Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 77-77)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ } أى تعجب يا محمد بالذين . { قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ } عن قتال المشركين . { وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَأَتُوا الزَّكاةَ } واشتغلوا بعبادة الله ، وهؤلاء هم المؤمنون آذاهم المشركون بمكة قبل الهجرة ، فكانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيذن لنا فى قتال المشركين ، فقد آذونا ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " كفوا أيديكم عن القتال فانى لم أومر به " فالقائل كفوا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو الله لأنه تعالى هو ينهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القتال . والذين قيل لهم هم عبد الرحمن بن عوف ، وهو من بنى زهرة ، والمقداد بن الأسود من كندة ، وقدامة بن مظعون الجمحى ، وسعد بن أبى وقاص ، وجماعة تسارعوا الى القتال وقالوا يا رسول الله ذرنا نتخذ معاول فنقاتل بها المشركين . وعن الحسن قال عبد الرحمن بن عوف ألا نأتى فى المشركين بمعاولنا فنقتلهم فى رحالهم ، هذا قول الجمهور وهو المشهور عن ابن عباس ، والآية دليل أن الزكاة فرضت فى مكة كالصلاة . وقال مجاهد ، عن ابن عباس ان الآية فى قوم من اليهود ، طلبوا موسى عليه السلام أن يقاتل بهم عدوهم ، فنهاهم ، ولما أمرهم بعد تولوا عن القتال وخشوه ، ذكرهم الله وعاب ذلك منهم ، زجرا للمؤمنين من هذه الأمة أن يكونوا مثلهم فى ذلك ، أن يرغبوا فى القتال قبل الإذن فيه ، ويعرضوا عنه بعد الإذن ، وقيل نزلت فى المنافقين . { فَلَمَا كُتِبَ } فرض فى المدينة على المفعول الأول ، أو كان وأما على الآخر فالأمر بالكف فى المدينة ، والأمر بالقتال فيها أيضا ، وأما على أن الكلام فى اليهود ففى بلادهم مع موسى عليه السلام . { عَلَيْهِمُ القِتَالُ إِذَا } حرف مفاجأة قرن بها جواب لما ، والمانع من قرنه بالفاء ، وإذا الفجائية يقدر لها جوابا ، أى كانت فيهم الزلزلة والاضطراب إذا { فَرِيقٌ مِّنْهُمْ } قوم منهم ، ومنهم نعت فريق ، وخبره جملة قوله تعالى { يَخْشَونَ النَّاسَ } أن يقاتلوا الكفار ، كفار مكة ومن يشايعهم من الكفرة ، رغبة عن الموت ، أو يخشون قتل الكفار لهم . { كَخِشْيَةِ اللهِ } خشية ثابتة كخشية الله ، أو خشية مثل خشية ، أو يتعلق بيخشون ، أى خشية بأس الله الذى ينزل على من يشاء . { أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً } من خشية الله ، وأشد حال مقدم على صاحبه ، وهو خشية ، وخشية معطوف بأو على المصدر المحذوف المنعوت بقوله كخشية الله ، أو على الكاف فى جه جعلها اسما ، ويجوز أن يكون كخشية الله متعلقا بمحذوف حال من الواو أو الكاف ، أو الكاف اسم حال من الواو على تقدير مضاف ، أى ثابتين كأهل خشية الله ، أو مثل أهل خشية الله ، فيكون أشد معطوفا على الحال المذكور بوجهيها ، وخشية تمييزا ، أى وأشد من أهل خشية الله . وأما اذا جعلنا كخشية الله مفعولا مطلقا ، أى خشية ثابتة كخشية الله ، أو مثل خشية الله ، فلا يجوز عطف أشد على خشية ، على أن يكون أشد مجرورا بالفتحة لا منصوبا ، لأن الخشية لا توصف بأنها خاشية ، فضلا عن أن يقال أنها أشد خشية ، ولأن اسم التفضيل لا يكون من جنس ما بعده اذا كان ما بعده منصوبا ، اللهم إلا على سبيل المبالغة والتجريد ، بأن أكد الخشية حتى جرد منها خشية ، أو أن يقال ان اسم التفضيل وتمييزه هنا واحد ، لأن ذلك قد يكون فلا يلزم أن يكون للخشية خشية ، كقراءة { فالله خير حافظا } ان جعلنا حافظا تمييزا فانه كخير حافظ بالجر لو قرىء به ، فيجوز جر أشد بالفتح عطفا على لفظ الجلالة ، كأنه قيل كخشية الله ، أو كخشية انسان أشد خشية . وأو معنى الواو عطفت خاصا على عام ، كما تقول زيد جيد وأجود الناس ، وعالم وأعلم الناس ، أو بمعنى بل ، أو الشك باعتبار غير الله سبحانه وتعالى ، أى يشك الانسان الناظر فى خشيتهم ، أهى كخشية الله أو أشد وتقدم الكلام على مثله . { وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا القِتَالَ لَولا أَخَّرْتَنَا إِلىَ أَجَلٍ قَرِيبٌ } أراد القول بألسنتهم ، وا لله أعلم ، وأجيز أن يكون بقلوبهم بلا نطق ، والاستفهام تعجب ، ولولا حرف تحضيض ، والأجل القريب أجل الموت الذى لا بد منه ، وأرادوا الموت بلا قتل ، وذلك أن يموتوا فى فراشهم ، أو زعموا أن المقتول مات بغير أجله ، وهذا أنسب بالمنافقين ، فهو مما يقوى أن يراد بالذين قيل لهم المنافقون ، ويقويه أيضا أن ما بعد من الآيات فيهم وهو أيضا أنسب باليهود . واذا قيل الذين قيل لهم هم المؤمنون فالأجل القريب الوقت الذى يظهر فيه الاسلام ، ويكثر عدد أهله ، أو أجل الموت الموهوم بلا قتال ، لأن البشر مطبوع على حب الحياة ، ولو كان مؤمنا ، بالمؤمنون ان قالوا ذلك على هذا الوجه فلعلهم قالوه فى نفوسهم ، أو بالطبع أو باللفظ ، وذلك خوف وجبن ، ثم تابوا . وقيل قالوا ذلك كراهة لقتل آبائهم وأبنائهم وأقاربهم ، وليس تعرضا لأمر الله ، لأن المؤمن لا يتعرض ، وقد قيل إن ذلك سؤال طلب حكمة ، ويناسبه أنهم لم يجابوا بالتوبيخ ، بل أمر الله نبيهم أن يباشرهم بالجواب ، بأن متاع الدنيا قليل ، وأن الآخرة خير لمن اتقى ، وبالموت بالقتال الشهادة المقتضية للتمتع الكثير الدائم ، والرزق بعد الموت وبعد البعث ، فلا تؤثروا القليل الفانى وهذا حكمة أجيبوا بها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " والله ما الدنيا فى الآخرة إلا كما يجعل أحدكم أصبعه هذه وأشار الى السبابة فى اليم فلينظر بم يرجع " . { قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالأَخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى } قل يا محمد لهم تمتع الدنيا ، أو ما يتمتع به منها قليل كماً وزماناً لفنائه ، وأيضا متكدر ، والآخرة أى متاعها خير من متاع الدنيا لكثرته ودوامه ، وعدم تكدره ، وقد يدخل التكدر فى القلة ، لأن النعمة اذا تكدرت زال التلذذ بها أو نقص حتى يزول الكدر أو يستأنس به ، ولمن اتقى متعلق بخير ، أو بمحذوف حال من الضمير فى خير ، ان جعل خير اسم تفضيل باقيا على معناه ، أو خارجا وبمحذوف وجوبا نعت لخير ان جعل بمعنى منفعة . { وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً } لا ينقص من ثوابكم مقدار الخيط الرقيق الذى يكون فى شق نواة التمرة ، أو ما يفتل من الوسخ بين الأصبعين ، ففتيلا مفعول ثان لتظلم على حذف مضاف ، كما رأيت لتضمينه معنى النقص المتعدى لاثنين ، ويجوز أن يكون مفعولا مطلقا بمعنى ظلما ما ، واذا كان الأمر كذلك فلا ترغبوا عن القتال ، ويجوز أن يكون لا نقص من آجالكم بالقتال شىء ، أو لا تظلمون فى آجالكم ظلما ما ، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائى ، ولا يظلمون بالتحتية على طريق الالتفات ، أو على أنه خارج عن حكاية القول .