Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 7-7)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ هُوَ الَّذِى أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ } القرآن منه . { مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ } مصونة عن الإجمال والالتباس ، والاحتمال اسم مفعول ، أحكم أمرا أتقنه عن كذا . { هُنَّ أمُّ الكِتَابِ } أى أصله يرد إليها غيرها من المتشابه مثل قوله تعالى { لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ } فإنه محكم ، وقوله { إلى ربها ناضرة } متشابه يحتمل النظر إلى ذاته ، ويحتمل انتظار ثوابه ، فيحتمل انتظار الثواب ، ردا إلى قوله { لا تدركه الأبصار } ومثل قوله تعالى { لا يأمر بالفحشاء } فإنه محكم . وقوله { أمَرْنَا مُتْرَفيها } مشتبه ، أمرناهم بالفسق أو الطاعة ، فيجمل على الأمر بالطاعة ردا إلى قوله تعالى { لا يأمر بالفحشاء } وإنما لم يقل أمهات لأن الكل بمنزلة آية واحدة ، أو لاعتبار أن كل واحدة منهن أم الكتاب . { وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } عطف على { آياتٌ مُحْكَمات } ، أى محتملات ، أو مجملات ، أو ملتبسات ، لا تظهر إلا بالبحث ، الشديد لتعارضها مع أخرى ، أو أمر عقلى ، وأخر جمع آخر ، وأخرى اسم يدل فى الأصل على التفضيل ، لأنه مؤنث ، اسم التفضيل فى الأصل وهو آخر بمد الهمزة وفتح الخاء ، فإن أصل معنى أخر وأخرى ، ما هو أزيد فى التأخير فى صفة أو فعل ، أو المكان أو الزمان ، ثم استعمل فى تغاير الذات للأخرى ، فلخروجه عن معناه وعن التفضيل أيضاً صار يطابق ما هو لهُ ، ولو لم يعرف بأل ، ولم يضف لمعرفة ، فإنك لا تقول امرأة فضلى فالأفضل وتقول المرأة الفضلى ، أو كذا فى التثنية ، والجمع تقول نساء أفضل ، والنساء الفضل ، فقيل أخر - بضم الهمزة وفتح الخاء - معدود عن الآخر ، كذلك بأل ، بمعنى أن مطابقته لما هو لهُ فى الجمع ، والتأنيث يناسبه أن يعرف بأل ، وخص المعرف بأل ، لأن اسم التفضيل المعرف بها يجب أن يطابق ، بخلاف المعرف بالإضافة ، وإنما قلت والتأنيث لأن الفعل فى الجمع ، بضم ففتح مخصوص بالمؤنث ، وقيل معدود عن لفظ آخر بالمد ، للهمزة ، والفتح للخاء ، وهو بالإفراد والتذكير ، وإن قلت هَلاََّ كان القرآن كله محكماً ؟ . قلت كان فيه المتشابه ، لأن كلام العرب إما ظاهر صريح ، وإما غيره ككناية ، وتلويح وهو مستحسن ، فاشتمل القرآن عليهما إذ نزل بلغة العرب ، وليقف المؤمن عند المتشابه ، ويرده إلى الله ، ويرتاب المنافق ، كما ابتلى بنو إسرائيل بالنهر ، وليقوى الثواب ، باستخراج معناه لمعربته ، ولأنه لو كان كله محكماً ، بقى الإنسان فى الجهل والتقليد ، لعدم الحاجة فى الحكم إلى الدلائل العقلية ، وليفتقر إلى تحصيل ما تقوى به معرفته من النحو ، والتصريف ، واللغة ، وأصول الفقه ، او لأن طباع الناس تتوانى أكثر الأمر عن إدراك الحقائق ، والقرآن مشتمل على عدم الخاص والعام ، فخوطبوا بما يناسب ما توهموا ، وقرن بما يدل على الحقيقة من التوحيد ، مثلا فدال الحقيقة محكم ، والموهم مشتبه ، فإن من قرع أذنه أن الله ليس بجسم ، ولا متحيز ، ولا حال ، ولا مشار إليه ، توهم العدم وخوطب أولا بألفاظ ، يثبت لهُ بها اعتقاد الوجود ، وقد قال بعض أصحابنا ذلك لمشبه . فقال المشبه لهُ ما يزيد على ذلك منكره ماذا يقول … ؟ فأجابه ذلك البعض ، بان يقول مثل ما قال المشبه ، فيكون قد أنكر الله ، يعنى أن من شبه الله بجعله جسما ، أم متحيزا ، أو مشار إليه ، أو حالا ، فقد جعله من جنس المخلوق ، ملبس بخالق ، فقد أنكره ، تعالى عن ذلك . ولا ينافى قوله { وأُخَرُ مُتشَابهاتٌ } قوله { كتاب أُحْكِمَتْ آياتُهُ } لأن معنى إحكام آياته فى هذه الآية صونها من فساد المعنى واللفظ ، ولا يشكل أيضاً قوله تعالى { كتاباً متشابهاً } لأن معناه أن بعضه شبه بعضاً فى صحة المعنى ، وبلاغة اللفظ ، ويشبه ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " الحلال بين والحرام بين وبين ذلك أمور متشابهات " أى هى حلال تشتبه على الرجل يظنها حراماً وبالعكس ، وما فسرت به المحكم والمتشابه ، هو قولى وقول بعض أصحابنا وقول الشافعى ، وقال ابن عباس المحكم الناسخ ، والمتشابه المنسوخ . وكذلك قال ابن مسعود وقتادة والسدى والضحاك . وعن ابن عباس المحكمات قوله تعالى { قُلْ تَعَالَوْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُم } إلى آخر الآيات الثلاث ، ومثلها { وقَضَى رَبُّكَ } إلخ الآيات الثلاث بمعنى أنها مشتبهة فى كل كل شريعة لا تقبل النسخ ، وقال مجاهد المحكم ما فيهِ الحلال والحرام ، والمشتبه غيره ، يشبه بعضه بعضاً ، ويصدق بعضه بعضاً وقيل المحكم ما أطلع الله عباده عليه ، فأحكموه أى أتقنوه . والمتشابه ما استأثر الله بعلمه ، كوقت الدجال تتعينه ، والساعة ، ويأجوج ومأجوج ، ونزول عيسى - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - وطلوع الشمس . وقيل المتشابه ما أبهم أوائل السور ، كألف الم ، والر ، والمر ، والمص وغيره محكم ، وبه قال مقاتل ، وعن ابن عباس المتشابه ما فيه تقديم وتأخير أو قطع ووصل ، أو خصوص وعموم ، " قال ابن عباس قال حيى بن أخطب وكعب بن الأشرف ونظراؤهما من اليهود - لعنهم الله - للنبى صلى الله عليه وسلم بلغنا أنه أنزل عليك آلم فانشدك الله أنزلت عليك ؟ قال نعم . قال إن كان ذلك حقاً فإنى أعلم مدة ملك أمتك هى واحد وسبعون عاماً ، فهل أنزل عليك غيرها ؟ قال نعم المص . قالوا فهذه أكثر هى واحد وستون ومائة فهل أنزل عليك غيرها ؟ قال نعم " المر " قالوا فهذه أكثر هى مائتان وواحد وثمانون ، فهل غيرها ؟ . قال نعم " المر " . قالوا هذه أكثر ، مائتان وواحد وسبعون ، ولقد اختلط علينا فلا ندرى أبكثيره نأخذ أم بقليله ، ونحن لا نؤمن بهذا ، فنزل { فأمَّا الَّذيِنَ فِى قُلوبِهِمْ زَيغٌ } " وقيل المحكم ما كان معقول المعنى ، والمتشابه بخلافه كإعداد الصلوات ، واختصاص الصيام برمضان دون شعبان ، وقيل المحكم ما لم تتكرر ألفاظه ، ومقابله المتشابه . وقيل المحكم ، الفرائض ، والوعد والوعيد ، والمتشابه القصص والأمثال . وقيل المحكم ما وضح معناه والمتشابه ما خفى ، ولو من حيث اللغة ، ومرجع الضمير والإشارة . وقيل المتشابه ما استأثر الله بعلمه ، كقيام الساعة ، والحروف المقطعة ، وأوائل السور . { فَأمَّا الّذِيِنَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيغُ } ميل عن الحق ، بإنكاره ، وبالشك فيه ، وقيل المراد وفد نجران الذين خاصموا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقدم الكلام عليهم . وقيل الذين أظهروا التوحيد ، وأضمروا الشرك . قلت الظاهر أن المراد كل من يريد من المشركين وغيرهم فى دين الله فيلبس عليهم بمجتملات القرآن مثل أن يستدل المجيرة بقوله تعالى { وَجَعَلْنَا عَلى قُلُوبِهِمْ أكنّةً أن يَفْقَهُوهُ وفى آذانِهِمْ وَقْراً } ومثبت الرواية بقوله { إلى ربِّها ناظرةٌ } وقوله تعالى { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ من فَوْقِهِمْ } وقوله { علَى العَرْشِ اسْتَوى } إذا ذكر ذلك يريد إدخاله فى قلوب الناس فقد طلب إدخال فساد الاعتقاد فى قلوبهم ، وإن يقصد ذلك فقد سعى أيضاً فى إدخال الفتنة فى قلوبهم . وقيل هم يهود طلبوا معرفة بقاء مدة هذه الأمة من الحروف أوائل السور . روى " عن جابر بن عبد الله أنه مر أبو ياسر سفر بن أخطب فى رجال من يهود ، برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يتلو فاتحة سورة البقرة { ألم . ذلك الكتَابُ لا رَيْبَ فِيِِه } فَأتىَ أخاه حُيَىّ بن أخطب فى رجال من اليهود ، فقال تعلمون والله ، لقد سمعت محمداً يتلو فيما أنزل عليه { الم . ذلك الكتاب } فقال أنت سمعته ؟ قال نعم ، فمشى حيى فى أولئك النفر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا " ألم " نذكر أنك تتلو فيما أنزل عليك ، " ألم ذلك الكتاب " ؟ . فقال صلى الله عليه وسلم بلى . فقالوا لقد بعث الله قبلك أنبياء ، ما نعلمه بين لنبى منهم ما ملكه وما أجل أمته غيرك ، الألف واحد ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، فهذه إحدى وسبعون سنة ، أفتدخل فى دين نبى إنما مدة ملكه وأجل أمته إحدى وسبعون ثم قال يا محمد هل مع هذا غيره . قال نعم " المص " قال هذه أثقل وأطول الألف واحد ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، والصاد تسعون فهذه إحدى وستون ومائة سنة ، هل مع هذا غيره ؟ . قال نعم " الر " . قال هذا أثقل وأطول الألف واحد ، واللام ثلاثون ، والراء مائتان هذه إحدى وثلاثون ومائتا سنة ، هل مع هذا غيره ؟ . قال نعم " المر " . قال هذه أثقل وأطول الألف واحدة ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، والراء مائتان ، هذه إحدى وسبعون ومائتا سنة ، ثم قال لقد لبس علينا مرك حتى ما ندرى أقليل أعطيت أم كثير ؟ ثم قال قوموا عنه ، ثم قال أبو ياسر لأخيه ومن معه ما يدريكم ؟ لعلهُ قد جمع هذا لمحمد ، إحدى وسبعون ، وإحدى وستون ، ومائة وإحدى وثلاثون ، ومائتان وإحدى وسبعون ، ومائتان ، فذلك سبع مائة وأربع وثلاثون سنة . فقالوا لقد تشابه علينا أمره " وفيهم نزلت هذه الآيات { فَيَتَّبِعُوَن مَا تَشَابَهَ مِنْهُ } مثل أن يفسروا بما يناسب اعتقادهم الفاسد ، أو بما يوقع الخلل والوهن فى الدين ، أو يقولوا لمكان النسخ هلا كان بلا نسخ ؟ ولم قال كذا ؟ ولم يقل كذا ؟ ولم يكرر الكلام الواحد مرتين وثلاثاً وأربعاً ؟ ونحو ذلك مما مر من الأقوال فى تفسير المتشابه . { ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ } طلب الشرك والفكر عند الربيع ، والكلبى ، أو طلب الشبهات ليضلوا جهالهم . وبه قال مجاهد والحسن ، أو طلب إفساد ذات البين ، بإلقاء الخلاف بينهم . { وابْتِغَاءَ تَأْويِلِه } وطلب التأويل الذى يشتهونه ، فعن ابن عباس والكلبى فى رواية عنه ، طلبوا مدة بقاء محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته . وقيل المراد طلب الكفار المنكرين للبعث ، متى يبعثون ، وكيف إحياؤهم ؟ وقيل اليهود سألوه تعنتاً متى البعث ؟ وكيف الإحياء ؟ . ثم إن المراد إما أنهم يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة تارة ، وابتغاء تأويله تارة . وهذا يلائم الجاهل ، وإما أنهم يتبعونه لمجموع ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله فهذا يناسب المعاند . والتأويل تفعيل من آل يؤول ، أولم بمعنى رجع . فالتأويل تصير اللفظ إلى معنى بالتفسير ، مع الصرف عن ظاهرها ، وافق الحق أو لم يوافق . قال سليمان بن يسار أن رجلا يقال له صبيغ ، قدم المدينة ، فجعل يسأل عن متشابه القرآن ، فأرسل إليه عمر وقد عدله عراجين النخل ، فقال من أنت ؟ . قال أنا عبد الله صبيغ . فأخذ عمر عرجوناً من تلك العراجين فضربه حتى أدمى رأسه . وفى رواية فضربه بالجريدة حتى ترك ظهره دبره . ثم تركه حتى برئ ، ثم عاد ثم تركه حتى برئ ، فدعا به ليعود ، فقال إن كنت تريد قتلى فاقتلنى قتلا جميلا ، فأذن له إلى أرضه ، وكتب إلى أبى موسى الأشعرى ألا يجالسه أحد من المسلمين . وأما من علم المحكم ثم طلب المتشابه ، حرصا على العلم فلا بأس ، وكتاب الله تعالى . فإن الله تعالى إنما ذم من كان غرضه تتبع المتشابهات المفسدة يقصدها فيكون كالمشركين الذين يقترحون على رسلهم آيات غير ما جاءوا به تعنتاً وعناداً ، وظنا أنهم يؤمنون إذا جاء رسلهم بما اقترحوا . { وَمَا يَعْلَم تأوِيلَهُ إلاّ اللهُ } أى ما يعلم تأويله الذي يجب أن يحمل عليه إلا الله . { والرّاسِخُونَ } أى الثابتون . { فى العلِمْ يَقُولُونَ آمنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِنْدِ رَبِّنّا } الراسخون مبتدأ ، ويقولون خبر . أخرج ابن أبى حاتم عن أبى الشعثاء جابر ابن زيد - رحمه الله - وأبى نهيك ، أنهما قالا إنكم تصلون هذه الآية ، وهى معطوفة بمعنى أنه ليس الراسخون معطوفاً على لفظ الجلالة ، وما ذكر عن جابر هو المشهور ، وهو مذهب جمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، والأشعرية وهو أصح الروايات عن ابن عباس . أخرج عبد الرزاق والحاكم أن ابن عباس كان يقول وما يعلم تأويله إلا الله ، ويقول الراسخون فى العلم آمنا به ، وهذا تفسير يكون الواو للاستئناف . وابن عباس ترجمان القرآن ، فيقدم تفسيره وفيه قال صلى الله عليه وسلم " اللهم فقهه فى الدين ، وعلمه التأويل " فالوقف على لفظ الجلالة ، ويدل بذلك أن الآية صريحة فى ذم منتفى المشابه ، ووصفهم بالزيغ ، وابتغاء الفتنة ، وفى مدح الذين فوضوا العلم إلى العلماء ، وسلموا إليه ، كما مدح اله من آمن بالغيب . وكذلك حكى الفراء أن أبى بن كعب يقرأ ويقول الراسخون فى العلم آمنا به . وكذلك قال الأعمش إن ابن مسعود يقرأ { وإن تأويِله إلا عند الله والراسخون فى العلم آمنا به } " وعن عائشة رضى الله عنها تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هذه الآية { هُوَ الَّذىِ أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَاب } إلى قوله { أُوْلُواْ الأَلبَابِ } فقال إذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه ، فأولئك الذين سمى الله فاحذرهم " ، والمراد ذم الداخلين فى المتشابه . قال أبو مالك الأشعرى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا أخاف على أمتى إلا ثلاث خلال أن يكثر لهم المال فيتحاسدوا فيقتتلوا ، وأن يفتح لهم الكتاب فيأخذه المؤمن يبتغى تأويله ، وما يعلم تأويله إلا الله " وروى عمر بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضاً ، فما عرفتم منهُ فاعملوا به ، وما تشابه فآمنوا به " ففيه إشارة إلى أن الراسخين يقتصرون على قولهم آمنا به . وعن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد ، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف زجر ، وأمر ، وحلال ، وحرام ، ومحكم ، ومتشابه ، وأمثال فأحلوا حلاله ، وحرموا حرامه ، فافعلوا ما أمرتم به ، وانتهوا عما نهيتم عنه ، واعتبروا بأمثاله ، واعملوا وآمنوا بمتشابهه ، وقولوا آمنا به ، كل من عند ربنا " ومثله عن أبى هريرة ، وعن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنزل القرآن على أربعة أحرف حلال ، وحرام ، لا يعذر أحد بجهالته ، وتفسيره تفسير العلماء ، ومتشابهه لا يعلمه إلا الله ، ومن ادعى علمه سوى الله فهو كاذب " وعن ابن عباس - موقوفاً نؤمن بالمحكم وندين بهِ ، ونؤمن بالمتشابه ولا ندين به ، وهو من عند الله كله أى لا نطيع الله بالعمل لأنا لا نعلمه . وعن عائشة رضى الله عنها ، موقوفاً كان رسوخهم فى العلم أن آمنوا بمتشابهه ولا يعلمونه . وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه سيأتيكم أناس يجادلونكم بشبهات القرآن فخذوهم بالسنن ، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله . قيل وكفى بدعاء الراسخين فى العلم { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذ هَدَيْتَنَا } شاهد على أن { والرّاسِخُونَ } مبتدأ . وحاصل ذلك أن الراسخين لا يعرفون معنى المتشابه ، وقالت طائفة منهم مجاهد أنهم يعرفونه . فيكون { الراسخون } معطوفاً على لفظ الجلالة وهو رواية عن ابن عباس . قال مجاهد عن ابن عباس فى قوله تعالى { لا يَعْلَمَ تَأويِلَهُ إلاّ الله ُوالرّاسِخُونَ فى العلِم } ، أنه قال أنا ممن يعلم تأويله . قال مجاهد والراسخون فى العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنا به . وعن الضحاك الراسخون فى العلم يعلمون تأويله ، لو