Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 101-101)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا } وقرىء بضم التاء وكسر الصاد واسكان القاف بينهما من الاقصار ، وقرأ الزهرى بضم التاء وفتح القاف وكسر الصاد مشددة من التقصير . { مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا } أى اذا سافرتم فى الأرض ، والسفر فى البحر مثل السفر فى الأرض ، وغير السفر كالسفر ، ولكن ذكر السفر لأنه مظنته الخوف ، والآية فى صلاة الخوف ، فليس عليكم ميل عن الحق فى التقصير من الصلاة بحسب الامكان ، كقراءة آية واحدة فى الركعة بعد فاتحة الكتاب ، وعدم الترتيل ، وتعظيمة واحدة ، وتسبيحة واحدة ، وكالصلاة بالايماء وذلك للغد وكصلاة ركعتين من أربع اذا كان فى الحضر ، وواحدة من اثنتين اذا كان فى السفر ، وذلك مع الامام ، وذلك كله لمن خاف أن يفتنه الذين كفروا ، أى أن يبلوه بقتل أو ضرب أو ينالوه بمضرة . وأما صلاة السفر فليست مأخوذة من الآية ، والله أعلم ، بل من السنة مثل قول ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بين مكة والمدينة ركعتين لا يخاف الا الله ، وفى لفظ خرج من المدينة الى مكة لا يخاف الا رب العالمين ، فصلى ركعتين ، ومثل قول حارثة بن وهب الخزاعى صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين أكثر ما كان الناس وآمنهم ، ولعل فى حجة الوداع . ومثل ما ذكروا عن " رجل أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انى رجل تاجر أتجر الى البحرين ، فكيف تأمرنى بالصلاة ؟ قال صل ركعتين " ، ومثل خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة الى ذى الحليفة فصلى بهم ركعتين يعلمهم صلاة السفر ، ومثل قول عمر رضى الله عنه صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم ، ومثل قول عائشة رضى الله عنها " أول ما فرضت الصلاة فرضت ركعتين ركعتين ، فأقرت فى السفر وزيدت فى الحضر " هذا مذهبنا ، ومذهب ابن عباس ، وجابر بن عبد الله ، وسعيد بن جبير ، والسدى وأبى حنيفة ، فلو صلى المسافر أربعا لم تجزه ، وقيل الأصل أربع فنقص منها للسفر ركعتان ترخيصا ، وأنه لو صلى المسافر أربعا لأجزته ، وأنه أولى من القصر ، وقيل القصر أولى ، ومذهب أبى حنيفة كمذهبنا ، اذ قال القصر فى السفر تحريمه غير رخصة لا يجوز غيره ، واحتج من قال بذلك أيضا بأن ابن عمر أقام ثمانية عشر شهرا بمكة بقصر الصلاة . وقال الحسن مضت السنة أن يقصر الصلاة المسافر ولو عشرين سنة ما لم يتخذ البلد الذى هو فيه وطنا ، وأقام صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين ليلة يقصر ، وفيه أيضا أن التقصير من السنة ، واحتج من قال أن الصلاة أربع ونقص للمسافر ركعتان ، وأنه يجوز له أربع وهو مذهب الشافعى ومجاهد وطاوس وأحمد بما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أتم فى السفر ، وبما روى عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت " اعتمرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة الى مكة حتى اذا قدمت مكة قلت يا رسول الله بأبى أنت وأمى قصرت . وأتممت وصمت وأفطرت ، فقال أحسنت يا عائشة وما عاب علىَّ " ، وبما روى عن عثمان كان يتم ويقصر ، وبما روى " أنه صلى الله عليه وسلم قال فى صلاة السفر لعمر " انها صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " . واختلفت الرواية عن مالك روى عنه ابن وهب أن المسافر مخير فى القصر والتمام ، وقاله الأبهرى وحذاف أهل مذهبه ، وقال جمهورهم ان القصر هو السنة ، قال ابن سحنون وغيره القصر فرض ، وفى مدونة مالك أنه أتم فى السفر ، أعاد فى الوقت ، وأكثر علماء الأمة أن القصر فى السفر واجب ، وبه قال عمر ، وعلى ، وابن عباس ، والحسن ، وجابر بن زيد ، وعمر بن عبد العزيز ، وقتادة ، وهو أصح الرواية عن مالك . وقيل يجوز للمسافر القصر والتمام ، والقصر أولى ونسبت للشافعى ، وأحمد ، وعثمان ، وسعد بن أبى وقاص ، وحد السفر عندنا فرسخان ، لأنه أقبل ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قصر فيه والفرسخ ثلاثة أميال ، وهو اثنا عشر ألف ذراع ، فذلك أربعة وعشرون ألف ذراع ، والميل أربعة آلاف ذراع ، قال جابر بن زيد لعمرو بن دينار