Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 92-92)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ لَنْ تَنَالُواْ الْبِرَّ } البر إما العمل الصالح وإما ثواب الله ورضاه فإذا كان بمعنى العمل الصالح ، ففيه وجهان الأول أن يقدر مضاف ، أى لن تنالوا ثواب البر ، أى ثواب العمل الصالح ، والثانى أن لا يقدر ، ولكن المعنى لن تبلغوا كمال الخير وحقيقته ، وفسر بعضهم البر بالتقوى ، وهى داخلة فى اسم العمل ، ولو كانت تركا ، لأن الترك لله سعى فيما يقرب إليه وفسره بعض بالطاعة ، ووجه اتصال الآية بما قبلها ، إنما قبلها فى أن الكافر لا ينتفع بإنفاقه والمؤمن ينتفع به ، فدين الله تبارك وتعالى بها كيفية الإنفاق النافع للمؤمنين وهم المخاطبون بها . { حَتَّى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } والآية فى النفقة المندوب إليها على الصحيح ، لا فى الزكاة ، وكل شىء كان لنفس مالكه ، أدنى قليل من الحبِّ له وأنفقه ، ولو كان أحقر شىء ، فقد دخل فى قوله { مِمَّا تُحِبُّون } فعن الحسن كل شىء أنفقه المسلم من ماله يبتغى به وجه الله ، ويطلب ثوابه حتى التمرة ، فإنه يدخل فى قوله { لَن تَنَالُواْ الْبِرّ حَتَّى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّون } وفى رواية عنه أن النفقه فى الآية هى الزكاة وكذا روى عن ابن عباس والضحاك ، فقيل نسخت بآية الزكاة على أن هذه فى إخراج الزكاة ، وعطاء أفضل المال فيها ، ونسخ لزوم إعطاء الأفضل ، ووجب الأعدل من المال ، وقال القاضى الآية فى نفقة التطوع والواجبة ، والجمهور على أن الآية فى النفقة المندوب إليها ، " كان عبد الله بن عمر يشتهى أكل السكر بالموز ، فكان يشترى ذلك ، ويتصدق به ، وكان مريضاً ، فاشتهى سمكة طرية فحملت إليه على رغيف فقام سائل بالباب ، فأمر بدفعها إليه ، ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " أى ما أمرؤ اشتهى شهوة فرد شهوته ، وآثر على نفسه ، غفر الله لهُ " قال حمزة ابن عبد الله بن عمر أن عبد الله بن عمر خطرت على قلبه هذه الآية { لَنْ تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } قال عبد الله فذكرت ما أعطانى الله فما شىء أحب إلى من فلانة ، فقلت هى حرة لوجه الله تعالى . قال ولولا أنى لا أعود فى شىء جعلته لله لنكحتها . وروى أن ابن عمر خرج فاشتهى عنباً ، وذلك فى الشتاء فخرج بنوه ، فاشتروا لهُ عنقوداً بدرهم ، فلما أتى به أخذ منه حبة ، فإذا سائل يسأل ، فأعاد الحبة فى موضعها ، ثم قال يا سلام ناوله العنقود ، ثم اشتراه منه بدرهم ثم جاء به إليه ، وقال كل شهوتك ، فأعاد السائل ، فأعادها إلى موضعها وفعل كالأول ، فكان كذلك إلى ثلاث مرات ومات ابن عمر ولم يأكله . وعن عمرو بن دينار " لما نزلت هذه الآية { لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّون } جاء زيد بن حارثة بفرس يقال لها سيل ، كان يحبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال تصدق بهذه يا رسول الله ، فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأسامة بن زيد ابن حارثة ، فقال يا رسول الله إنما أردت أن أتصدق بها ، وظن أن صدقته لم تقبل إذ تصدق بها على ولده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلت صدقتك " وفى رواية " كان زيد وجد فى نفسه فلما رأى ذلك منه النبى صلى الله عليه وسلم ، فقال " أما أن الله قد قبلها " وروى أن أبا ذر نزل به ضيف ، فقال للراعى إيتنى بخير إبلى ، فجاء بناقة مهزولة ، فقال للراعى لم جئتنى بها ؟ فقال الراعى وجدت خير الإبل فحلها ، فذكرت يوم حاجتكم إليه . فقال إن اليوم حاجتى إليه ليوم أوضع فى حفرتى ، وعن مجاهد كتب عمر بن الخطاب إلى أبى موسى الأشعرى أن يبتاع لهُ جارية من سبى جلولاء يوم فتحت مدائن كسرى ، فلما جاءته أعجبته ، فقال إن الله عز وجل يقول { لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّون } فأعتقها . والإنفاق فى الآية شامل للتحرير ، فإذا حررت عبداً فقد أنفقت نفسه عليه ، وشامل للنفع بالجاه والطاعة والنفع بالبدن والقتال ، فقد يقتل فى الله فيكون أنفق نفسه فى الله . وفى رواية أنهُ اشترى جارية ، فلما رآها أعجبته فأعتقها ، قيل له لم أعتقها ولم تصب منها ؟ فقال لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ، وروى أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن أنس بن مالك قال كان أبو طلحة الأنصارى أكثر رجل مالا بالمدينة من نخل ، وكان أحب مَالهُ إليه برحاء ، وكانت مستقبلة المسجد ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من مائها وهو طيب ، قال أنس فلما نزلت هذه الآية { لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّون } " قال أبو طلحة إن أحب مالى بئر حاء ، وأنها لصدقة لله ، أرجو برها وأدخرها عند الله فضعها يا رسول الله صلى الله عليك وسلم حيث شئت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بخ بخ … ذلك مال رابح ، يروح بصاحبه إلى الجنة ، وقد سمعت ما قلت وأنا أرى أن تجعلها فى الأقربين " ، قال أبو طلحة أفعل يا رسول الله . فقسمها أبو طلحة على أقاربه ، وبنى عمه " ، وأنا هو - بتخفيف النون ، وفتح الهمزة قبلها - وتجعلها هو بالمثناة الفوقية ، وقوله فى الأقربين أراد به أقارب أبى طلحة ، وأفعل هو مضارع للمتكلم مرفوع ، ولعل قوله يروح بصاحبه إلى الجنة تفسير من جابر أو من أبى عبيدة ، ثم رأيت أنهُ غير مذكور فى صحيح مسلم وكذا لم يذكره القاضى ، وقال القاضى رابح أو رايح ، وبرحاء اسم واحد للبستان المذكور - بفتح بائه وكسرها وفتح الراء وضمها - والمد والقصر ، فيعلا أو فيعلى من البراح وهى الأرض المنكشفة ، وليس بئراً مضافاً إلى حاء ، كما قيل ، والكلام على الحديث مبسوط فى شروح الكتب الحديث ، وتكلم عليه الشيخ أبو عمر ، ومحمد بن أبى ستة فى حاشية الصحيح ، صحيح الربيع جازاهما الله بالجنة . وفسر بعضهم الآية بأن تنفق من مالك ما أنت محتاج إليه ، وعن عبد الله ابن مسعود إيتاء المال على حبه ، أن تنفق وأنت صحيح شحيح تؤمل الحياة وتخشى الفقر . فتطيقه بالآية أن تقول ما للإنسان محبوب إليه ، ما دام فى الحياة لم يخش الموت ، فإذا أنفق منه فقد أنفق مما أحب ، وعن أبى هريرة " أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقال يا رسول الله أى الصدقة أفضل قال " أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى ، ولا تهمل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا ، إلا وقد كان لفلان " ومن التبعيض ، كما قرأ عبد الله بن مسعود حتى تنفقوا بعض ما تحبون ، ويجوز أن تكون للبيان ، أى حتى تنفقوا شيئاً هو أفضل ما تحبون . قال القشيرى من أراد البر فلينفق بعض ما يحب ، ومن أراد البر فلينفق جميع ما يحب . وقيل إذا كنت لا تصل إلى البر إلا بإنفاق محبوبك ، فمتى تصل إلى البار وأنت تؤثر عليه حظوظك . { وَمَا تُنْفِقُواْ } لله . { مِنْ شَىْءٍ } أى من أى شىء محبوب ، أو غيره و { من } للبيان متعلقة بمحذوف نعت لـ { ما } الشرطية ، أفاد النعمة تعميم المراد بما فى كل ما يطلق عليه لفظ شىء . { فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } يجازيكم بحسبه جزاء وجزائه لا يقدر قدره ومن ورائه فضله ، والله أعلم وأحكم ، وما توفيقى إلا به . " وقالت اليهود للنبى صلى الله عليه وسلم إنك تزعم أنك على ملة إبراهيم وكان إبراهيم لا يأكل لحوم الإبل وألبانها ، وأنت تأكل ذلك فلست على ملته فقال النبى صلى الله عليه وسلم " كان ذلك حلالا لإبراهيم " قالوا كلما تحرمه اليوم ؟ كان محرماً على نوح وإبراهيم حتى انتهى إلينا ؟ فأنزل الله عز وجل { كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِى إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ ، عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ } " .