Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 58-58)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُم أَن تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } عام فى كل أمانة يحل تبليغها حتى السلام ، أو الكلام يقول لك الانسان بلغه الى فلان ، فقلت فى قلبك أو لسانك وقلبك نعم ، وأما ما يحرم تناوله فلا يجوز تبليغه ، ولو سمى لغة أمانة كأمانة نميمة أو خمرة أو دلالة على عورة مسلم ، ومال حرام ، طلب منك تبليغ ذلك الى من أراد الطالب تبليغه اليه ، وهو أهله فى زعم الطالب ، وليس بأهله ، فلا يجوز . ومجمع الأمانة أن كل ما فرض عليك الله ، أو حرمه من حقوقه أو حقوق عباده ، فهو أمانة تمتثل شأنها ، وإن شئت فابسطها الى ثلاث حق الله كالصلاة والصوم ، وحق العباد كقضاء ديونهم وانفاق من لزمت نفقته ، وحق الله والعباد ، وهو ما لم يتعين صاحبه كالزكاة وأنواع الكفارات ، أو الى ثلاث هكذا اعمال القلب والجوارح فى عبادة الله ، وكفها عن معصية الله ، وأداء حقوق العباد . وأما ما يستحب أو يكره فأمانة أذن الله لنا فى أدائها ، وهو فعل المستحب ، وترك المكروه ، وفى تركها وهى مأمور بها أمر ندب ، والذى فى الآية ما وجب أداؤه ، ولك أن تعم الآية لهما على استعمال الكلمة فى معنييها أو مجازها وحقيقتها ، أو على استعمال الأمر فى مطلق الطلب ، وتناولت الآية العامة والخاصة كولاة الأمر ، وعثمان بن طلحة ، الذى نزلت الآية فى شأنه . قال صلى الله عليه وسلم " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالرجل راع فى أهل بيته وهو مسئول عنهم والعبد راع فى مال سيده وهو مسئول عنه " وعنه صلى الله عليه وسلم " أد الأمانة الى من أئتمنك ولا تخن من خانك " وعنه صلى الله عليه وسلم " لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له " . وعن أنس ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قال " لا ايمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له " والآية نزلت فى عثمان بن طلحة الجحبسى من بنى عبد الدار ، وليس عبد الدار أبا متصلا به ، بل من أجداده ، ولو قيل عثمان بن طلحة بن عبد الدار ، وكان سادن الكعبة ، أعنى خادمها . قال ابن عباس " لما فتح النبى صلى الله عليه وسلم مكة ، طلب مفتاح البيت من عثمان بن طلحة ، فذهب ليعطيه إياه ، فقال العباس بأبى أنت وأمى اجمعه لى مع السقاية ، فكف عثمان يده مخافة أن يعطيه العباس ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم " هات المفتاح " ، فأعاد العباس قوله ، وكف عثمان فقال النبى صلى الله عليه وسلم " هات المفتاح ان كنت تؤمن بالله واليوم الآخر " فقال هاكه يا رسول الله بأمانة الله ، فأخذ المفتاح ففتح الباب ونزل جبريل بهذه الآية { إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُم } الآية فأعطاه أياه " . وقوله يا رسول الله ظاهره أنه آمن قبل نزول الآية ، وقوله صلى الله عليه وسلم " ان كنت تؤمن " الخ زجر عن منع المفتاح ، كما تقول لمن آمن ان كنت قد آمنت فافعل كذا ، والمراد تحقق ايمانك ، ويدل لذلك ما رواه محدث الأندلس أبو عمرو بن عبد البر ، وابن مندة ، وابن الأثير " أن عثمان بن طلحة هاجر الى المدينة فى هدنة الحديبية سنة ثمان مع خالد بن الوليد ، ولقيهما عمرو بن العاص مقبلا من عند النجاشى ، فرافقهما وهاجر معهما ، فلما رآهم النبى صلى الله عليه وسلم قال " رمتكم مكة بأفلاذ كبدها " والمعنى أنهم وجوه مكة ، فأسلموا ، ولما كان فتح مكة أسلم عثمان المفتاح الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم رده اليه وقال خذوها يا بنى طلحة خالدة مخلدة لا ينزعها منكم إلا ظالم . وفي رواية جاء جبريل عليه السلام فقال ما دام هذا البيت أو لبنة من لبناته قائمة فان المفتاح والسدانة فى أولاد طلحة ، فكان المفتاح مع عثمان ، ولما مات دفعه لأخيه شيبة ، فالمفتاح والسدانة فى أولادهم الى يوم القيامة . ومن حديث ابن عمر أقبل النبى صلى الله عليه وسلم عام الفتح وهو مردف أسامة على القصواء ، ومعه بلال وعثمان ، حتى أناخ عند البيت ثم قال لعثمان " ائتنا بالمفتاح " فجاءه بالمفتاح ، ففتح الباب . ودل الحديث الذى يذكر فيه أن عليا لوى يده فنزع منه المفتاح أنه لم يؤمن إلا بعد الفتح ، ولعله أسلم كما مر ثم ارتد أو داخله الشك ، ثم تحقق ايمانه والحمد لله بعد الفتح ، وذلك أنه روى أنه لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح ، أغلق عثمان الكعبة ، وصعد السطح فطلب صلى الله عليه وسلم المفتاح فقيل انه مع عثمان فطلب منه فأبى وقال لو علمت أنه رسول الله لم أمنعه المفتاح ، فلوى على بن أبى طالب يده وأخذ منه المفتاح ، وفتح الباب ، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى البيت ، وأفسد ما كان فى البيت من التماثيل ، وصلى ركعتين ، وأخرج مقام ابراهيم ووضعه فى موضعه . فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله العباس أن يعطيه المفتاح ، ويجمع له السقاية والسدانة ، فنزلت هذه الآية ، فأمر عليا أن يرده الى عثمان ، ويعتذر اليه ففعل ، فقال عثمان أكرهتنى وآذتنى ، ثم جئت ترفق ، فقال لقد أنزل الله فى شأنك قرآنا وقرأ الآية عليه ، فقال عثمان أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله . فهبط جبريل عليه السلام ، وأخبر النبى صلى الله عليه سلم أن السدانة فى أولاد عثمان أبدا ، ثم أن عثمان هاجر ، ودفع المفتاح الى أخيه شيبة ، فالمفتاح والسدانة فى أولادهم الى يوم القيامة ، وهذه الهجرة غير واجبة عندنا ، لأنها بعد الفتح ، ثم رأيت فى المواهب أن ابن ظفر قال قوله لو علمت أنه رسول الله لم أمنعه ، وهم لأنه كان ممن أسلم فلو قال هذا كان مرتدا وانتهى . وما تأولت به أولى من التوهم . قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكعبة ، وهو يقرأ هذه الآية ، وما سمعتها قبل فأعطى عثمان المفتاح ، وروى أنه رد المفتاح الى عثمان ، ورماه اليه فقال إن الله قد رضيكم له فى الجاهلية والاسلام ، وقال صلى الله عليه وسلم عام الفتح " كل مأثرة كانت فى الجاهلية تحت قدمى إلا السدانة والسقاية فإِنى قد أمضيتهما لأهلهما " وقرىء الأمانة بالافراد ، وفتح التاء والأمانة مصدر سمى به الشىء المأمون عليه ، وقيل الخطاب فى الآية للولاة بأداء الأمانة والحكم بالعدل كما يناسبه قوله تعالى { وَإِذا حَكَمْتُم بَينَ النَّاسِ أَن تَحكُمُوا بِالعَدلِ } اذا معطوف على اذا محذوفة ، وكلتاهما خارجة عن المصدر ، { وَأَنْ تَحكُمُوا } معطوف على { أَن تُؤَدُّوا } واذا المحذوفة متعلقة بيأمر ، والعطف من العطف على معمولى عامل ، أى إن الله يأمركم اذا ائتمنتم أن تؤدوا الأمانات الى أهلها ، واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ، فلك أن تقدر يأمركم محذوفا بعد الواو ، تتعلق به معطوفا على يأمركم المذكور بلا حاجة الى تقدير اذا ، أى ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الى أهلها ، ويأمركم اذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ، وعلى هذا يتعلق أن تحكموا بيأمر المحذوف ، فانه على تقدير الباء ، كما فى أن تؤدوا أو بأن تحكموا ، ولا يصح تعليق اذ بيأمر المذكور بلا واسطة العطف على اذا محذوفة ، إذ لا يحسن أن يقال إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الى أهلها إذا حكمتم بين الناس ، وأن تحموا بالعدل . اللهم أن يقدر مؤخرا عن بالعدل ، فيتعلق بحصة أن تحكموا من يأمر المذكور ، فان لقوله أن تحكموا حصة فى يأمر ، ولقوله أن تؤدوا حصة فيه ، فيتعلق بحصة أن تحكموا فيه . والحاصل أنه يتعلق بيأمر باعتبار تسلط يأمر على أن تحكموا دون اعتبار تسلط على أن تؤدوا ، ويتعلق بتحكموا ، لأن معمول صلة أن لا يتقدم عليها خلافا للكوفيين ، وسواء فى وجوب العدل فى الحكم أن يكون الحاكم من قبل الامام أو السطان ، أو أن يكون حكمه الخصمان على الحكم المأتى يوما اذا قضى قضيته أن لا يجور ويعدل . قال صلى الله عليه وسلم " المقسطون يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين وهم الذين يعدلون فى أنفسهم وأهلهم وما ولوا " وقال صلى الله عليه وسلم " أحب الناس إِلى الله يوم القيامة وأدناهم عنده مجلساً إِمام عادل ، وأبغض الناس عند الله وأبعدهم منه مجلسا إِمام جائر " . { إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ } كسرت عين نعما تبعا للنون ، وأصلها الكسر ، ولكن كثر اسكانها جدا فكان الأصل فصار كسرها بعد اعتبار الاسكان تبعا للنون ، مع أن كسر النون نقل من العين ، فسكن العين ، وأتبعت النون العين فى الكسر ، ثم سكنت العين تخفيفا ، أو أدغمت ميم نعم فى ميم ما ، وفاعل نعم مستتر عائد الى مبهم يفسره التمييز الذى هو ما ، وجملة يعظكم به نعت لما فهى نكرة موصوفة ، أو ما فاعل نكره موصوفة أو معرفة موصولة بالجملة بعدها ، والمخصوص بالمدح محذوف ، أى تأدية الأمانة والحكم بالعدل . { إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا } عالما بأقوالكم . { بَصِيراً } عالما بحكامكم وما تفعلون فى الأمانات .