لم يعلموا تأويله لم يعلموا ناسخه من منسوخه ، ولا حلاله من حرامه ، ولا محكمه من متشابهه . واختاره النووى قال فى شرح مسلم إنه الأصح ، لأنه يبعد أن يخاطب الله عباده بما لا سبيل لأحد من الخلق ، إلى معرفته . وكذا ابن الحاجب إنه الظاهر ، قال ابن السمعانى لم يذهب إلى هذا إلا شرذمة قليلون ، وقد يجمع بين روايتى ابن عباس إن المتشابه ثلاثة أضرب ، ضرب لا سبيل إلى معرفته كالساعة وخروج الدابة ، وضرب للإنسان سبيل إلى معرفته كالألفاظ العربية والأحكام يظهر فيها القلق لمن لم يقو علمه ، وضرب متردد بين الأمرين يختص بمعرفته بعض الراسخين فى العلم ، ويخفى على من دونهم كما قال صلى الله عليه وسلم فى ابن عباس رضى الله عنهما " اللهم فقهه فى الدين وعَلِّمه التأويل " وفى الحديث إشارة إلى أن المراد بالراسخين عام . وقيل الراسخون فى الآية مؤمنوا أهل الكتاب ، كعبد الله بن سلام . وسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الراسخين فى العلم ، فقال " من برّت يمينه وصدق لِسَانُهُ واستقام قَلْبه وعَفَّ بَطْنه فذلك الراسخ فى العلم " . وسئل مالك عن تفسير الراسخين ، فقال العالمون العاملون بما عملوا ، المتبعون له - يشير إلى الحديث المتقدم - قال الله تعالى { إنمَّا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَماءُ } فإن من لم يخش الله ليس بعالم . وقيل الراسخ فى العلم من وجد في علمه ربعة أشياء التقوى فيما بينه وبين الله ، والتواضع فيما بينه وبين الناس ، والزهد فيما بينه وبين الدنيا ، والمجاهدة فيما بينه وبين النفس . والهاء فى قوله { آمنا به } عائدة إلى ما تشابه كهاء تأويله ، أى آمنا به أنه من الله ولا نعلم معناه ، أو مع علمنا إياه على الخلاف المذكور . ويجوز عود الهاءات إلى الكتاب كهاء " منهُ " ، ومعنى { كل من عند ربنا } كل واحدة من المحكمات والمتشابهات ، من عند ربنا . وإذا عطفنا { الرَّاسِخُونَ } إلى الله فجملة { يَقُولُونَ } مستأنفة ، أو حال من الراسخون . { وَمَا يَذَّكَّرُ } يتذكر أبدلت التاء دالا مهملة ، ثم المهملة معجمة ، وأدغمت فى المعجمة ، وقيل أبدلت التاء دالا فعجمت وأدغمت . { إلاَّ أوُلُوا الأَلْبَابِ } أصحاب العقول ، مدح الراسخين فى العلم بأنهم يتعظون دون غيرهم ، لكونهم أصحاب قلوب مخصوصة ، بجودة الذهن ، وحسن النظر ، وبالتجرد عما يغشى نورها من الحواس ، كنظر الشهوة ، واستعمال الباطل ، وأكل الحرام ، بذلك توصلوا إلى معرفة المتشابه إن عرفوه . وإنما جىء قوله تعالى { هُوَ الَّذىِ أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَاب } الآية بعد قوله { هُو الَّذِى يُصَوِّرُكُمْ فِى الأرْحَامِ كيْفَ يَشَاءُ } لأنه فى تصوير الأرحام بالعلم وتربيته ، كما أن قوله { هو الذى يصوركم } إلخ ، فى تصوير الحسد وتسويته ، ولأنه رد على النصارى فى قولهم عيسى ابن الله إذ تشبثوا بما نزل فى غير القرآن ، كالقرآن أن عيسى كلمته ألقاها إلى مريم ، اشتبه عليهم هذا - لعنهم الله - فقالوا ابنه ، وما علموا أن المصور ، بكسر الواو ، غير الأب ، وبالفتح غير إله .