Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 91-91)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ } نزلت على العموم فى كل كافر ، وقال ابن عباس لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، دخل من كان من أصحاب الحارث بن سويد حيا فى الإسلام ، فنزلت الآية فيمن مات منهم . { فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأَرْضِ } كلها شرقاً وغرباً . { ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ } قرن خبر { إن } بالفاء لأن عدم قبول ملء الأرض ذهباً ، مسبباً عن موته كافراً ، فكان الخبر فى مرتبة على صلة اسم { إن } وما عطف عليها تشبيهاً بترتيب الجواب على الشرط ، وملء الأرض ما يملؤها وكذا ملء الشىء ما يملؤه ، وقرئ ببناء يقل للفاعل وهو ضمير عائد إلى الله تعالى ، ونصب ملْء . وقرئ بنقل حركة الهمزة للأم قبلها ، وحذف الهمزة وهو قراءة لبعض من قرأ للبناء للمفعول ، ورفع { ملء } ، ولبعض من قرأ بالبناء للفاعل ، ونصب { ملء } ، و { ذهباً } تمييز . وقرأ الأعمش بالرفع على أنهُ بدل من { ملء } وإنما جاز إبدال النكرة من المعرفة بدل كل ، لأنها أفادت ما لم تفد المعرفة ، وأن ملء الأرض مجمل ، يصلح للذهب وغيره ، والذهب بيان خاص ، فإذا أفادت ما لم تفد المعرفة ، جاز إبدالها سواء أفادت بتابعها أو بنفسها أو غير ذلك ، هذا تحقيق المقام ، وهو أولى مما شهر أنهُ لا يجوز ذلك إلا أن نعتت النكرة وإن لم تفد لم يجز ، لأنه إبهام بعد تفسير ، كقولك مررت بزيد رجل لمن علم أن زيداً رجل ، وإن قلت كيف جعل الافتداء به غاية لعدم قبوله مع أن عدم القبول لا يتصور إلا بعد الافتداء ؟ قلت جاز ، لأنهُ يجوز أن يقال فيمن أخذ منه مال قهراً عقوبة أنه قبل منه بمعنى أنه أجزأه عند السلطان فترك عقابه ، ومعلوم أن الافتداء إذعان ، والإذعان أولى ، فكأنهُ قيل لا يقبل ولو أذعن للافتداء به ، فكيف لو لم يذعن أو لا يقبل ؟ لو لم يذعن ولم يفتد به ، ولو افتدى به إذعاناً على ما علمت من أن الواو قبل إن ولو الوصليتين حالية لو عاطفة على محذوف ، وقد مر ثم رأيت القاضى كأنه استشعر هذا السؤال وأجاب بأن الواو للحال ، والكلام محمول على المعنى ، أى لن تقبل من أحدهم فدية ، ولو افتدى بملء الأرض ذهباً ، أو للعطف ، أى لو تقرب به فى الدنيا ولو اقتدى به فى الآخرة من العذاب فى الآخرة ، يعنى والله أعلم والافتداء به فى الآخرة أولى ، لأنه إذعان بخلاف التقرب به فى الدنيا مع الشرك ، لعدم الإذعان فجعل الافتداء به فى الآخرة غاية ، لأنه أولى وهذا الوجه الأخير بعينه هو مذهب الزجاج ، ولفظه هكذا ، ولو أنفق ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به ، أيضاً فى الآخرة قال فأخبر الله أنه لا يثنيهم على أعمالهم من الخير ، ولا يقبل منهم الافتداء من العذاب ، وليس كما قيل إن الواو زائدة حاملة على الدعاء ، الزيادة أنهُ الافتداء فى الآخرة ، وإذا قيل لو افتدى به بلا واو نعت لو الافتداء ولا نحتاج لذلك لأن المعنى ، لو كان له ملء الأرض ، وافتدى به لم يقبل ، بدليل الآية الأخرى { ولو أن للذين ظلموا ما فى الأرض جميعاً } وإلا فحكمه بزيادة لو لم يغن شيئاً فى قوله { لَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأَرْض } ، ويجوز تقدير مضاف وظرف ، أى ولو افتدى بمثله معه ، بدليل قوله { ولو أن للذين ظلموا ما فى الأرض جميعاً } ومثله معه . { أُوْلَـئِكَ } الذين ماتوا وهم كفار . { لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ومعلوم فى الجملة أن من لا يقبل منه الفداء يعاقب ، إلا أنه قد يقع قليلا ، أنه لا يقبل الفداء فى الدنيا عن أحد ، وإن عفى عنه بعد رد فدائه تكرماً ، فأوضح كل الإيضاح ، بأنه لا يقبل عنهم الفداء ، وأن لهم عذاباً أليماً ، لا عفواً . ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال لهُ أرأيت لو كان ملءُ الأرض ذهباً ، أكنت مفدى به ؟ فيقول نعم يا رب ، فيقال له قد سئلت أيسر من ذلك فأبيت بمعنى الإيمان " ورواية أنس بن مالك عن النبى صلى الله عليه وسلم " يقول الله عز وجل لأهون أهل النار عذاباً يوم القيامة لو أن لك ما فى الأرض من شىء ، كنت تفتدى به ؟ فيقول نعم . فيقول أردت منك أهون من هذا وأنت فى صلب آدم لم تشرك بى شيئاً فأبيت إلا الشرك " . { وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } يمنعونه من العذاب ، ومن التأكيد نفى جنس جماعة الناصر ، أى لا جماعة من جماعات الناصرين لهم ، وقدم { لهم } للفاصلة ، وليليهم النفى والله أعلم .