Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 1-1)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ } خطاب لأهل مكة ، ويشتمل غيرهم بالمعنى ، أو هو خطاب للناس مطلقاً ، كقوله تعالى { يا بنى آدم } ، دخل فيه أهل مكة ، وهذا الوجه أولى لعمومه لفظاً ومعنى ، والخصوص يحتاج لدليل ويناسب العموم فضل مناسبة ، قوله تعالى { اتَّقُواْ رَبَّكُمُ } إن تخَالِفُوا أمْرَه أو نهْيَهُ . { الَّذِى خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } هى آدم ، والمراد بالنفس الشخص ، والتأنيث فى واحدة باعتبار لفظ النفس ، ولا يدخل فى الخطاب من مات قبل نزول الآية لأن الميت لا تكليف عليه ولا أمناً حوى لذلك لقوله { وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } حواء ، وكانت كغيرها فى الخلق منه ، إلا أن الخلق منه ثلاثة خلق من لحمه ودمه وعظمه ، وهو خلق حواء عليها السلام ، إذ خلقت من ضلعه القصير الأيسر ، وخلق من نطفته ، وهو خلق آدم أولاده ، من صلبه ، وخلق بالتفرع من فروعه ، وهو خلق سائر الناس ، وأيضاً لم يدخل حواء فى الخطاب ، لأنه يلزم أن يكون آدم خلق من نفس ، ويكون خلق الزوج وبث الرجاء والنساء داخلين فى قوله { خَلَقَكُمْ مِّنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } فيكون ذكرهما بعده تكراراً ، وما ذكرت من كونهما مخلوقة من الضلع هو الصحيح المشهور ، وورد به الحديث الصحيح بروايات منها ما لفظه هكذا " إن المرأة خلقت من ضلع ، فإن ذهبت مقيمها كسرتها ، وإن تركتها وبها عوج استمتعت بها " وعن ابن عباس خلق الله آدم وحشا فى الجنة وحده ، ثم نام فانتزع الله إحدى أضلاعه القصيرة من شماله . وقيل من يمينه خلقت منه فى نومه . قال ابن مسعود وابن عباس رضى الله عنهما فى الجنة . وقال ابن إسحاق ووهب وكعب الأحبار فى الدنيا قبل أن يحمل إلى الجنة فلما استيقظ وجدها بجانبه ، قال من أنت ؟ قالت المرأة خلقنى الله لتأنس إلى ، فأنس بها لأنها منه . وعن مجاهد لما استيقظ وجدها بجنبه ، فقال أفى أفى ؟ ، وأفى بالعبرانية المرأة . وزعم بعض أنها لم تخلق من جسم آدم ، وإنما خلقت من طينة فصلت من طينته على أن يقدر مضاف فى قوله { وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } أى وخلق من جنسها زوجها ، وبه قال أبو مسلم الخولانى وجعله كقوله تعالى { والله خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أنْفُسِِكُمْ أزْوَاجاً } أى من جنس أنفسكم ، وقوله تعالى { إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم } وقوله تعالى { لَقَدَ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ } ولا دليل ولا دليل على هذا القول ، بل يرده الحديث ، وقوله تعالى { مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَة } إذا لو خلقت حواء من غير آدم لكنا مخلوقين من نفسين ، وكون من الابتداء لا يصح جواباً ، لأن ابتدائنا على ذلك القول يكون من نفسين لا من نفس واحدة ، وجملة { وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } معطوفة على { خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَة } أو على نعت محذوف ، أى من نفس واحدة خلقها وخلق منها زوجها ، مجملة { خلقها } نعت لـ { نفس } ويجوز كونها حالا لها . { وَبَثَّ } فرق ونشر فى الأرض . { مِنْهُمَا } أى من النفس الواحدة وزوجها وهما آدم وحواء ، رجالا كثيراً ونساء كثيراً ، حذف وصف النساء بالكثرة اكتفاءاً بوصف الرجال بها من حيث إنه إذا كان الرجال كثيراً ، فأولى أن تكون النساء أكثر لأنهن مزارع الرجال حارثون ، وأرض المزارع أكثر من الحارثين ، ولظهور كثرة النساء على الرجال بالمعاينة والسماع ، وعدم ذكر كثرتهن إشارة إلى أن اللائق بالمرأة السترة والخمول ، ولم يقل رجالا كثيرة أو رجالا كثيرين لأن كثير بوزن فعيل ، وفعيل والمصادر كصهيل ودبيب ، والمصدر يصلح للقليل والكثير ، بلفظ واحد ، أو لأن رجالا ولو كان جمعاً لكنه بمعنى نوع أو فريق أو جنس أو نحو ذلك ، فساغ إفراد الوصف وتذكيره ، والموصول من أجل صلته يكون كالمشتق وتعليق الحكم بالمشتق يوذن بعليته فقد أعلوا الأمر بالتقوى ، بخلقنا من نفس واحدة ، وبتفريق الرجال الكثير ، والنساء من آدم وحواء ، ووجه ذلك تعليق أن ذلك الخلق والبث أمر عظيم ، دليل على القدرة العظيمة ، ومن قدر على ذلك ، قدر على كل شىء فمهما يقدر عليه عقاب من لا يتقى الله ، وإن النظر فى ذلك الأمر العظيم ، يؤدى إلى أن يحترم القادر عليه ، وتتقى مخالفته ، وإن ذلك دليل على أنه المنعم ، فالحق أن يتقى كفر النعمة وذلك تمهيداً لإيجاب حق الأرحام ، وإشارة إلى عقاب قاطعها ، ووجه ذلك أنه أخبرنا أنكم متصلون من أب واحد وأم واحدة . وقرئ { وَخَالَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } وباث منهما { رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً } بوزن اسم الفاعل من خلق وبث ، فيكون { زوجها } مفعولا به ، لـ { خالق } ، و { رجالا } مفعولا به لـ { باث } وإنما نصبا المفعول به لأنهما للحال المحكية ، ولو كانا إخباراً عما مضى فقط ، أو اعتبر فى البث أنه للحال حقيقة ، لأن البث لما ينقطع ، وهما خبر لمحذوف أى وهو خالق منها زوجها ، وباث منها رجالا كثيراً ونساء . { وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِى تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ } أى اتقوا عذاب الله بأداء الفرض ، وترك ما نهى عنه ، وقطع الأرحام ، فالأرحام معطوف على الله ، على حذف الإضافة ، كأنه قيل اتقوا عذاب الله ، وقطع الأرحام وأصل { تساءلون } تتساءلون بتائين أبدلت الثانية سيناً ، وأدغمت فى السين والمعنى يتساءل بعضكم بعضاً به ، يقول بالله أفعل كذا أو لا تفعل كذا ، أو افعل كذا لوجه الله ، أو لا تفعل لوجه الله . وقيل الأرحام معطوف على محل الهاء الذى هو النصب ، لأنها مفعول ، وصل إليها العامل بالحرف الجار فيكون المعنى تساءلون به وبالأرحام تقولون أفعل كذا لله أو أفعل كذا للرحم ، أو نحو ذلك ، وهذا القول للكوفيين إذ أجازوا العطف على المحل الذى لا يظهر فى الفصيح ، وغيرهم يمنع ذلك ، ويدل لهم قراءة عبد الله ابن مسعود تساءلون به وبالأرحام ، ويجوز أن يكونا تساءلون لموافقة المجرد ، لا على التفاعل ويدل له قراءة عبد الله بن مسعود تساءلون بتاء واحدة وإسكان السين وهمزة الألف متصلة باللام ، مضارع تساءل الثلاثى أى تساءلون غيركم ، وقراءة بعض تساءلون بفتح السين مخففاً يليه ألف فلام ، وهى كقراءة ابن مسعود إلا أنه قلب الهمزة ألفاً ، وقرأ عاصم وحمزة والكسائى تساءلون بفتح السين غير مشددة وبعدها ألف وبعد الألف همزة وهو من أوزان الفاعل ، كقراءة الجمهور إلا أنهم حذفوا إحدى التائين ، واختار القاضى أنها الثانية ، وقرئ والأرحام بالجر عطفاً