Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 48-48)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ } الإشراك . { لِمَنْ يَشَآءُ } لا يظن أحد عاقل أن المعنى أن الله لا يسيغ ، ولا يحلل الإشراك وأنه يبيح ما دون الشرك لمن يشاء لأن الله جل وعلا لا يبيح المعصية كائنة ما كانت لأحد ، كما لا يسيغ الشرك ولا يبيحه ولا يحلله ، ولكن المعنى أن الله لا يغفر الإشراك ، ويغفر ما دون الإشراك لمن يشاء ، أى يغفر الذنوب كلها إلا الإشراك ، بمعنى أن من مات مشركاً لا يغفر له شركه بحال ما من الأحوال ، وأما من مات موحداً عاصياً بكبائر ، فإن الله يغفر لمن يشاء منهم ، وذلك مثل أن يموت وعليه تباعات ، قد تاب منها بعينها ولم يجد الخلاص منها ، لعدم ماله ، أو تاب إجمالا ولم يعلمها ، بحيث لا يعذر فى جهلها ، أو بحيث يعذر وصاحبها يتعلق به يوم القيامة ، فإن الله جل وعلا يؤدى عنه ، والله عز وجل يعد حسناته ، ولو لم يقصد سيئاته بالتوبة ، لكن ليس فى نيته الإصرار ، فيجدها وهو عالم بها أكثر من التبعات ، وكذا نغنى حسناته ، فيؤتى بنياته ، وكذا يتوب وله وفاء من ماله فيوصى بها فلا يوجد أصحابها أو يذهب ماله بعد الموت والإيصاء . أو يعين لها مالا ، فيذهب فى حياته ، ولا يعلم بذهابه أو يعين لها مالا فيظهر أنه ليس له ، ولم يعلم أنه ليس له ، أو يجد وفاء وقد تاب قبل الغرغرة ، ولسانه لا ينطق أو يموت حيث لا أحد عنده ولا سبيل له إلى الإيصاء أو أوصى وذهبت الوصية ، أو أوصى ووكل أميناً ، أو بين لورثته الأمناء ولم تنفذ أو نحو ذلك ويجوز فى تفسير الآية وجه آخر وهو أن يتنازع لا يغفر ، ويغفر فى قوله { لِمَن يَشَآءُ } أى لا يغفر الإشراك لمن يشاء ، وهو من قضى الله تعالى أن يموت مشركاً ، ويغفر ما دون الشرك لمن يشاء ، وهو من قضى الله أن يموت تائباً وهذا التقدير معنوى ، وتقدير الاصطلاح أن تقول إن الله لا يغفر له أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء . وهاء { له } عائدة لمن يشاء الذى تاخر عنه لفظاً ورتبة ، لجوار ذلك فى التنازع ، فهذا إعمال للأخير ، ولك أن تقدر { ويغفر لمن يشاء } له فتعلق { لمن يشاء } بـ " يغفر الأول " وتعلق له بالثانى إعمالا للأول و " هاء " له عائدة لمن يشاء ، وعلى التنازع بوجهيه يكون الضمير استخداماً لأنه من شاء غفرانه غير من لم يشاء غفرانه ، وزعمت الأشعريه أن المعنى يغفر ما دون الشرك من الكبائر ، والصغائر على الإطلاق ، ولو لم يتب لمن شاء تفضلا وإحساناً ، ويدخل النار بها من يشاء ثم يخرجه ويرد عليهم أحاديث هلاك المصر وآيات شرط التوبة ، وأحاديثه ووافقوا فى أن المشرك لا يغفر له ، لأنه لا توبة له من ذنب تصح مع الشرك ولا حسنة تثبت له معه ، وإنا قيدنا ما دون الشرك بالتوبة ، كالشرك بالآيات والأحاديث المشروط فيه التوبة ، فهى أدلة التقييد . قيل نزلت الآية فى وحشى قتل حمزة وقد جعل له سيده أن يعتقه إذا قتله ، وكان عبداً فلم يعتقه سيده ، وذهب إلى مكة فندم . قيل لأنه لم يعتقه ، وله أصحاب فكتب هو وأصحابه من مكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا ندمنا على قتل حمزة ، ويمنعنا من الإسلام أننا سمعناك بمكة تقول { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر } الآيات وقد دعونا مع الله إلهاً آخر وقتلنا النفس التى حرم الله ، وزنينا فلولا هذه الآيات لاتبعناك ، فنزل { إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحاً … } الآية فبعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولما قرءوها كتبوا إليه إن هذا شرط شديد ونخاف أن لا نعمل عملا صالحاً ، فنزل { إنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآء } وذلك أنَّ من يشاء شامل لمن أسلم ومات قبل أن يعمل الصالحات ، وشامل لمن أسلم وعاش وعمل كبائر وتاب غير مصر ، فالأول تشمله المشيئة قطعاً ، والثانى تحتمله ، فلذلك كتبها إلى وحشى وأصحابه ، فبعثوا إليه إنا نخاف أن لا تكون من أهل المشيئة ، فنزل قوله تعالى { قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم … } الآية فبعث إليهم بالآية ، وإنما بعث بها إليهم يرجيهم أن يكونوا من أهل المشيئة وإزاحة للإياس ، لا لخروجهم عن المشيئة ، فأسلموا فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل عنهم ، ثم قال لوحشى " كيف قتلت حمزة " فأخبره ، فقال " ويحك غيب وجهك عن " فلحق بالشام وكان فيه إلى أن مات ، قيل مات فى الخمر ، فقال عمر رضى الله عنه عجبت لمن قتل حمزة كيف ينجو ؟ يعنى أنه مات ضالا ، قيل لما نزل { قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم } فقام رجل فقال يا رسول الله والشرك ؟ فسكت ، ثم قام إليه مرتين أو ثلاثاً فنزل قوله تعالى { إنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآء } أى بالتوبة أو بعدم الإصرار ، إذ ليس من الحكمة أن يغفر لمن أصر ، وعن ابن عمر كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مات الرجل على كبيرة ، شهدنا أنه من أهل النار ، أى نقطع له لها كمن نزل فه النص بها حتى نزلت هذه الآية { إنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآء } فأمسكنا عن الشهادة بذلك ، أى لاحتمال أن يكون تعد حسناته وسيئاته ، فتغلبها حسناته ولم يعتقد الإصرار ، فيقولون يستحقها ولا يقطعون بها وقال ابن عباس لعمر رضى الله عنهم يا أمير المؤمنين المرء يعمل الصالحات لم يدع من الخير شيئاً إلا عمله غير أنه مشرك . فقال عمر هو فى النار . قال ابن عباس الرجل لم يدع شيئاً من الشر إلا عمله غير أنه لم يشرك بالله شيئاً فقال عمر الله أعلم . يعنى توقف عن أن يجزم له بالنار ، لإمكان أن يكون له من الحسنات مقدار السيئات ، ولم يعقد الإصرار ، ولإمكان أنه مات تائباً . فقال ابن عباس إنى لأرجو له ، يعنى أنه لا ييئس له لأنه لم يجىء الوحى فيه وفيه الإمكان المذكور فهو موافق لكلام عمر ، قال ابن عباس على أثر ذلك كما أنه لا ينفع مع الشرك عمل ، كذلك لا يضر مع التوحيد ذنب ، فسكت عمر ، أى لأنه لم يخرج عما قاله ، ومعنى قوله لا يضر … إلخ ، أنه ربما لا يضر ذنب مع التوحيد ، بأن يقابل بحسنة تمحوه ، وعن على ليس فى القرآن أحب إلى من هذه الآية { إنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآء } وروى مسلم صاحب الصحيح " عن جابر بن عبد الله أنه جاء أعرابى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال يا رسول الله ما الموجبتان ؟ قال " من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ، ومن مات يشرك به دخل النار " ، أى دخل الجنة بالوفاء كما قال الشيخ هود ما نصه ذكروا عن جابر بن عبد الله " سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الموجبتين . فقال " من مات لا يشرك بالله شيئاً وأوفى بما افترضه الله عليه دخل الجنة ، ومن مات وهو مشرك بالله دخل النار " وقوله تعالى { إنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ … } الآية . متعلق بقوله { يا أيها الذين أوتو الكتاب … } الآية . أى اخرجوا من الشرك بالإيمان فإن الله لا يغفر الشرك ، فالآية دلت أن أهل الكتاب مشركون . { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ } أى يجعل معه غيره شريكاً ويسويه به . { فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً } أى فعل ذنباً عظيماً لا يغفر إن مات عليه بوجه ما ، والافتراء هنا بمعنى الفعل ، فإن الافتراء يكون بالفعل كما يكون بالقول ، وأصله الاقتصاع كأنه قيل افترى واقتطع من الأفعال إثماً عظيماً يصغر كل ذنب بالنسبة إليه ، وإثماً مفعول به ومفعول مطلق .