدوم ولا تستأصل المؤمنين تصديقاً لقوله صلى الله عليه وسلم " إن الله ينصر هذا الدين على غيره " وبلغ بهم الأمن حتى غشيهم النعاس ، قال أنس ابن أبى طلحة غشينا النعاس ، ونحن فى مصافنا يوم أحد ، فجعل سيفى يسقط من يدى وآخذه ، رواه البخارى ومسلم بسندهما ، ونحوه عن ابن مسعود والزبير ورواه الشيخ هود هكذا قال أبو طلحة أنا يومئذ فيمن غشيه النعاس فجعل سيفى يسقط من يدى فآخذه ويسقط فآخذه . وهو كذلك أيضاً فى نسخة عن البخارى ، وعن أنس بن أبى طلحة رفعت رأسى يوم أحد فجعلت أراهم وما منهم يومئذ أحد إلا يميل تحت حجفه من النعاس ، فذلك قوله تعالى { ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً } قال الخازن وقال الزبير بن العوام لقد رأيتنى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد علينا الخوف ، فأرسل الله علينا النوم والله إنى لأسمع قول معتب بن قشير والنعاس يغشانى ، ما أسمعه إلا كالحلم ، يقول لو كان لنا من الأمر شىء ما قتلنا ها هنا ، وأمنة ، مفعول به لأنزل ونعاساً ، بدل اشتمال ، والرابط محذوف ، أى نعاساً منها ، أو لأجلها ، ووجه الاشتمال أن النعاس سببى للأمنة ، لأنه يتولد منها ، ويجوز أن يكون نعاس مفعولا به ، لأنزل ، وأمنة مفعول لأجله ، على أنها فعل الله ، بمعنى الإيمان أى تصيرهم آمنين فهى اسم مصدر أمن ، فقد اتحد الفاعل ويدل لهذا قوله { إِذ يغشيكم النعاس أمنة منه } وأجاز بعض أن يكون أمنة ، حالا من نعاس ، ونعاس مفعول به ، ولو كان نعاساً ليس نكرة لتقدم أمنة عليه ، وهو حمل على جعل المصدر حالا مع أن النعاس ليس أمنة ، كما أن راكباً فى جاء زيد راكباً هو زيد ، إلا أن يقال أمة اسم مصدر بمعنى مؤمن ، فحينئذ يكون النعاس مؤمناً لهم ، أى مزيلا لخوفهم مجازاً ، ويجوز أن يكون أمنة حالا من كاف عليكم ، وهو مصدر بمعنى الوصف أى آمنين أو يقدر مضاف ، أى ذوى أمن أو جمع آمن ككامل وكملة ، أو مبالغة كأنهم نفس الأمن ونعاساً مفعول به ، والمعنى مختلف بالإعراب فعلى أن أمنة مفعول لأجله ، ونعاساً مفعول يكون المعنى أن الأمن حصل لهم النعاس لما نعسوا اضطرارا من الله جل وعلا ، وصحوا وصاروا آمنين ، وهكذا كنت أفسر الآية وكذا إن جعلنا آمنة حالا ، فإما مقدرة ، فالأمن بعد النعاس مسبب عن النعاس ومقارنة أو ماضية ، فهو معه أو قبله وقرأ أمنة بفتح الهمزة ، وإسكان الميم وهو مرة من الأمن . وقرأ حمزة والكسائى تغشى بالتاء الفوقية ، على أن المستثنى فيه عائد إلى أمنة ، والجملة نعت لها ، وعلى قراءة الجمهور نعت نعاساً . { وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ } الواو للحال ، والجملة حال من طائفة ، الأول ولو نكره لوصفه بمنكم ، وصح جعل طائفة مبتدأ لتقدم واو الحال ، وقد اهمتهم أنفسهم خبر ، ويجوز أن تكون فداهمتهم أنفسهم نعت طائفة ، والخبر محذوف ، أى ومنهم طائفة ، فالمسوغ تقديم الخبر الظرفى والوصف ، أو الخبر جملة يظنون أو هذه نعت ثان ، أو حال من هاء أهمتهم ، أو مستأنفة على البيان للجملة قبلها أو الخبر يقولون بدل من يظنون ، وهذه الطائفة منافقون منهم معتب بن قشير ، وقد تقدم كلامه قريباً ، وعبد الله بن أبى سلول ، ومعنى أهمتهم أنفسهم أوقعتم فى الهم ، لقد ثقتها بقول الله ورسوله ، إن النصر للمؤمنين بعد أو شغلتهم أنفسهم بأمرها أو هذه الطائفة بقيت خائفة ، ولم يغشها النعاس . { يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ } الظن هنا متعد لواحد ، أى يتوهموا غير الحق بالله ، وبالله متعلق بيظنون أو لاثنين ، والثانى بالله ، أى فى الله ، وذلك أنهم يظنوا أن الله لا ينصر محمداً ، وأصحابه ، أن دين الإسلام يضمحل وعن ابن عباس التكذيب بالقدر ، ويجوز ان تجعل غير مفعولا مطلقاً ، وبالله متعلق بيظنون ، أى يظنون بالله غير الظن الحق ، ويقدر مفعولا ، أى يظنون به أنه لا ينصر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم والمؤمنين . { ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ } مفعول مطلق إذا لم تجعل غير مفعولا مطلقاً ، وبدل من غير إذا جعل غير مفعولا به ، والمعنى ظن الملة الجاهلية القديمة ، وقيل الفرقة الجاهلية ، وهو أبو سفيان ومن معه ، والأول للجمهور ، وإذا قدرنا مفعولين ليظن كما مر كان قوله { يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَىْءٍ } غير ذلك المظنون ، بل كلاماً آخر عن الطائفة مستأنفاً أو خبراً أو نعتاً ، وإن لم يقدر له المفعولين المذكورين ، بل جعلناه متعدياً لواحد ، أو جعلناهما بالله غير الحق ، كانت هذه الجملة بأعاريبها هى نفس المظنون ، والاستفهام للنفى أى ما لنا من الأمر شىء ، أى ما لنا أمر يطاع ، لأن عبد الله بن أبى أشار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن لا يخرج من المدينة إلى أحد ، كما مر ، ولم يأخذ برأيه فقتل من قتل ، فقال هو ومن معه ذلك ، وقيل المراد النصر ، أى ما لنا من النصر شىء ، إنما هو للمشركين ، قال قتادة وابن جريج قيل لعبد الله ابن أبى سلول ، قتل بنو الخزرج ، فقال وهل لنا من الأمر شىء . يريد أن الرأى ليس لنا ، ولو كان منه شىء لسمع من رأينا ، فلم تخرج فلم يقتل منا أحد ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقول الله سبحانه أنا عند ظن عبدى بى " وقال ابن مسعود والله الذى لا إله غيره لا يحسن أحد الظن بالله عز وجل إلا أعطاه ظنه ، وذلك أن الخير بيده . وعن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من حسن عبادة المرء حسن ظنه " و { من الأمر } حال من { شىء } قدمت ويجوز تعليقه بـ { لنا } أو بما تعلق به لنا ، ولنا خبر ، وشىء مبتدأ ، أو لنا ناب عن فعل الجملة الفعلية ، وشىء فاعل ، لاعتماد الجار والمجرور على الاستفهام ولو كان شىء مجروراً لأن الجار له صلة للتأكيد ، ومن الأولى للتبعيض . { قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ } أى أن النصر كله لله ، فهو لرسوله لقوله تعالى { كتب الله لأغلبن أنا ورسلى } وللمؤمنين لقوله تعالى { وإن جندنا لهم الغالبون } وقال الله عزوجل { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } والجملة معترضة بين الحال ، وهى الجملة بعد وصاحبها وهو واو يقولون . وقرأ أبو عمر ويعقوب كله بالرفع على الابتداء ولله خبر ، والجملة خبر إن . { يُخْفُونَ فِى أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ } يقولون هل لنا من الأمر شىء ، حال كونهم يخفون فى أنفسهم ، ما لا يبدون لك ، لأنه ولو أراد بقوله { هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَىْءٍ } إن رأيى لم يؤخذ فإنه ليس مراده ، نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو أظهر بذلك إرادة نصره ، وقيل معنى { هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَىْءٍ } هنا لنا مما وعد الله من النصر نصيب فيما بعد أحد ؟ فإن ظاهره التصديق وقد أخفى التكذيب ، وقيل يخفون الندم على خروجهم مع المسلمين ، وقيل الجملة مستأنفة فليس { قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ } مفترضاً ، فهم يخفون الشرك ، وظاهر الإخفاء فى النفس ، أنه لم تنطق به ألسنتهم ، وتقدم أنه قال بعض هؤلاء بلسانه { هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَىْءٍ } كما هو ظاهر القرآن ، فإما أن يراد بالإخفاء إخفاء غير ذلك مما لم ينطقوا به وإما أن يراد بالإخفاء إخفاء ما نطقوا به عن المسلمين ، بأن يذكروه فيما بينهم . وقيل الذى أخفوه هو الذى ذكر فى قوله تعالى { يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا } هذا مقالة عبد الله بن سلول ، وهل لنا من الأمر شىء مقالة معتب بن قشير وأسند كلامها لقومهما ، لأنهما فيهما ، ولأنهما رئيسان متبوعان . والمراد بالأمر الحق فى الدين ، أى لو كان لنا نصيب من دين الحق ، ما قتلنا ها هنا وما قتلنا إلا لكون دين محمدا باطلا ، وقيل المراد الرأى . روى أنهم قال بعضهم لبعض لو كان لنا عقول لم نخرج مع محمد إلى قتال أهل مكة ، ولم يقتل رؤساؤنا ، والمراد أننا حمق كالمجانين فى خروجنا ، إذ خرجنا بلا تجويد الرأى بخلاف الرأى المذكور فى قوله تعالى { لو كان لنا من الأمر شىء } فإن معناه أنه ليس رأينا مأخوذاً . وقيل لو كان من وعد محمد بالنصر شىء ، أو لو كان الأمر كله لله ولأوليائه ، وقيل المراد لو كان الاختيار فى الخروج لنا لم نقتل هاهنا ، ولكن خرجنا قهراً ، وأسندوا القتل إلى أنفسهم والمقتول البعض ، لأن المقتولين بعض منهم ، والإشارة بها هنا إلى معركة القتال يوم أحد . { قُل لَّوْ كُنتُمْ فِى بُيُوتِكُمْ } بالمدينة . { لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ } أى لظهر بالخروج منها الذين قضى الله عز وجل عليهم القتل ، إلى المواضع الشبيهة بمواضع الاضطجاع والنوم وهى المواضع التى يموتون فيها ، ويكونون فيها كهيئة المضطجع ، ولم يخطئ أحد منهم موضع موته المكتوب عليه ، ولم ينج من الموت ، فإن قضاءه لا يرد ، ولو لم يخرج من لم يقض عليه القتل ، ولكن مستحيل بقتضاء الله أن لا يخرج من خرج ، وأن لا يموت من قضى عليه الموت . { وَلِيَبْتَلِىَ اللَّهُ مَا فِى صُدُورِكُمْ } عطف على محذوف ، دل عليه لبرز الذين ، أى لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجهم ، لينفذ قضاءه وليبتلى الله ما فى صدوركم ، أو لمصالح كثيرة ، وليبتلى أو معطوف على لكيلا تحزنوا ، أو يتعلق بمحذوف ، أى وفعل ذلك ليبتلى الله ما فى صدوركم . { وَلِيُمَحِّصَ مَا فِى قُلُوبِكُمْ } أو يقدر مؤخر ، أى وليبتلى الله ما صدوركم { لِيُمَحِّصَ مَا فِى قُلُوبِكُم } فعل ، ذلك معنى الابتداء بها هنا الإظهار ، أى لظهر ما فى صدوركم من الإخلاص والنفاق ، فظهر منها النفاق ، والله عالم به . قيل وعالم به بعد ، وذلك كقوله تعالى { يوم تبلى السرائر } أى تظهر ، وقيل المعنى ليختبر أولياء الله ما فى صدوركم ، فحذف المضاف وأسند فعله تعظيماً له لله تعالى . وعن ابن عباس التمحيص والابتلاء واحد ، أى وهما الظهور ، والخطاب للمنافقين . وقيل الخطاب للمؤمنين . قال قتادة معنى ليمحص إلخ يظهر ما فى قلوبكم من الشك والارتياب وكذا ليبتلى الله ما فى صدوركم ومعناهما واحد ، أو أحدهما بمعنى الإظهار بالظاء المشالة المعجمة والآخر من التطهير بالطاء المهملة أى هذه الوقعة تطهركم من الوسوسة أو تكفر كفارة ذنوبكم . { وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } وإذا ظهر شاء من قلب عبده فليعلمه غيره أيضاً .