Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 99-100)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللهُ أَن يَعْفُوا عَنْهُمْ } يتجاوز لهم بفضله ، وعسى من الله واجبة ، والحكمة فى ذكر عسى المبالغة فى أمر وجوب الهجرة ، حتى أن المعذور بحسب ظاهره ينبغى له أن يتشوف اليها متى تمكن له ويخاف أن لا يكون معذورا لأمر خادعه به الشيطان ، ويتعاطى الخروج اذا توهمه ممكنا ، كما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بقوله تعالى { ان الذين توفاهم الملائكة } الى قوله { سبيلا } والى قوله { وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً0 وَمَن يُهَاجِرْ فِى سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِى الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً } الى المسلمين بمكة ، فقال جندع بن ضمرة ، أو ضمرة بن جندع ، وعليه الأكثر ، وهو من خزاعة ، وقيل رجل من كنانة لبنيه احملونى فانى لست من المستضعفين ، وانى لأهتدى الطريق ، والله لا أبيت الليلة بمكة ، فحملوه على سرير متوجها الى المدينة ، وكان شيخا كبيرا ، فمات بالتنعيم . ومن طريق ابن عباس رضى الله عنهما " نزلت الآية فسمعها رجل من بنى ليث شيخ كبير مريض ، لا يستطيع ركوب الراحلة يقال له جندع بن ضمرة ، فقال والله ما أنا ممن استثنى الله تعالى ، فانى لأجد حيلة ، ولى من المال ما يبلغنى الى المدينة ، وأبعد منها ، وانى لذو مال وعبيد ، والله لا أبيت الليلة بمكة ، أخرجونى فخرجوا به يحملونه على سرير ، حتى أتوا به التنعيم فأدركه الموت ، فصفق يمينه على شماله فقال اللهم هذه لك ، وهذه لرسولك ، أبايعك على ما بايعك رسولك ، ثم مات ، فبلغ خبره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا لو وافى المدينة لكان أتم وأوفى أجرا ، وضحك المشركون وقالوا ما أدرك ما طلب ، فنزل فيه قوله تعالى { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً } " له ما مر من عدم الهجرة . { رَحِيماً } له بالجزاء لما بعد ، ومرّ عن ابن عباس أنه قال كنت أنا وأمى من المستضعفين ، أنا من الولدان ، وأمى من النساء ، وكان صلى الله عليه وسلم يدعوا لهؤلاء المستضعفين فى الصلاة . قال أبو هريرة " لما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من الركعة الثانية قال اللهم انج الوليد بن الوليد . وسلمة بن هشام ، وعياش بن ربيعة ، والمستضعفين بمكة ، اللهم اشدد وطأتك على مضر ، واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف " . ويروى " أن رجلا من بنى كنانة لما سمع أن بنى كنانة ضربت وجوههم وأدبارهم الملائكة يوم بدر ، وقد دنف وأشرف على الموت فقال لأهله احملونى ، فحمل الى النبى صلى الله عليه وسلم فمات فى الطريق فنزل { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً } " الآية . والمراغم اسم لمكان الرغام بفتح الراء ، وهو التراب الذى يراغم فيه بكسر الغين ، أى يعالج التراب بالمشى فيه ، أى يجد ترابا يتحول فيه من موضع الى موضع حتى يبلغ مأمنه على دينه ، هذا ما ظهر لى بمعنى الصرفى ، ثم رأيت للجوهرى ما يوافقه ، وهو أنه قال المراغم المذهب والمهرب ، ومثله عن الفراء ، وأما ابن عباس فقال المراغم المتحول ، يتحول اليه فهو عنده اسم للموضع الذى يهاجر اليه كالمدينة الحبشة وقباء ، وكل ما يلى المدينة من صحراء ، وبلد أهله مؤمنون ، وبلد أهله مشركون ، يظهر دينه فيهم ، فذلك كثير . وعن ابن زيد مثله ، وعن الحسن مراغما كثيرة ، وجوها كثيرة ، من الطلب ، وعن مجاهد من أخرج عما يكره ، وعن السدى المراغم المبتغى للمعيشة ، وقيل مراغما طريق يراغم قومه بسلوكه ، أى يلصق أنوف المشركين بالتراب ، أى يغضبهم ويهينهم ويغيظهم اذا فارقهم ، وقد كرهوا أن يفارقهم ، وسمعوا أنه فى خير ونعمة فى الموضع الذى هو فيه ، وكنى عن ذلك بالصاق الأنف اذ كان من أغر الأعضاء بالتراب ، اذ كان من أهون الأشياء . والسعة وسع الأرض التى يهاجر اليها تسعه لدينه ، وعن مجاهد وسع فى البعد عما يكره من الضلال والأذى ، وعن الحسن وسع فى الطلب ونسب الأول لمالك وبسعة الأرض التى يهاجر اليها يتسع الرزق وينفسح الصدر ، وعن ابن عباس السعة فى الرزق . وقرىء ثم يدركه الموت بالرفع على أنه خبر لمحذوف ، أى ثم هو يدركه الموت ، فعطفت الجملة الاسمية على الجملة الشرطية الفعلية ، ولو كانت الاسمية لا تصلح شرطا وذلك من الاجازة فى الثوانى لما لا يجوز فى الأوائل ، وقرىء بالنصب بأن عطفا على المعنى كأنه قيل ومن صح له خروج من بيته مهاجرا الى الله ورسوله ، ثم ادراك الموت أياه بعطف ادراك على خروج . ومعنى { وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ } ثبت ورسخ ، لا يخاف عليه من الزوال كما يقال وجب وكذا كل من دخل عملا ولم يقدر على اتمامه له أجره كله على الصحيح ، وقيل أجر ما عمل ، دل على الأجر فى الآية حتى قيل له سهم فى غنيمة تلك الغزوة من هذه الآية الكريمة .