Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 45-45)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ } إذ بدل من إذ فى قوله { وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك } بدلا مطابقاً ، وما بينهما معترض ، وفى هذا الوجه كثرة الفصل ، أو بدل من " إذ " فى قوله { إذ يختصمون } بدلا مطابقاً بأن بعد زمان الاختصام ، وزمان قول الملائكة ، وما بينهما زماناً واحداً وقع الاختصام فى أوله حال صغرها ، ووقع قول الملائكة فى آخره ولو طال ما طال بينهما ، كما تقول لقيته يوم الجمعة ، وفارقنى فيه ، تريد أنك لقيته ضحاها ، وفارقك عشيتها ، والقائل من الملائكة جبريل ، أو هو وغيره على حد ما مر . { يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ } نعت كلمة ، ومن للابتداء ، لأن عيسى حادث بمجرد تعلق إرادة الله وجوده ، أعنى أنه بلا أب ، وهذا المذكور من الإرادة موجود فى كل مخلوق ، لكن ما ذكر معها من الخلق ، من أم بلا أب مختص بعيسى عليه السلام ، فكان إسناد حدوثه إلى الكلمة أكمل ، فجعل عيسى بهذا الاعتبار ، كأنه نفس الكلمة . كما تقول فى المبالغة زيد صوم وجود وعلم . وتسميته بالكلمة تسمية بالمسبب باسم السبب . { اسْمُهُ } أى اسم الكلمة وورد الضمير مذكرا لأن كلمة مراد به إنسان أى أن الله يبشرك بإنسان اسمه عيسى ، وذلك الإنسان الملقب بكلمة هو عيسى عليه السلام . { الْمَسِيحُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ } كل من المسيح وعيسى لفظ أعجمى معرب ، فالمسيح أصله بالعبرانية مشيحاً - بفتح الميم بعدها شين منقوطة مكسورة وبعد الشين ياء ساكنة مثناة تحتية وبعدها حاء مفتوحة مهملة وبعد الحاء ألف ، عرب باسقاط الألف وإسقاط إعجام الشين وإلى فيه على طريق لمح الأصل ، إذ معناه بالعبرانية تبارك ، وهو فى الأصل وصف . و { عيسى } معرب يشوع بفتح الهمزة وإسكان الياء وضم الشين المعجمة وإسكان الواو ، عرب بتقديم العين مكسورة وتأخير الياء عنها ساكنة ، وتأخير الهمزة ألفا عن الياء وإسقاط إعجام الشين ، وإسقاط الواو . وأنكر الزمخشرى والقاضى ما ورد فى ذلك من الأقوال الراجعة إلى أن اللفظين عربيان مع أنها أقوال للجمهور ، فقيل إنهُ سمى مسيحاً لأنه مسح بالبركة ، فهو فى الأصل فعيل بمعنى مفعول ، والميم أصل والياء زائدة ، وكذا فى قول من قال لأنه مسح من الأقدار والذنوب ، وقول من قال لأنهُ خرج من بطن أمه ممسوحاً بالدهن ، وقول من قال لأن جبريل عليه السلام مسحه بجناح حتى لا يكون للشيطان عليه سبيل ، وقول من قال إنه ممسوح القدمين لا أخمص لهما ، وقول من قال لأنه مسح بدهن حين ولد وهو دهن يمسح به الأنبياء دون غيرهم ، ومن مسح به كان نبياً ، وعن ابن عباس رضى الله عنهما لأنه ما مسح ذا عاهة إلا شفاه الله تعالى ، وعلى هذا فهو فعيل بمعنى فاعل ، وقيل لأنهُ كان يسيح فى الأرض ولا يقر بمكان ، وعلى هذا فالميم زائدة والياء أصل ، وزعم بعض لأنه صادق ، ولا يعلم فى اللغة مسح أو ساح بمعنى صدق . والمسيح لقب ، واللقب يؤخر عن العلم ، وعيسى علم فإنما قدم اللقب هنا لشهرته فوجوب تأخيره مقيد بألا يكون أعظم فى الشهرة من العلم ، وأن لا يكون أدل على المسمى ، كما لوح إليه الصبان عن الشيخ بآيس . و { اسمه } مبتدأ ، و { المسيح } خبر ، و { عيسى } خبر ثان ، و { ابن مريم } خبر ثالث ، أو نعت عيسى ، و { ابن } يكتب بالألف فى مصاحفنا ، أعنى مصاحف المغرب ، ولو كان بين علمين تابعاً بدلا أو نعتاً أو بياناً ، وهو من شذوذ خط المصحف . قال عبد الله محمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله الأموى الأندلسى الشريشى المعروف بالخرازمى فى باب ما زيد ومع لكنا الشاذ ، وهما فى الكهف وابن وأنا ، قل حيثما فلا دليل فى مصاحفنا بثبوت الألف على تعين كون { ابن } خبراً ثالثاً ، بل فى مصاحف المشارقة إذ يكتبونها إذا كان خبراً أو غيره مما ليس تابعاً بين علمين ، والاسم ما يعرف به الشىء علما ، كعيسى ، أو لقباً كالمسيح ، أو كنية كأبى الخير ، وغير ذلك كابن مريم . فصح أن يجعل { ابن مريم } خبراً ثالثاً ، لقوله { اسمه } فأما أن يراد أن اسمه المعرف له هو مجموع الثلاثة ، وإما أن يراد أن أسماءه هذه الثلاثة . ووجه هذا أن تكون إضافة الإسم للجنس ، ويجوز أن يكون عيسى خبراً لمحذوف ، و { ابن } نعتاً له ، أو بياناً ، أو بدلا ، أى هو عيسى بن مريم وأضاف { ابن } للاسم الظاهر وهو { مريم } ، ولم يضفه لضمير الخطاب ، مع أن الكلام فى خطاب مريم ، تنبيهاً على أنه تلده بلا أب ينسب إليه ، فهو ينسب إليها ، فيقال عيسى بن مريم ، وإنما يقال فى الإخبار عنه ابن مريم ، وكذا فى ندائه ، لا ابنك إلا فى حال الخطاب . قيل حملت مريم بعيسى ، ولها ثلاث عشرة سنة ، وولدته ببيت لحم من أرض أورى لمضى ستة وخمسين سنة من غلبة الإسكندر على بابل ، وأوحى الله إلى عيسى على رأس ثلاثين سنة ، ورفعه الله من بيت المقدس ليلة القدر من رمضان ، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، فكانت نبوته ثلاث سنين ، وعاشت أمه مريم بعد رفعه ست سنين . { وَجِيهاً فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ } أى مرتفع القدر فيهما ، أما فى الدنيا فبالنبوة وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله ، وأما فى الآخرة فبالشفاعة . ونصبه على الحال من { كلمة } ، ولو كان كلمة نكرة لأنه موصوف بقوله { منه } ، قوله { اسِمُهُ الْمَسِيحُ … } إلى آخره ، وهو حال مقدرة ، ويجوز أن يكون قوله { اسمُهُ المَسِيحُ … } إلخ حال أيضاً ، ولم يقل وجيهة لأن المراد بقوله " كلمة " مذكر كإنسان كما مر . { وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ } عند الله يوم القيامة بعلو الدرجة فى الجنة ، تحت درجة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وفوق درجات المسلمين . وقيل من المقربين إلى الله بالاصطفاء للعبادة ، وقيل برفعه إلى السماء وصحبة الملائكة ، وذلك أن تدخل علو درجته فى الجنة ، فى وجاهته فى الآخرة ، وتفسير التقريب يغير ذلك ، ويتعلق بمحذوف وجوباً ، حال معطوف ، أى وثابتاً من المقربين ، أو جوازاً أى ومعدوداً من المقربين .