Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 47-47)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يَا أَيُّهَآ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ } الخطاب لليهود ، وما نزلناه هو القرآن ، وما معكم التوراة ، ويجوز أن يكون الخطاب لليهود والنصارى ، وما معكم التوراة والإنجيل ولا يمنع من تعميم الخطاب لليهود والنصارى ، ما يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلم أحبار اليهود عبد الله بن صوريا ، وكعب بن الأشرف وغيرهما فقال " " يا معشر اليهود اتقوا الله ، وأسلموا فوالله إنكم لتعلمون أن الذى جئتكم به لحق " قالوا ما نعرف ذلك ، وأصروا على الكفر ، فأنزل الله هذه الآية وأمرهم بالإيمان " . { مِّنْ قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً } أى نمحوها ، فإن الطمس المحو وهو متعد ، كما هنا ، والطمس أيضاً الاندراس ، وهو لازم ، وتنكير الوجوه للتحقير ، ومعنى طمسها إزالة الحواجب والعيوم والأنوف والأفواه فتكون كالجبهة ولا حسرة أشد من حسرة ذلك ، إذ تعقبها أيضاً حسرة الآخرة . { فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا } أى فتكون بذلك الطمس قد صيرنا على هيئة أقفيتنا ليس فيها صورة الحاجب وما ذكر ، والفاء سببية لأن الإخبار بحال الشىء غير نفس الشىء ، فصحت السببية فإن التصريح بالطمس غير التصريح بتحقق كونها كالقفا ، بل كونها كالقفا مسبب عن الطمس ، تقول محيت ذنوب فلان فكان كطفل ، والحاصل أن المحو غير الحاصل من المحو ، وقد أظلت التكرير ، ولا أدرى أيفهم أم لا ؟ ولا بأس بتحصيل السببية بوجه لا خفاء فيه ، وهو أن يؤول الطمس بإرادة الطمس ، فيكون الرد على الإدبار بمعنى نفس الطمس ، فهو مسبب عن إرادته ، وهذه الإرادة قريبة من الفعل موافقة للإرادة الأزلية ، ويجوز كون لتفصيل المجمل ، فإن الطمس كما يطلق على المحو ، يطلق على مطلق التغير ذاتاً أو شأناً ففسره بالتصيير على صورة الإدبار ، وهى الأقفية ويجوز أن يراد بالطمس محو ما فى الوجه من حاجب وعين وأنف وفم ، ويرد الوجوه على أدبارها أن تجعل الحواجب والعيون والأنوف والأفواه فى الأقفية من وراء ، كم يدل عليه كلام عبد الله بن سلام الآتى ، وكلام كعب الأحبار الآتى ، فيكون محل وجوههم كالجبهة أو كالقفا ، والفاء على هذا التفسير لمجرد التعقيب لا سببية ولا تفصيل ، وعن ابن عباس خمس الوجوه انتزاع العينين فقط وردهما فى القفا ، والفاء أيضاً للتعقيب ، وذلك كله فى الدنيا على ما يتبادر ، فإذا كانت كذلك فى الدنيا ، كانت فى الآخرة ، وقيل ذلك فى الآخرة ، وعلى كل حال لم يقع فى الدنيا ، أما على أن ذلك وعيد فى الآخرة فظاهر . وأما على أنه وعيد فى الدنيا ، فلأنه مشروط بعدم الإيمان وكفى فى رفع ذلك عنهم إيمان طائفة منها ، وكما يرفع العذاب بحج من يحج ، وبالصبيان فى المكتب ، وبالبهائم الرتع ، والصبيان الرضع فى الدنيا عن مستحقيه . وقيل إن ذلك يقع فى الدنيا ولا تقوم الساعة حتى تمسخ طائفة من اليهود ، روى أن عبد الله بن سلام لما سمع الآية أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يأتى أهله وأسلم ، وقال يا رسول ما كنت أرى أن أصل إليك حتى يتحول وجهى فى قفاى . وهذا منه رحمهُ الله تفسير للطمس ، بمحو تخاطيط الوجه وتصييرها فى محل القفا من خلف ، وكذا قول كعب الأحبار فى خلافة عمر رضى الله عنه ، فإنه لما سمع الآية قال أسلمت يا رب قبل أن يصيبنى وعيد هذه الآية ، وعن مالك أول إسلام كعب الأحبار أنه مر برجل من الليل وهو يقرأ هذه الآية { يَا أَيُّهَآ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَاب … } الآية فوضع كعب يده على وجهه ورجع القهقرى إلى بيته فأسلم فكأنه قال والله لقد خفت ألا أبلغ بيتى حتى يطمس وجهى . وقيل إن الطمس غير متعين لأن الله جل وعلا أخبرنا أنه يفعل بهم إحدى الفعلتين ، إما الطمس وإما اللعن كما قال { أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَابَ السَّبْتِ } على أن المراد لعنهم على لسان رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، كما لعنوا على لسان داود ، وقيل معنى طمس الوجوه إزالة احترامها وقبولها ، ومعنى ردها على أدبارها أن يكسوها الذل والهوان ، فإن الطمس تغيير فهو تغيير غير محسن ، أو طمسها ما ذكر ، وردها على أدبارها ردها أو رد أصحابها إلى الشام إلى أذرعات منه وأريحا منه ، وذلك بإجلاء بنى النضير وقريظة إليهما من أرض العرب ، وسمى ذلك ردا لأنهم جاءوا منهما قديماً . وقيل المراد بالوجوه الرؤساء ، أى تغير حال رؤسائهم من العز إلى الذل والهوان ، ومن النعمة إلى البؤس ، ومن البلد إلى الغربة ، وقال الحسن ومجاهد الطمس إعماء أبصار القلوب عن الاعتبار ، والأسماع عن الإصغاء إلى الحق ، وردها هو ردها باختيارهم عن الهدى إلى الضلالة ، والوجوه هو أنفسهم ، وذلك تغيير بالجزء عن الكل ، أو الرؤساء والأحبار ، والفاء فى هذه الأقوال للتعقيب . وقال مقاتل المراد بلعنهم مسخهم قردة وخنازير ، والصحيح أن ليس المراد بلعنهم مسخهم لجمع اللعن والمسخ فى قوله عز وجل { من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير } وعلى القول الآخر سمى المسخ لعناً أن فيه إبعاداً وطرداً ، والهاء فى نلعنهم لأهل الكتاب الذين لم يؤمنوا ، دل عليهم ذكر الوجوه ، أو دل عليهم ذكرهم بطريق الخطاب فى قوله عز وجل { يَا أَيُّهَآ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَاب } على طريق الالتفات من الخطاب إلى الغيبة ، أو الهاء للوجوه على أن المراد بالوجوه الرؤساء . { وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ } الأمر هنا واحد الأمور ، ومعنى الشىء الذى قضاه جل وعز من وعيد أو غيره ، ولعل أصله أيضاً من الأمر ضد النهى على أنه بمعنى المأمور بالوقوع ، أو المأمور به ، فإن كثيراً ما يكون قدر الله بواسطة من يأمره الله بفعله ، كالملك ، والنبى ، والدابة والطائر ، بل لا مانع من إبقائه على أنه ضد النهى ، أى كان أمر الله بوقوع شىء أو بإيقاعه . { مَفْعُولاً } يفعله الله أو من أمره الله بفعله فلا بد من وقوع الطمس والرد أو اللعن .