Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 2-2)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ } أى اعطوا اليتامى أموالهم وإيضاح ذلك ما ذكره الزمخشرى " أنه نزلت فى رجل من غطفان ، كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم ، فلما بلغ طلب المال ، فمنعه عمه ، فترافعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم ، فنزلت الآية ، فلما سمعها العم قال أطعنا الله وأطعنا الرسول ، نعوذ بالله من الحوب الكبير ، فدفع ماله إليه ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم " ومن يوق شح نفسه ويطع ربه هكذا فإنهُ يحل داره " يعنى جنته ، فلما قبض الصبى ماله أنفقه فى سبيل الله ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم " ثبت الأجر وبقى الوزر " قالوا يا رسول الله قد عرفنا أنهُ ثبت الأجر ، فكيف بقى الوزر ؟ وهو ينفق ماله فى سبيل الله ؟ فقال " ثبت أجر الغلام ، وبقى الوزر على والده " . والخطاب فى { آتوا } للأولياء ، والأوصياء ، واليتيم شرعاً من مات أبوه وهو فى بطن أمه ، أو مات أبوه وهو غير بالغ ، هو مشتق من اليتم وهو الانفراد ، يقال درة يتيمة ، أى منفردة لا نظير لها ، ومن مات أبوه فقد انفرد عن أبيه ، ولو كان بالغاً فى لغة العرب ، وكانت قريش تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم يتيم أبى طالب ، إما لانفراده عن أبيه ولو كان رسول بلغ الأربعين ، وإما لاعتبار ما كان عليه ، وهو أنهُ كان طفلا مات أبوه ، وقد كان فى البطن حين مات أبوه ، ومن التسمية الشرعية ، قوله صلى الله عليه وسلم " لا يتم بعد بلوغ " أو لا يتم بعد الحلم ، أى لا تجرى عليهِ أحكام الطفولية بعد بلوغ ، وبعضها يجرى حتى يأنس رشده ، وكذا تسميتهم فى الآية يتامى وهم بلغ ، إما لأنهم قد كانوا يتامى ، وإما لانفرادهم بحسب العلة ، وإما على تقدير الشرط ، أى وآتوا اليتامى إذا بلغوا ، أى آتوا هؤلاء القوم الذين لم يبلغوا أموالهم إذا بغلوا لأن جسم الإنسان طفلا جسمه بالغاً ، ووجه الوجه الأول الحث على دفع أموالهم إليهم أول بلوغهم إن أنس رشدهم ، وإنما جمع على يتامى ، مع أم فعيلا لا يجمع على فعالى إذا كان صفة ، لأن يتمياً ، ولو كان بوزن فعيل ، لكن قد تغلبت عليه الاسمية فلم يكن له حكم الصفة ، ولذلك لا يذكر معه موصوف ، وإذا ذكر فقد رجع به إلى الأصل ، وفعيل إذا كان اسماً يجوز جمعه على فعالى ، قياساً مطرداً ، وأصله فعائل نحو أفيل وأفائل ، وهى صغار الإبل ، كابن مخاض والأنثى أفيلة ، وأصله يتائم كصحائف كقوله @ أطلال حسنى بالبراق اليتائم سلام على أحجار كنَّ القدائم @@ حسنى علم امرأة أو صفة ، والبراق جمع برقة وهى الأرض التى فيها الحجارة السود ، والبيض ، وقدمت الميم على الهمزة ، فرجعت الهمزة إلى ما كانت بدلا عنه ، وهو الياء ، وقد كسرت الميم لأنها فى مقام ما يكسر وهو تالى ألف مفاعل فتحت وقلبت الياء ألفاً ، فصار يتامى . ويجوز أن يكون يتامى أصلا لا تقديم فيه ، ولا تأخير ، فيكون جمع يتمى بفتح الياء ، وإسكان التاء ، وفتح الميم بعدها ألف ، ويتمى بهذا الضبط جمع يتيم كقتيل وقتلى ، وفعيل الدال على آفة ، ووجع يجمع على فعلى ، إذا كان صفة ، وهذا روعى فيه الوصفية الأصلية ، فعل هذا يتامى جمع الجمع كأسير وأسرى وأسارى بفتح همزته وبضمها الذى تقرأ به ، وقال ابن زيد الخطاب لمن لا يورث الصغار من العرب ، فيكون المراد بأموالهم ميراثهم . { وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ } ولا تستبدلوا الحرام الذى هو مال اليتيم بالحلال ، الذى هو مالكم ، بأن تأكلوا مالهم بدل أكل مالكم وسواء ذلك بأكل