Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 195-195)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى } وروى عنه أنه قيل له كيف ذلك ؟ فقال اقرءوا { الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً } إلى قوله { إنك لا تخلف الميعاد } أى أعطاهم مسئولهم بسبب دعائهم ، كما دلت عليه الفاء ، ومعنى استجاب حصل المطلوب ، ومعنى أجاب أعطى الجواب بلا أو بنعم ، فهو أعم من استجاب ، و { أنى } على تقدير الباء ، أى فاستجاب لهم ربهم بأنى لا أضيع وقرئ بكسر الهمزة على تقدير القول ، أى فاستجاب لهم ربهم قائلا إنى لا أضيع ، أو على تضمين استجاب معنى قال ، فتحكى الجملة باستجاب وقرئ لا أضيع بفتح الضاد وكسر الياء المشددة ، والمعنى لا أحبط عمل عامل منكم ، أى عامل كان إذ عمل لى ذكراً كان أو أنثى ، وقالت أم سلمة رضى الله عنها قالت يا رسول الله إنى أسمع الله يذكر الرجال فى الهجرة ولا يذكر النساء " . فنزل قوله تعالى { بَعْضُكُم مِّنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِى سَبِيلِى وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّنْ عِنْدِ اللَّهِ } مقتضى الظاهر من عندى فعدل عنه إلى الغيبة . { وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ } وقرئ أى لا أضيع - بكسر همزه إن - كما مر - أما على الاستئناف فيكون أول ما نزل فى شأن مقال أم سلمة المذكور ، وآخره حسن المآدب وأما على تقدير القول ، أى قائلا إنى لا أضيع ، فيكون أول ما نزل فى شأن مقالها ، بعضكم من بعض ، ومعنى { بَعْضُكُم مِّن بَعْض } أن الذكر مأخوذاً وثابت من الأنثى ، والأنثى مأخوذة أو ثابتة من الذكر ، وهذه الجملة معترضة بين { أَنِّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ } بكسر { إن } على الاستئناف ، وبين { فَالَّذِينَ هَاجَرُوا } إذ كانا كلاهما فى شأن مقالها ، أو بين عمل عامل وما فصل به عمل العامل من قوله { فَالَّذِينَ هَاجَرُوا } ولو فتحت همزة إن ، وقيل معنى { بعضكم من بعض } أنكم من أصل واحد وهو آدم ، أو هو بمعنى الكاف ، أى بعضكم كبعض ، يقال فلان منى ، أى مثلى فى سيرية ، يبالغ فى التشبيه لشدة الاتصال ، أو للاجتماع حتى كأنه بعضه وما صدق هذه الأقوال المساواة بين الذكر والأنثى فى الإثابة على العمل والتناصر فى الدين . " قالت عائشة للنبى صلى الله عليه وسلم هل على النساء جهاد ؟ قال " نعم . جهاد لا قتل فيه الحج والعمرة " . و { الذين } مبتدأ خبره القسم المحذوف ، وجوابه المذكور بقوله تعالى { لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُم } مانع الإخبار بالإنشاء يقدر القول ، أى مقول فيهم ، أو أقول فيهم والله لأكفرن ، والقول خبر ، والظاهر أن التشائية القسم لا تمنع الخبر لأن محط القسم جوابه وهو إخبار والقسم قبله ، كفضلة مؤكدة والمعنى هاجروا الشرك أو الأوطان والعشائر بالخروج إلى المدينة أو إلى الحبشة ثم إلى المدينة ، لما استقر صلى الله عليه وسلم فيها حرصاً على دين الله لئلا يفوتهم بالشرك ، أو بلزوم الوطن والعشيرة ، وأخرجوا معى من ديارهم أخرجهم المشركون ، والإخراج قسمان الأول أن يضيق على الإنسان بمنع من يكلمه أو يجالسه أو ينفعه أو يقصد بالضرب والقتل ، أو أكل المال ونحو ذلك فيخرج ، والثانى أن يقهر على الخروج ، ومعنى { وَأُوذُواْ فِى سَبِيلِى } ضرهم المشركون فى دينى ، أو لأجل دينى ، أى لإسلامهم . ومعنى { وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُوا } قاتلوا المشركين من أجلى ، وقتلهم المشركون شهداء فى الجهاد وقرأ الكسائى وقتلوا أو قاتلوا ببناء الأول للمفعول ، وإسقاط الألف ، وبناء الثانى للفاعل ، وإثبات الألف أو الواو لمطلق الجمع ، فعطفت سابقاً على لاحقاً ، وحكمة هذه القراءة أن يقدم المفضول ، ويؤخر الفاضل على سبيل الترقى ، فالمفضول كون الإنسان مقتولا ، والفاضل كونه مقاتلا فيقتل غيره ، ويدل للفضل كونه ، صلى الله عليه وسلم ، قتل رجلا وحيى ، وقرأ ابن كثير وابن عامر كقراء الجمهور وقاتلوا وقتلوا لكن بتشديد الثانى للمبالغة ، وقرئ " وقتلوا وقتلوا " كقراء الجمهور لكن بإسقاط الألف من الأول ، أى قتلوا المشركين وقتلهم المشركون ، وقرئ وقتلوا وقاتلوا كقراءة الكسائى ، إلا أنه بناء الأول للفاعل ، وتكفير السيئات محوها ، وهن الصغائر ، أو هن كبائر ، لم يقصدوا الإصرار عليها ، وثواباً بدل من جنات بدلا مطابقاً ، بمعنى ما أثيب به أو حال من جنات لوصفها بتجرى أو من ضميرها فى تجرى ، أو مفعول مطلق مؤكد هو وعامله المحذوف لقوله { لأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ … } إلخ وهو اسم مصدر أثاب أى أثيبهم بها ثواباً أى إثابة ، فضلا من الله ، و { مِّن عِندِ اللَّه } نعت لثواباً ، ومعنى كونه عنده حسن الثواب ، أن الله جل وعلا هو المالك للثواب ، الحسن القادر على الإثابة به للمطيع ، وقدم { عند } للحصر . قال عمرو بن العاص سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن أول ثلاثة يدخلون الجنة فقراء المهاجرين الذين يتقى بهم المكاره إذا أمروا سمعوا وأطاعوا ، وإن كانت إلى رجل منهم حاجة إلى سلطان لم تقض له حتى يموت وهى فى صدره ، فإن الله عز وجل يدعو يوم القيامة الجنة ، فتأتى بزخرفها وزينتها فيقول أين عبادى الذين قاتلوا فى سبيلى وقتلوا وأوذوا فى سبيلى وجاهدوا فى سبيلى أدخلوا الجنة ، فيدخلونها بغير عذاب ولا حساب ، وتأتى الملائكة فيسجدون ويقولون ربنا نحن نسبح لك الليل والنهار ونقدس لك من هؤلاء الذين آثرتهم علينا . فيقول الرب عز وجل هؤلاء الذين قاتلوا فى سبيلى وأوذوا فى سبيلى ، فتدخل عليهم الملائكة من كل باب ، سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار " .