Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 52-52)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ } تحقق عيسى منهم الكفر ، كما يتحقق الشىء المحس بالإحساس من الحواس ، وذلك أن الكفر معقول لا يحس بحاسة ، ولكن شبه العلم به بعلم ما يعلم بالحاسة ، ثم إنه لا مانع من أن يبقى أحسَّ على ظاهره ، لأنه أحس كفرهم بأذنيه ، إذ سمع منهم ألفاظ الكفر ، والتلفظ بلفظ الكفر بلا حكاية الكفر . { قَالَ مَنْ أَنْصَارِى } وسكن الياء غير نافع وابن كثير وأبى عمرو . { إِلَى اللَّهِ } متعلق بمحذوف ، والمحذوف حال ، وهو كون خاص ، وصاحب الحال الياء ، أى من أنصارى ذاهباً إلى الله ، أو ملتجئاً إلى الله ، وأنصار جمع ناصر ، والمعنى من ينصرنى حال كونى ذاهباً إلى الله ، أو ملتجئاً إليه ، أو من ينصرنى ضاما نصره إياى ، إلى نصر الله إياى ، وصاحب الحال أيضاً الياء ، ويجوز تعليقه بأنصار على تضمين معنى مضيفين ، أى من الذى يضيفون أنفسهم إلى الله فى نصرى ، بأن ينصرونى مع الله ، ويجوز تعليقه بأنصار ، بلا تضمين ، إن جعلنا { إلى } بمعنى " مع " ، أو " فى " أو اللام ، أى فى دين الله ، أو لأجل الله ، والمعية حاصلة مع إبقاء { إلى } على أصلها أيضاً ، لأنك إذا أنهيت بشىء إلى شىء ، فقد جمعتهما ولذلك أنكر الزجاج وغيره مجىء { إلى } بمعنى " مع " واستقلوا بذلك . { قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ } أى أنصار دين الله ، والحوارى صفى الرجل وخالصته من الحور ، وهو البياض الخالص ، يقال لنساء القرى حواريات ، لصفاء ألوانهن وخلوصه ، وغلبة البياض عليهن . ويقال للدقيق حوارى ، لأنهُ الخالص من جملة الدقيق ، وحوّرت الثوب بيضته . قال أبو جلدة اليشكرى فى نساء القرى @ فقل للحواريات يبكين غيرنا ولا يبكنا إلا الكلاب النوائح @@ روى جابر بن عبد الله أنه ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يوم الخندق ، فانتدب الزبير ، ثم ندبهم فانتدب الزبير ، ثم ندبهم فانتدب الزبير ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم " إن لكل نبى حواريات ، وحواريى الزبير " وفى رواية " وحواريى من أمتى الزبير " فسمى أنصار عيسى حواريين لخلوص نياتهم ، ونقاء سرائرهم ، وظهور نور العبادة عليهم ، وحواريو الأنبياء من أخلصوا نياتهم فى نصر الأنبياء ، فهذا الاسم لقبهم الله به ، بعد إجابة عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام ، أو كانت نياتهم قبل ذلك خالصة فى الله ، وعلى كل حال فهم فى الأزل مستحقون لهذا الاسم . وقيل سموا لأنهم ملوك يلبسون الثياب البيض استنصر بهم عيسى على اليهود ، وقيل لأنهم قصارون ، يحورون الثياب ، أي يبيضونها . وبه قال الحسن ، وعن مجاهد والسدى سموا لبياض ثيابهم . وأما تفسير الحوارى الذى يستعان به فليس من اللغة ، بل من حيث إن الرجل يستعين بصفيه لما علم عيسى على نبينا وعليهِ الصلاة والسلام ، من بنى إسرائيل الكفر ، وعلم أنهم أرادوا قتله ، خرج هو وأمه يسيحان فى الأرض فدخلا قرية فأضافهما رجل ، وأحسن إليهما وكان لتلك القرية ملك جبار ، فجاء الرجل يوماً حزيناً ، ومريم عند امرأته ، فقالت مريم ما شأن زوجك ، أراه كئيباً حزيناً ؟ . قالت لا تسألينى . قال مريم أخبرينى لعل الله يفرج كربه . قالت المرأة إن لنا ملكاً جباراً ، وقد جعل على كل رجل منا يوماً يطعمهُ فيه هو وجنوده ، ويسقيهم الخمر ، وإن لم يفعل عاقبه ، واليوم نوبتنا ، وليس عندنا سعة لذلك . فقالت قولى له لا يهتم بذلك ، فأنا آمر ابنى أن يدعو له فيكفى ذلك . ثم قالت مريم لعيسى ففى ذلك ، فقال عيسى إن فعلت ذلك وقع شر . قالت مريم لا تبالى وهو قد أحسن إلينا وأكرمنا . فقال أعيسى قولى لهُ إذا قرب ذلك الوقت فاملأ قدورك وخوابيك ماءً ثم اعلمنى . ففعل الرجل ذلك ثم دعا الله عيسى - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - فتحول ماء القدور مرقاً ولحماً وماء الخوابى خمراً لم ير الناس مثلها ، فلما جاء الملك وأكل من ذلك الطعام وشرب من تلك الخمر ، قال من أين لك هذا الخمر ؟ فقال من أرض كذا … وقال الملك إن خمرى منها وليست مثل هذه . فقال هى من أرض أخرى … فلما رآه قد خلط فى كلامه ، شدد عليه ، فقال الرجل أنا أخبرك … إن عندى غلاماً لا يسأل الله شيئاً إلا أعطاه الله إياه وإنهُ دعا الله تعالى فجعل الماء خمراً ، وكان للملك ابن يريد استخلافه فى ملكه وقد مات قبل ذلك بأيام ، وكان يحبه حبا شديداً ، فقال الملك إن رجلا دعا الله حتى صار الماء خمراً بدعوته ، ليستجاب لهُ فى إحياء ابنى ، فطلب عيسى وكلمهُ فى ذلك فقال له لا تفعل فإنهُ إن عاش وقع شر ، فقال الملك لا أبالى إذا رأيته فقال عيسى إن أحييتهُ تتركنى وأمى نذهب حيث نشاء ؟ قال نعم … فدعا الله عيسى فعاش الغلام ، فلما رآه أل مملكته قد عاش تبادروا إلى السلاح وقالوا أكلنا هذا الملك حتى إذا دنا أجله أراد أن يستخلف علينا ابنه ، فيأكلنا كما أكلنا أبوه ، فقاتلوه فظهر أمر عيسى وقصدوا قتله ، وكفروا به ، وقيل إن اليهود عرفوا أنه المسيح المبشر به فى التوراة ، وأنه ينسخ دينهم ، ولما أظهر الدعوة اشتد عليهم ذلك ، فأخذوا فى إيذائه وطلبوا قتله ، وكفروا . فقيل إنهُ ذهب يسيح فى الأرض ، ومر بجماعة يصطادون السمك ، وكانوا اثنى عشر رجلا ومعهُُ أمه . فقال عيسى عليه السلام ما تصنعون . قالوا نصيد السمك . قال أفلا تمشون حتى نصيد الناس لحياة الأبد ، قالوا ومن أنت ؟ قال أنا عيسى بن مريم عبد الله ورسوله ، فسألوه آية تدل على صدقه . وكان شمعون وهو رئيسهم ، قد رمى بشبكة فى الماء ، فدعا الله عيسى فاجتمع فى الشبكة من السمك ما كادت تتمزق من كثرته ، ومعهُ يعقوب ويوحنا فاستعانوا بأهل سفينة أخرى ، وملأوا السفينتين من السمك ، فآمنوا به وانطلقوا يصطادون الناس إلى دين الله تعالى ، فهم الحواريون القائلون نحن أنصار الله ، وروى أيضاً أن مريم عليها الصلاة والسلام ، قد سلمت عيسى إلى أعمال شتى - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - وكان آخر من سلمته إليه قصارين صباغين ، دفعته إلى رئيسهم ليتعلم منهم فاجتمع لهُ ثياب ، وعرض له سفر ، فقال لعيسى إنك قد تعلمت هذه الصنعة وأنا خارج للسفر ولا أرجع إلى عشرة أيام ، وهذه ثياب مختلفة الألوان وقد علمت على كل واحدة بخيط ، على الآخر الذى يصبغ له ، وأريد أن تفرع منها وقت قدومى . وخرج المعلم إلى سفره ، فطبخ عيسى حبا واحداً على لون واحد ، وأدخل فيه جميع الثياب وقال كونى بإذن الله على ما أريد منك ، ثم قدم الرجل فقال لعيسى ما فعلت ؟ قال فرغت منها . فقال وأين هى ؟ قال فى الحب . قال كلها ؟ . قال نعم . قال لقد أفسدت على الثياب . قال عيسى لا … ولكن قم فانظر . وقام عيسى وأخرج ثوباً أحمر وثوباً أخضر ، وثوباً أصفر ، وثوباً أسود ، حتى أخرجها كلها على الألوان التى يريد ، فجعل الرجل يتعجب ، وعلم أن ذلك من الله تعالى ، فقال للناس تعالوا فانظروا ، فآمن به هو وأصحابه ، فهم الحواريون . وروى أن أحداً من الملوك صنع طعاماً ، وجمع الناس عليه ، وكان عيسى - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - على قصعة من قِصَاعه فكانت لا تنقص ، فذكروا الواقعة لذلك الملك فقال لهم أتعرفونهُ ؟ قالوا نعم … فذهبوا وجاءوا بعيسى - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - إليه فقال من أنت ؟ قال عيسى بن مريم فقال له إنى أترك ملكى وأتبعك ، وتبعه ذلك الملك مع أقاربه ، فهم الحواريون . والأظهر أن هؤلاء كلهم الحوارين ، فمنهم ملوك ، ومنهم قصارون وصباغون ومنهم صيادون . { آمَنَّا بِاللَّهِ } إنه ربنا لا غيره . { وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } ديننا دين الإسلام ، لا يهودية ولا نصرانية أو منقادون لما يأمر الله به ، أو ينهى عنه ، واستشهدوا عيسى بإسلامهم ليؤدى شهادته عنهم يوم القيامة . يوم تشهد به الرسل لمن أجابهم ، وأجيز أن يكونوا طلبوا الشهادة من الله تعالى .