من عنده مال اليتيم أباه . قاله الحسن ، أو يترك توريثه ، لكن يتكرر هذا التفسير مع قوله { وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ } إلا أن يقال المراد بالاستبدال ترك مالهم ، وأكل مال اليتيم ، وبأكل مالهم إلى أموالكم أكل كلا المالين ، كما هو ظاهر الكلام ، ويجوز أن يكون المعنى لا تستبدلوا الفعل الخبيث ، وهو أكل مال اليتامى ، وتضييعها عنهم بالطيب ، وهو حفظها بأن تتركوا الفعل الطيب ، وتفعلوا الفعل الخبيث ، ويجوز أن يكون المعنى لا تستبدلوا المال الردىء من أموالكم ، أو من أموال صديقكم أو من تركنون إليه بالمال الجيد من أموال اليتامى ، كما روى أن أولياء اليتامى ، وأوصياءهم أو من كان مالهم عنده كانوا يأخذون الجيد من أموال اليتامى ، ويجعلون مكانه الردىء كأخذ الشاة السمينة من أموال اليتامى ، وجعل المهزولة مكانها ، وأخذ الدرهم الجيد وجعل المزيف مكانه ، ثم يقولون شاة بشاة ، ودرهم بدرهم ، ومثل أن يأخذ الرجل شاة سمينة من مال اليتيم ، ويعطيها صديقه ، ويجعل من مال صديقه شاة عجفاء فى مال اليتيم ، وأن يكون فى ذمة صديقه شاة سمينة لليتيم ، فيأخذ منه شاة عجفاء مكان السمينة ، وهذا كلهُ قول سعيد ابن المسيب ، والنخغى ، والزهرى ، والسدى ، ولو توهم بعض العلماء أن قولهم مخصوص باستبدال الردىء من أموال أنفسهم بالجيد من أموال اليتامى وإن كون الردىء من مال الصديق والجيد من مال اليتيم ، قول آخر ، واعلم أن التبدل يتعدى إلى المأخوذ بنفسه ، وإلى المتروك بالباء عكس التبديل ، وأما الاستبدال فكالتبدل ، وقد فسرنا التبدل بالاستبدال كتعجل واستعجل وتأخر واستاخر ، ولذلك ضعف قول سعيد بن المسيب ، لأن الطيب هو المأخوذ ، وقد دخلت عليه الباء ، وهى إنما تدخل على المتروك فى التبدل ، فلو كان كما قال ، لقيل لا تتبدلوا الطيب بالخبيث ، والجواب أن ذلك غير لازم تدخل الباء على المأخوذ فى التبدل ، وعلى المتروك فى التبديل ، وإلى بمعنى مع ، متعلق بتأكلوا ، وعلى أصلها فتتعلق بمحذوف جوازاً ، والمحذوق حال أى مضمومة إلى أموالكم ، ومعنى كل من المعية والضم ، أن يجمعها لفظ الأكل بأن يكون كل مأكول ولو اختلف وقت أكل كل ، معنى الأكل التفويت للانتفاع ، لأنفسهم أو غيرهم بالطعم أو للبس ، أو قضاء الدين ، أو غير ذلك ، أو بالتضييع ، فإنهم إذا ضيعوها فقد جمعوها مع أموالهم فى مطلق التفويت ، فالأكل موضوع لتفويت مخصوص وهو الطعم ، مستعمل فى كل تفويت لا يرجع نفعه لليتيم ، وسواء فعلوا ذلك مجاناً وفعلوه فى أخذ العناء ، بأن أخذوا أكثر مما يستحقون على تعينهم ، أو مما صرفوا من أموالهم على اليتامى ، جاء رجل إلى ابن عباس رضى الله عنهما فقال إن لى يتيماً وأن له إبلا فأشرب من لبن إبله ؟ فقال ابن عباس إن كنت تبغى ضالة إبله أى تطلبها لتردها وتهنا جرباها ، أى تطلبها بالقطران ، وتلوط حوضها ، وسقيها يوم وردها ، فاشرب غير بنسل ولا ناهك فى الحلب ، كما قال تعالى { فليأكل بالمعروف } { إِنَّهُ } أى أن المذكور من تبدل الخبيث بالطيب ، وأكل أموالهم إلى أموالكم هذا ما ظهر لى ، ويجوز أن يعود الضمير إلى أكل أموالهم إلى أموالكم ، وهو أقرب مذكور والأول فائدة ، ولا يقع منه فهو أولى . { كَانَ حُوباً كَبِيراً } أى ذنباً كبيراً ، كما قال بن عباس والحسن . ومنه قولهم تجوب الرجل أى اجتنب الحوب ، أى الذنب كتحنث وتأثم وتجرح ، أى اجتنب الحنث والإثم والجرح ، وليس من ذلك النوع ، كما قيل { تفكهون } لأن معناه تطلبون الفاكهة ، وقيل حوباً كبيراً ، ذنباً عظيماً ، وقرأ الحسن حوباً بفتح الحاء وهو لغة تميم . وقرأ حابا بقلب الواو ألفاً والثلاثة مصدر حاب يحوب ، أى أذنب .