على محل المجرور المضمر المتصل ، بلا إعادة للجار ، وفى قراءة هذا القارئ ضعف لعدم إعادة الجار والضمير المجرور المتصل مع جاره ، ككلمة واحدة ، فالعطف عليه بلا إعادة ، كالعطف على جزء الكلمة واختار ابن مالك جواز ذلك . والفخر واسبعا قصى وهو مذهب الكوفيين ، إلا أن صحت عنه صلى الله عليه وسلم ، ويدل لمعناها قراءة ابن مسعود المذكورة ، فذلك أولى من أن يقال حذف الجار وبقى عمله ، وقيل قوله { والأرحام } بالجر قسم ، أى أقسم الله بالأرحام ، على حذف مضاف ، إنكم تساءلون بالله . وقرئ والأرحام بالرفع أى والأرحام كذلك تساءلون بها ، أو والأرحام مما يجب أن يتقى . وفى الآية دليل على جواز السؤال بالله ، إذ ذكره عنهم وأمرتهم عليه . قال البراء بن عازب أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع منها إبرار القسم ، أى بقضاء حاجة من سالك بالله ، وقال صلى الله عليه وسلم " من سألكم بالله فأعطوه " وفى ذكر الأرحام مع ذكر الله فى أمر التقوى ، أو السؤال دلالة على عظم صلة الرحم ، قال صلى الله عليه وسلم " الرحم معلقة بالعرش ، تقول ألاَمَنْ وصلنى وصلة الله ، ومن قطعنى قطعه الله " وعن عبد الرحمن بن عوف " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله سبحانه وتعالى إنى خلقت الرحم وفتقت لها اسماً من اسمى ، فمن وصلها وصلته ، ومن قطعها قطعته " وعن أبى هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وما من شىء أطيع الله فيه ، أعجل ثواباً من صلة الرحم وما من عمل عصى الله به عجل عقوبة من البغى واليمين الفاجرة " … وعن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الصدقة وصلة الرحم يزيد بهما فى العمر ويدفع بهما المحذور والمكروه " وقال صلى الله عليه وسلم " أفضل الصدقة على ذى الرحم الكاشح " قال الحسن إذا سألك بالله فاعطه ، وإذا سألك بالرحم فاعطه والرحم حجة عند العرش . ومعناه ما روى عن ابن عباس رضى الله عنه " الرحم معلقة بالعرش فإذا أتاها الواصل ظهرت لهُ وكلمته ، وإذا أتاها القاطع احتجبت عنه " . وعنه صلى الله عليه وسلم " تخيروا لنطفكم " قال ابن عيينه يقول لأولادكم ، وذلك أن يضع ولده فى الحال لم تسمع قوله { واتَّقُواْ اللهَ الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرحَامَ } وأول صلة الولد أن يختار له الموضع الحلال لا يقطع رحمه ولا نسبه ، فإنما للعاهر الحجر ، ثم يختار الصحة ولا يضعه موضع سوء يتبع شهوته وهواه بغير هدى من الله ، وعن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سره أن يبسط عليه من رزقه وينسئ فى أثره ، فليصل رحمه " أى يؤخر له أجله ، أى أطال الله عمره ، أو بارك له على وفق ما سبق فى الأزل الأول لعلم الله تعالى ، فإنه يصل رحمه ، وقال صلى الله عليه وسلم " لا يدخل الجنة قاطع " قال سفيان يعنى قاطع الرحم ، والآية دالة أنه من ملك ذا رحم منه عتق عليه لأن تملكه استخدام واستخدامه يوحشه . { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } أى حافظاً لا يغفل عن خلقه ، والمراد لأمن ذلك وهو أنه لا يخفى عنه شىء من أمر خلقه فهو حقيق أن تتقى خيانته ، إذا كان يعلم كل ما فعلوا فيجازيهم عليه خيراً أو شراً ، وروى أن رجلا كان يتيماً ولما بلغ ، أتى من عنده ماله ، فقال له أعطنى مالى فأبى . فنزل قوله تعالى { وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ } .