Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 32-32)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ } التمنى حبك الشىء والرغبة فى أن يكون لك ، وأصله تقدير الشىء ، وذلك كما قال مجاهد أن أم سلمة قالت يا رسول الله يغزو الرجال ولا تغزو النساء وإنما لنا نصف الميراث ، تمنت أن تغزو النساء وأن يكون ميراثهن كالرجل ، وكذا قالت معها نسوة . قيل قالت أم سلمة مع ذلك " ليتنا كنا رجالا ، فنزلت الآية ناهية عن تمنى ذلك ، ولم يقل ولا تتمنين بنون الإناث ، ليشمل نهى الرجال عن أن يتمنى أحدهم ما للآخر أو للنساء ، لأن واو الجماعة تكون للذكور وحدهم ، وتكون للذكور والإناث معاً ، تغليباً لهم عليهن ، كما قالت نعبد الله ، وتعبده الرجال ، ويذكرون ولا نذكر ، فنزل { إن المسلمين والمسلمات … } الآية وكانت هى أول ظعينة قدمت المدينة مهاجرة ، وكما قيل لما جعل الله للذكر مثل حظ الأنثيين قالت النساء نحن أحق وأحوج إلى الزيادة من الرجال ، لأنا ضعفاء وهم أقوى وأقدر على طلب المعاش منا ، فأنزل الله تعالى { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِه } . وقيل لما نزل { للذكر مثل حظ الأنثيين } قالت الرجال إنا لنرجو أن نفضل على النساء فى الآخرة فيكون أجرنا ضعف أجر النساء ، كما فضلنا عليهن فى الميراث ، وقالت النساء إنا لنرجوا أن يكون الوزر علينا نصف ما على الرجال ، كان لنا نصف الميراث ، فنزلت الآية تحريماً لتمنى خلاف ما شرع الله تعالى ، لأن تمنى خلافه رد له وتعرض لحكمة القدر مع عدم تمنى زوال النعمة عمن هى عنده ، وتحريماً للحسد الحاصل بذلك أن نضم إليه تمنى زوالها عمن هى عنده ، فإن تمنى زوالها حسد ، سواء تمنى انتقالها إلى نفسه أو غيره ، أو مطلق الزوال الآن بتمنى زوالها لأنه ضر صاحبها بها الناس ، قال بعض والآية أيضاً تحريم لتمنيك مثل ما لغيرك بدون حب زواله عنه ، لأن تلك النعمة ربما كانت مفسدة فى حقك فى الدين والدنيا أو فيهما ، قال الحسن لا تتمن مال فلان ، ولا مال فلان ، يعنى مثل مال فلان ، ولا مثل مال فلان ، ولا تدرى لعل هلاكك فى ذلك المال وليعلم العبد أن الله أعلم بمصالح عباده ، فليرض بقضائه ، ولتكن أمنيته الزيادة من عمل الآخرة ، وليقل اللهم أعطنى ما يكون صلاحاً لى فى دينى ودنياى ، ومعادى . والمشهور أنت تمنى المثل بلا حب زوال جائز ، ويسمى غبطة ، والمنع إنما هو فى الأمر الدنيوى كالجاه والمال ، وهو مذهب المحققين . وقالوا لا يجوز للإنسان أن يقول اللهم أعطنى داراً مثل دار فلان ، وزوجة مثل زوجة فلان ، وذلك أنه إذا اعتبر ما بيده غيره ، فقد يؤد به اعتباره إلى حسده ومعارضته قضاء الله ، وعدم الرضى بقسم الله ومعاداة صاحبه ، وقد فسر بعضهم الآية بالمنع من غبطة أمر الدنيا ، فالتقدير { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِه } لأن تمنى ما فضل به غيرك هو الحسد لا الغبطة ، إذ لا يكون لك إلا بزواله عنه ، وفى الغبطة فى أمر الدنيا تشتهى حصول الشىء له بلا طلب مذموم ، وذلك فيما يحصل بالطلب ، أو ما طلب فيما يحصل بدون طلب فضائع ، وذلك كالذكاء التام ، واعتدال الأعضاء ، وإما بلا طلب فيما يصل به فضائع أيضاً ، وأما الغبطة فى أمر الدين فجائزة قطعاً ، لقوله صلى الله عليه وسلم " وددت أن أقتل فى سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل " وقوله صلى الله عليه وسلم " لا حسد إلا فى اثنين ألا لاغبطة إلا فيها ، ولا غبطة أفضل من غبطتهما رجل أتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ، ورجل أتاه الله مالا فهو ينفق منه آناء الليل وآناء النهار " وأما تمنى منازل الآخرة والاقتصار عليه دون اجتهاد فبطالة . { لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ } أى للإنسان نصيب فى الآخرة مترتب على عمله كطاعة المرأة زوجها ، وحفظ فرجها ، وصلاتها ، وجهاد الرجل ، وزكاته ، وسائر عملهما ، لا على التمنى المجرد ، فمن أراد أن يفوق غيره أو يساويه فبالعمل ، لا بمجرد الغبطة أو الحسد . قال صلى الله عليه وسلم " ليس الإيمان بالتمنى " وأراد بالإيمان الطاعة ، وما متعلق بمحذوف ، ونعت لـ { نَصِيب } ، أى ثابت أو صادر مما اكتسبوه واكتسبنه ، أو متعلق بمتعلق الظرف الخبرى ، ويجوز أن تكون ما مصدرية ، ومن فى ذلك كله للابتداء ، ويجوز أن تكون سببية ، وإذا جعلنا النصيب هو الحسنات ، جاز لك كله ، وجاز أيضاً كونها للبيان ، كما إذا جعلنا النصيب الميراث . كما روى عن ابن عباس فإنها حينئذ للبيان ، إلا أنه يكون الاكتساب فى هذا الوجه مجازاً ، إذ لا اكتساب فى الإرث ، وإنما هو فيه بمعنى ما عليه الإنسان من ذكورة أو أنوثة ، سمى كونه ذكراً أو أنثى كسباً لأنه أمر حاصل له كما يحصل له كسبه ، أو سمى استحقاقه إرث الذكور أو إرث الأنثى كسباً لاقتضاء ذكورته أو أنوثته له ، كأنه اكتسبه ، وقيل { لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ } من الجهاد ، و { لِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ } من طاعة الأزواج وحفظ الفروج . { وَاسْأَلُواْ اللَّهَ } الجنة أو مصالحكم أو ما رغبتم فيه . { مِن فَضْلِهِ } فإنه واسع وخزائنه لا تنفذ ، ولا تتمنوا أنصباء غيركم حسداً ، ولا غبطة بدنياه ، وذلك يعك فضل الدنيا ، وفضل الآخرة عند الجمهور ، وقال سعيد بن جبير هذا فى فضل العبادات والدين ، لا فى فضل الدنيا ، وعن ابن عباس يعنى من رزقه ، وقيل فضله توفيقه للعبادة ، وهو من معنى قول سعيد . وقيل المعنى اسألوا الله الرزق وحوائجكم بما يقربه إليكم من الأعمال الصالحة ، فإن الله يعطى من أشغلته عبادته أكثر مما يعطى من أشغله الدعاء عنها ، وينبغى تعميم الدعاء بما يصلح دينه ودنياه وآخرته ، إجمالا إذ يعرف الإنسان مصلحته فى أمر معين يقصده إلا الجنة وتوفيق العمل . وقرأ ابن كثير والكسائى فعل الأمر من السؤال بعد الفاء أو الواو فى جميع القرآن ، بفتح السين نقلا عن الهمزة بعده وإسقاط همزة الوصل بعده ، سواء الجمع والمفرد ، وكذا حمزة فى الوقف وأما فى الوصل فكالجمهور يسكن السين معتبر الهمزة الوصل قبلها ، ويثبت الهمزة مفتوحة بعدها ، قال فى كتاب " حياة الحيوان " رأيت فى كتاب " النصائح " لابن ظفر قال دخلت ثغراً من ثغور الأندلس فلقيت به شاباً متفقهاً من أهل قرطبة فآنسنى بحديثه ، وذاكرنى طرفاً من العلم ، ثم إنى دعوت فقلت يا من قال { وَاسْأَلُواْ اللَّه مِن فَضْلِهِ } فقال ألا أحدثك عن هذه الآية بعجب قلت بلى . فحدثنى عن بعض سلفه أنه قال مر علينا من طليطلة راهبان كان عظيمى القدر بها وكانا يعرفان اللسان العربى ، فأظهرا الإسلام وتعلما القرآن والفقه ، فظن الناس بهما الظنون . قال فضممتهما إلى وقمت بأمرهما وتحسست عليهما ، فإذا هما على بصيرة من أمرهما ، وكانا شيخين فقال ما لبث أحدهما حتى توفى وأقام الآخر أعواماً ثم مرض فقلت له يوماً ما سبب إسلامكما ؟ فكره مسألتى فرفقت به . فقال إن أسيرا من أهل القرآن كان يخدم كنيسة نحن فى صومعة منها ، فاختصصنا به لخدمتنا ، وطالت صحبته لنا حتى فقهنا اللسان العربى ، وحفظنا آيات كثيرة من القرآن لكثرة تلاوته له فقرأ يوماً { وَاسْأَلُواْ اللَّه مِن فَضْلِهِ } فقلت لصاحبى وكان أشد منى رأياً وأحسن فقهاً أما تسمع دعاوى هذه الآية ، فزجرنى . ثم إن الأسير قرأ يوماً { وقال ربكم ادعونى أستجب لكم } فقلت لصاحبى هذه أشد من تلك . فقال ما أحسب الأمر إلا على ما يقولون ، وما بشر عيسى إلا بصاحبهم . قال واتفق يوماً أنى غصصت بلقمة والأسير قائم علينا ، يسقينا الخمر على طعامنا فأخذت الكأس منه ، فلم أنتفع بها فقلت فى نفسى يا رب إن محمداً قال عنك إنك قلت { وَاسْأَلُواْ اللَّه مِن فَضْلِهِ } وإنك قلت { ادعونى أستجب لكم } فان كان صادقاً فاسقنى فإذا صخرة يتفجر منها الماء ، فبادرت فشربت منه ، فلما قضيت حاجتى انقطع ، ورآنى ذلك الأسير فشك فى الإسلام ، ورغبت أنا فيه وأطلعت على أمرى فأسلمنا معاً ، وغدا علينا الأسير يرغب فى أن نعمده وننصره ، فانتهرناه وصرفناه عن خدمتنا ، ثم إنه فارق دينه وتنصر فحرنا فى أمرنا ، ولم نهتد لوجه الخلاص ، فقال صاحبى وكان أشد منى رأياً لما لا ندعوا بتلك الدعوة ، فدعونا بها فى التماس الفرج ، ونمنا القائلة ، فأريت فى المنام أن ثلاثة أشخاص نورانية دخلوا معبدنا ، فأشاروا إلى صور فيه ، فانمحت ، فأتوا بكرسى فنصبوه ثم أتى جماعة مثلهم فى النور والبهجة ، وبينهم رجل ما رأيت أحسن خلفا منه فجلس على الكرسى ، فقمت إليه فقلت له أنت السيد المسيح فقال لا ، بل أنا أخوه أحمد أسلم فأسلمت ، ثم قلت يا رسول الله كيف لنا بالخروج إلى بلاد أمتك ؟ فقال للشخص قام بين يديه اذهب إلى ملكهم ، وقل له يحملها مكرمين إلى حيث أحبا من بلاد المسلمين ، وأن يحضر الأسير فلان ، ويعرض عليه العود إلى دينه فإن فعل فخل سبيله ، وإن لم يفعل فليقتله ، قال فاستيقظت من منامى ، وأيقظت صاحبى وأخبرته بما رأيت ، وقلت له الحيلة ؟ فقال قد فرج الله أما ترى الصورة ممحوة ، فنظرت فوجدتها ممحوة فأزددات يقينا ، ثم قال لى صاحبى قم بنا إلى الملك فأتيناه فجرى فى تعظيمنا على عادته وانكر قصدنا له ، فقاله صاحبى أفعل ما أمرت به فى أمرنا وفى أمر فلان الأسير ، فانتقع لونه وارعد ، ثم دعا بالأسير وقال أنت مسلم أو نصرانى فقال بل نصرانى ، فقال له أرجع إلى دينك ، فلا حاجة لنا فيمن لا يحفظ دينه ، فقال لا ارجع إليه أبدا فاخترط الملك سيفه وقتله بيده ، ثم قال لنا سراً إن الذى جاء إلىِّ وإليكما شيطان ، ولكن ما لذى تُرِيدان ؟ قلنا الخروج إلى بلاد المسلمين قال افعلا ما تريدان ، لكن اظهرا أنكما تريدان بيت المقدس ، فقلنا له نفعل ، فجهزنا وأخرجنا مكرمين . انتهى . ولم يأمر الله عباده بالمسئلة إلا ليعطيهم .