Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 40-40)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَالَ رَبِّ } أى يا رب . { أَنَّى يَكُونُ لِى غُلاَمٌ } ؟ استفهام تعجب ، أو استفهام استعظام أو استفهام استبعاد بحسب العادة ، لأن ولادة الشيخ من الشيخة العاقرة خفى السبب مما يتعجب منه ، ويستعظم ويستبعد عادة . { والله عَلَى كُلّ شَىءٍ قَدير } ويجوز أن يكون استفهاماً حقيقيا ، سأل الله أن يفهمه سبب الولادة و كيفيها ، مع أنه وزوجته شيخان وهى عاقر ولا خبر للكون ، أى كيف ؟ أو من أين يحدث لى غلام ؟ وإن جعلت لهُ خبراً فهو لى ، ويتعلق { أنى } بيكون ، وذكر وجه التعجب أو الاستعظام أو الاستبعاد أو حقيقة الاستفهام بقوله { وَقَدْ بَلَغَنِى الْكِبَرُ } أدركنى كبر السن وأثر فى ، وكان عمره حينئذ تسعاً وتسعين سنة ، وعمر زوجته ثمانية وتسعين . وقال الكلبى كان عمره اثنين وتسعين سنة ، وقيل مائة وعشرين سنة . { وَامْرَأَتِى عَاقِرٌ } لا تلد ، وأصل عاقر فى هذا المعنى ، وصف للنسب ، أى ذات قطع ، لأنها قطعت عن الولادة ، وتغلبت عليه الاسمية ، ويجوز أن يكون بمعنى مفعول ، أى معقورة ، أى مقطوعة عنها ، ولا يشك زكريا فى وعد الله سبحانهُ وتعالى ، ولكن أراد استعظام قدرة الله تعالى ، وتردّ هل يكون الولد بأن يرده الله وزوجته شابين ، أو يبقيهما شيخين ، أو يرزقهُ الله الولد من غيرهما من النساء ؟ قال الحسن أراد أن يعلم كيف يهب لهُ الولد وهو كبير وامرأتهُ عاقر كقول إبراهيم { رب أرنى كيف تحيى الموتى } وجملة { وَامْرَأَتِى عَاقِرٌ } حال من ياء { بلغنى } ، وجملة { قَدْ بَلَغَنِى الْكِبَر } ، حال من ياء { لى } . ويجوز أن تكون جملة { قَدْ بَلَغَنِى الْكِبَر } وجملة { امْرَأَتِي عَاقِرٌ } حالين من باء { لى } ، والواو فيهما للحال ، كذا أفهم كلام بعض ، والذى عندى أن الحال الجملى لا يتعدد ، ويغنى عن تعدّده إبقاء الواو على أصلها الذى هو العطف ، فيحصل معنى تعدد الحال بالعطف ، لأن المعطوف على الحال فى معنى الحال ، والاسمية قد تعطف على الفعلية ، ولا سيما أن الفعلية هنا مقرونة بـ { قد } . { قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } أى قال الله ومقتضى الظاهر ، قلت كذلك أفعل ما أشاء ، ولكن ذكر لفظ الجلالة الجامع لصفات الكمال ، ومنها القدرة على توليد عاقر شيخة ، من شيخ فان ، وزعم بعضهم أن " رب " فى قوله { قال رب أنى يكون لى غلام } هو جبريل ، وهو الذى بشره بالولد لجواز استعمال رب ، لغير الله إذا أضيف ، فيكون على هذا قوله { قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآء } على مقتضى الظاهر ، أى قال جبريل { كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ } وكأنه قال يا سيدى ، أو يأمرنى بالوحى من الله أنى يكون لى غلام . وعن عكرمة والسدى لما سمع زكريا قول الملائكة { إن الله يبشرك بيحيى } قال له الشيطان إن هذا الصوت من شيطان ، ولو كان من الله لأوحاه إليك إيحاءً ، كما يوحى إليك . فقال زكريا دفعاً لهذه الوسوسة { رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِى غُلاَم } ، واعترض بأنه لو يشتبه على نبى كلام الشيطان بكلام الملك ، لزال الوثوق بالوحى ، وأجيب بأنه لا يشتبه فى أمرع الشرع ولا مانع من اشتباهه فى غيره من مصالح الدنيا ، والواضح تنزيه ساحة الأنبياء من الاشتباه مطلقاً ، كما وعدك بالولد ، وأنت وهى شيخان ، وهى عاقر ، ففى قوله { كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } دلالة على أنهُ يرزقه الولد منها لا من امرأة شابة غيرها ، وأنه يبقيهما على شيخوختهما ، لأن هذا أبلغ فى القدرة . و { الله } مبتدأ ، و { يفعل } خبر ، و { كَذَلِك } متعلق بـ { يفعل } أو مفعول مطلق ، أى يفعل فعلا ثابتاً كذلك ، أو يفعل فعلا مثل ذلك . أو { الله } مبتدأ ، و { كَذَلِك } خبره ، و { يَفْعَلُ مَا يَشَاء } إيضاح المعنى اسم الإشارة أى الله على ذلك الوصف من فعل كل ما يشاء ، أى صفته ذلك أو { كَذَلِك } خبر لمحذوف ، أى الأمر كذلك ، أى كما أخبرتك . و { اللَّهُ يَفْعَل } مبتدأ وخبر ، والجملة إيضاح لقوله الأمر كذلك ، تم لشدة رغبته عليه السلام فى الولد للولد ، واشتياق إليه ، قال ما حكى الله تعالى عنه بقوله { قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِّي } .