Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 49-49)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَرَسُولاً إِلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ أَنِّى قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } الواو عاطفة لقول محذوف على قوله بعلم و { رسولا } مفعولا لأرسلت محذوفاً ، مفعول للقول ، أى ويقول أرسلت رسولا إلى بنى إسرائيل بأنى قد جئتكم هو عيسى ، أو { رسولا } معطوف بالواو على الحال ، مضمن معنى ناطق ، أى وناطقاً بـ { أنّى قدْ … } إلخ . أو مفعول لمعطوف على يعلم ، أى ويجعله رسولا إلى بنى إسرائيل ، وقرأ اليزيدى ورسول بالرفع عطفاً على كله { أنى … } إلخ مقدر بباء متعلقة برسول ، على الوجهين ، أو بأرسلت المقدر على الأول منهما ، أو تعلق بمحذوف نعت لـ { رسولا } أى ورسولا إلى بنى إسرائيل ناطقاً بأنى قد جئتكم ، وخص بنى إسرائيل لخصوص بعثته إليهم ، أو للرد على من زعم من اليهود أنه مبعوث إلى قوم غيرهم لا إليهم ، وزعم بعض اليهود أنه مبعوث إلى قوم مخصوصين من بنى إسرائيل ، والحق أنه مبعوث إلى بنى إسرائيل كلهم لا إلى غيرهم ، وكان أول أنبياء بنى إسرائيل يوسف بن يعقوب ، وآخرهم عيسى على نبينا وعليهم السلام ، والآية العلامة على إرساله إلى بنى إسرائيل وقد جاء بآيات ، ولكن أفردَ لفظة آية ، لأن مدلولهن واحد ، وهو كونهُ رسولا فكأنهُ شىء واحد . { أَنِّى أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ } جواب سؤال محقق أو مقدر ، كأنهم قالوا ما هذه الآية ؟ فقال أنى أخلق لكم الآية ، أو يقدر أقول أنى أخلق لكم ، أو يقدر قال أنى أخلق لكم ، أو هو مستأنف وقرأ غير نافع ، بفتح همزة { أنى } على الإبدال من أنى قد جئتكم ، أو من آية بدل كل من أراد بالآية ما ذكر هنا ، أو بدل بعض أن أراد الجنس أو خبر لمحذوف أى هى أنى أخلق لكم ، والخلق تقدير الشىء وتصويره ، والله سبحانه يوجد الشىء من العدم إلى الوجود كيف شاء ، وعيسى عليه السلام ، يعمل من الطين مثل هيئة الطير ، كما نعمل من الطين لبنة ، والطين مخلوق لله ، ومحييهِ الله وحده ، وجعل ذلك على يد عيسى ، وليس لعيسى فيه سوى علاجه على صورة الطير ، وسوى النفخ فيه ، وهذان الفعلان أيضاً فعلان له ، ومخلوقان لله تعالى ، قال اللهُ تبارك الله أحْسَنُ الخالقين ، أى أحسن المقدرين ، واللام للتعليل ، أى خلق لأجلكم أى لتحصيل إيمانكم ودفع كفركم ، و { من } للابتداء ، والكاف اسم ، وهو مفعول به لأخلق ، وهيئة مضاف إليه ، ولك أن تقول حرف جر والمفعول محذوف ، أى شيئاً ثابتاً كهيئة الطير ، والهيئة اسم الحال الشىء ، أو مصدر بمعنى مفعول ، أى مهيأ ، والفعل هاء يهىء ، أى استقر على حال ما . { فَأَنْفُخُ فِيهِ } أى أنفخُ بفمى فى مثل الهيئة ، فالهاء عائدة إلى الكاف أو للشىء الذى قدرت آنفا . { فَيَكُونُ } ذلك المثل أو الشىء ، ويجوز عود الضمير للمذكور من الهيئة أو للمخلوق على هيئة الطير . { طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ } أى فيصير حيواناً يطير بأمر الله وقدرته ، وإحيائه ، فالإحياء منه تعالى ، لا منى ، وكذا قرأ نافع فى المائدة طائر بألف وهمزة . وقرأ غيره هنا وفى المائدة طيراً بإسقاط الألف وبالياء ساكنة سكوناً حيا بعد فتح الطاء ، لما دعى عيسى عليهِ السلام الرسالة ، وأظهر المعجزة ، طالبوه بخلق خفاش ، تعنتاً ، فأخذ طيناً فصوره ثم نفخ فيه ، فإذا هو خفاش يطير بين السماء والأرض ، قال وهب كان يطير مادا ، والناس ينظرون إليه فإذا غاب عن أعينهم سقط ميتاً لحماً ودماً ، لتمييز فعل الخلق من فعل الله ، قيل طلبوا منه خلق الخفاش ، لأنه أعجب من سائر الخلق ، ومن عجائبه أنه لحم ودم يطير من غير ريش ، ويلد كما يلد الحيوان ، ولا يبيض كما يبيض سائر الطيور ، ويكون لهُ الضرع ، ويخرج منه اللبن ، ولا يبصر فى ضوء النهار ، ولا فى ظلمة النهار وإنما يبصر ساعة بعد الغروب وساعة بعد الفجر قبل أن يسفر جداً ، ويضحك كما يضحك الإنسان ، ويحيض ، ثم قيل عليه السلام ما خالق إلا الخفاش ويناسبه ظاهر قراءة نافع بإفراد طائر ، وقيل خلق أنواعاً من الطير ، وليست قراءة نافع تبطله ، لأن كل فرد من أنواع الطير فأحياه الله ، يصدق عليه أنه كان طائراً بإذن الله ، بل لفظ الطير يدل على القول الأخير ، لأن الأفصح فيه أن لا يطلق على الفرد ، وبعض يطلقه على الواحد فصاعداً ، وروى أنه عليه السلام يقول لبنى إسرائيل أى الطير أشد خلقة ؟ فيقولون الخفاش ، طائراً لا ريش لهُ ، فكان يصنع بحضرة الناس خفافيش من الطين ، فينفخ فيها فتطير بإذن الله ، كما نفخ جبريل فى درع أمه مريم ، فكان عليه السلام فى بطنها ، فقالوا إن عيسى ساحر . { وَأُبْرِىءُ الأَكْمَهَ } هو من ولد أعمى ، وله عينان ، وقيل من ولد ولا عين فى وجهه ، وقيل الأكمه من له عينان ولا يبصر ، أو ولد يبصر ثم كان لا يبصر ، أو ولد لا يبصر . وأبرأه أن يجعله يبصر وأبرأ الذى لا عين له ، أن يجعل له العينان ويبصر بهما . وعن ابن عباس والحسن الأكمه الذى ولد أعمى . وقيل الأكمه الذى لا يبصر بالنهار ويبصر بالليل ، وقيل الأعمش ، قال فى الكشاف الأكمه الذى ولد أعمى ، وقيل هو الممسوح العين ، ويقال لم يكن فى هذه الأمة أكمه غير قتادة ابن دعامة السدوسى صاحب التفسير ، يعنى ممسوح العين وعن ابن عباس وقتادة هذا الأكمة من ولد مغموم العينين . { والأَبْرَصَ } بياض شديد فى الجسم لزوال الدم ، وكان الغالب فى زمان عيسى عليه السلام الطب ، فأراهم المعجزة من جنس الطب ، قال وهب بن منبه ربما اجتمع عيسى عليه السلام من المرضى فى اليوم الواحد نحو خمسين ألفاً ، من أطاق مشى ، ومن لم يطق مشى إليه عيسى ، وكان يداويهم بالدعاء على شرط الإيمان برسالته ، وخص الكمه والبرص ، لأنهما أعييا الأطباء وكان جالينوس فى زمانه ، ولما قال عيسى أبرئ الأكمه والأبرص . قالوا إن لنا أطباء يفعلون ذلك . فذهبوا إلى جالينوس وأخبروه بذلك ، فقال إذا ولد أعمى لا يبصر بالعلاج ، والأبرص إذا كان إن غرزت الأبرة لا يخرج منه الدم ولا يبرأ بالعلاج ، فإن أبرأهما فهو نبى . فجاءوا إلى عيسى بأكمه وأبْرص فأبرأهما فى الحال ، فآمن بعض ، وجحد بعض وقالوا سحر . فقال أحيى الموتى بإذن الله ، كما قال الله عز وجل عنه . { وَأُحْيىِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ } فأخبروا بذلك جالينوس ، فقال الميت لا يعيش ولا يحيا بالعلاج ، فإن كان يحيى الموتى فهو نبى لا طبيب . فطلبوا منه أن يحيى الموتى ، فأحيا عازر ، وكان صديقاً لهُ أرسلت أخته إلى عيسى أنه مات ، فذهب إلى بلده ، فوجده مات منذ ثلاثة أيام ، فقال لأمه انطلقى بنا إلى قبره . فانطلقت معهم إلى قبره ، وهو فى صخرة مطبقة ، فقال عيسى عليه السلام اللهم رب السماوات السبع والأرضين السبع إنك أرسلتنى إلى بنى إسرائيل ، أدعوهم إلى دينك وأخبرهم أنى أحيى الموتى ، فأحيى عازر فقال عازر وودكه نفطر ، وعاش وولد له ، ومروا بميت على سرير فدعا عيسى عليه السلام الله تعالى ، فأحياه الله وجلس على سريره ، ونزل عن أعناق الرجال ، ولبس ثيابه وحمل السرير على عنقه ، ورجع إلى أهله وعاش ، وولد لهُ ، وماتت ابنة الذى يأخذ العشور ، فقيل له أتحييها وقد ماتت أمس . فدعا الله تعالى ، فأحياها ، وعاشت وولدت . وقالوا أنت تحيى من كان قريب الموت ، فلعلهم بهم سكتة ، فأحى لنا سام بن نوح . فقال لهم دلونى على قبره ؟ فدعا الله فخرج من قبره ، وقد شاب رأسه . فقال عيسى كيف شبت ولا شيب فى زمانك ؟ فقال له يا روح الله إنك لما دعوتنى سمعت من يقول أجب روح الله فظننت أن القيامة قد قامت ، فمن هول ذلك شاب رأسى ، فقال عيسى لم تقم الساعة ، ولكن دعوتك باسم الله الأعظم ، فسأله عن النزع ؟ فقال يا روح الله إن مرارة النزع لم تذهب من وقت موتى أكثر من أربعة آلاف سنة ، فقال له مت . فقال بشرط أن يُعيذنى الله من سكرات الموت مرة أخرى ، فدعا الله فى ذلك فمات بلا وجع ، ولا ألم . فقال للقوم صدقونى فإنى نبى ، فآمن به بعض ، وكذب به بعض ، وقالوا سحر ، فأرنا آية أخرى ، أخبرنا بما نأكل ، وما ندخر . فقال نعم يا فلان أكلت كذا ، وادخرت كذا يا فلان ، أكلت كذا وادخرت كذا ، كما قال الله تعالى { وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ ، وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ } من الطعام والشراب وغير ذلك ، وكان يخبر الرجل ، بما أكل البارحة وبما يأكل اليوم وبما يدخر لعشائه ، وقيل كان فى المكتب يحدث الصبيان بما يصنع آباؤهم ويقول للغلام انطلق فقد أكل أهلك كذا وكذا ، وقد رفعوا لك كذا ، فينطلق الغلام إلى أهله يبكى ، حتى يعطوه ذلك الشىء ، فيقولون من أخبرك بهذا فيقول عيسى ، فحبسوا صبيانهم عنه ، وقالوا لا تقعدوا مع هذا الساحر ، فجمعوهم فى بيت فجاء عيسى بطلبهم ، فقالوا ليسوا هنا قال وما فى البيت ؟ قالوا خنازير ، قال كذلك يكونون ! ففتحوا عليهم الباب فإذا هم خنازير ، ففشى ذلك فى بنى إسرائيل وهموا به ، فخافت عليهِ أمه ، فحملته على حمار لها ، وخرجت هاربة إلى مصر ، وكذلك قال مجاهد كذلك كان من طفولته إلى نبوته . وقال قتادة معنى الآية إنما هو فى نزول المائدة عليهم ، وذلك أنها لما نزلت أخذ عليهم عهداً أن يأكلوا ولا يخبئوا ولا يدخروا ، فأخبأوا فأخبر كلا بما أكل وبما ادخروا ، وعوقبوا على ذلك ، وروى أن جالينوس لما سمع به رحل إليه من أرمينية وهو بالشام ، فمات قبل الشام ، وكرر بإذن الله دفعاً لتوهم الألوهية . و { تدخرون } تفتعلون ، أبدلت التاء قبل الخاء دالا وأدغمت فيها الدال وقرئ بإسكان الدال . { إِنَّ فِى ذلِكَ } المذكور من الخوارق ، وهذا من كلام عيسى ، أو من كلام الله تعالى ، والواضح أنه من كلام عيسى ، ووجه كونه من الله أن يقال إنه كلام ألقاه الله لليهود فى زمان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليؤمنوا بعيسى . { لآيَةً لَّكُمْ } على رسالتى ، { إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } موفقين للإيمان ، أو مصدقين للحق ، غير معاندين . وجواب إن دل عليه ما قبله ، أى إن كنتم مؤمنين عند الله فى قضائه ، كان ذلك آية ، تستدلون بها أو إن كنتم مؤمنين انتفعتم بها ، والمنجم قد يخبر بما غاب من غيره بظن لا بيقين ، ويخطئ فى كثير ، ويعتمد على حساب ، ونظر فى نجوم . وكذا الكاهن يخبره الجنى ، فيخطىء ويخطئوه كثيراً ، وما بالوحى كأمر الأنبياء يقين بوحى ، لا حساب ولا نظر ولا جن فيهِ ولا خطأ .