قصر فى عرفة ، وذلك لكون عرفة بعد الفرسخين المذكورين لا لما فهم عنه قومنا أنه قال له ذلك ، لكونه يرى القصر فى السفر ، ولو قصر اللهم الا أن أرادوا أنه يسمى ما دون الفرسخين سفرا ، ويدل لذلك أنه صلى الله عليه وسلم خرج الى ذى الحليفة فصلى صلاة السفر ، وذلك هو الفرسخان ، نعم أجاز بعض العلماء القصر قبلهما لمن أراد السفر البعيد ثلاثة أيام . وعن داود وأهل الظاهر يجوز القصر فى السفر القصير والطويل ولو دون الفرسخين ، لأنه قد ضرب فى الأرض ، ومثل ذلك هو مروى عن أنس ، وينبغى حمل كلام أنس فى السفر القصير على الفرسخين المذكورين ، وقال الأوزاعى لا يجوز الا فى السفر الطويل مسيرة يوم ، وكان ابن عمر وابن عباس فيما قيل يقصران ويفطران فى مسيرة أربعة بُرد ، وهى ستة عشر فرسخا ، ونسب لمالك وأحمد واسحاق ، ويقرب منه قول الحسن والزهرى ، أن التقصير فى مسافة يومين ، ونسب للشافعى وهو قول عن مالك يقال مسيرة ليلتين قاصرتين ستة عشر فرسخا ، كل فرسخ ثلاثة أميال ، فذلك ثمانية وأربعون ميلا بالهاشمى ، والميل ستة آلاف ذراع ، والذراع أربعة وعشرون أصبعا معترضة معتدلة ، والأصبع ست شعيرات معترضات معتدلات . وقال أبو حنيفة والكوفيون لا قصر فى أقل من ثلاثة أيام ، وذلك ستة برد ، والليالى للاستراحة ، والمدار على المسافة ، فلو مشى فى يوم مسيرة ثلاثة أيام يقصر ، وكذا سائر الأقوال المرجع فيها الى حصول المسافة ، ولو فى مدة يسيرة ، وكذا لو تباطأ فى السير لم يعتبر الزمان ، بل المسافة ، فلوا بقى أياما كثيرة لأتم حتى يقطعها ، واذا كانت الأرض يدور فيها الطريق اعتبر الدوران وقصر ، ولو كان تقطع فى وقت قليل لو لم تدر ، وقد علمت أن البريد أربعة فراسخ ، وأن الفرسخ ثلاثة أميال ، وذلك بأميال هاشم جد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو الذى قدر أميال البادية ، كل ميل اثنى عشر ألف قدم ، وهو أربعة آلاف خطوة ، فان كل خطوة ثلاثة أقدام ، القدمان وآخر بينهما وعن عمر يقصر فى كل يوم ، وعن ابن عباس اذا زاد السفر على يوم وليلة قصر ، وعن أنس يقصر فى خمسة فراسخ . وروى الحسن بن زياد عن أبى حنيفة اذا سافر الى موضع يكون مسيرة يومين قصر ، وكذا عن أبى يوسف ومحمد ، ومن سافر فى معصية قصر كمن سافر فى طاعة أو مباح عندنا وعند أبى حنيفة ، وقال جمهور الأمة انه لا يقصر فى سفر يعصى به ، وعن عطاء لا قصر الا فى سفر طاعة ، وقد علمت أن صلاة السفر ليست من الآية ، بل من السنة ، وأجمعت عليها الأمة ، وزعم داود الطاهرى الى أن جواز القصر مخصوص بحال الخوف ، لقوله تعالى { إِنْ خِفْتُمْ } وزعم أن خبر الآحاد ان عمل به كان رافعا لهذا الشرط ، فيكون ناسخا للقرآن ، وهو لا ينسخه ، ونحن نقول ذلك اجماع وأحاديث ألحقت عدم الخوف بالخوف لا نسخ . وداود يزعم أن القصر من الآية ، وكذا روى عن عمر وابنه أنه منها قال يعلى من أمته ، قلت لعمر بن الخطاب { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا } فقد أمن الناس ؟ فقال عجبت مما عجبت منه ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال " صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " أى التزموها فمن لم يقصر صدق عليه أنه لم يقبلها كذا نقول نحن وأبو حنيفة ، وقال غيرنا المعنى اعتقدوا جوازه ، لأن التصدق يناسبه ، فلو لم يقصر لجاز ، وكذا يدل له نفى الحرج فى الآية ، وبذلك قال الشافعى . الجواب أنه ليس كلما نفى الحرج دل على عدم الوجوب ، لأن الانسان قد يتوهم حرمة الشىء وهو واجب ، فينزل الله تعالى أنه لا حرج فيه فافعلوه حتما ، كما صح أن العمرة واجبة ، وهذا كله متبادر منه أن الصلاة السفرية منقوصة الحضرية ، ولكن قد يعبر بالقصر من يقول أن صلاة السفر أصل نظرا الى نقص عددها عن الأربع ، ونجيب عن قول عائشة قصرت وأتممت بأنها ، والله أعلم أرادت أنها قصرت بعد حد السفر ، وأتمت قبل حده وبعده شروعها فى السير له ، وكذا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم أتم فى السفر ، وقد صح أنه مضت السنة أن يقصر المسافر ، ولو طالت المدة فما قبل ذلك مؤول كما رأيت أو منسوخ بوجوب الاتمام ، فمن صلى مسافرا أربعا بطلت عندنا ، لأنه دخل الصلاة بنية غير جائزة الا ان صلى خلف مقيم ، وادعى أبو حنيفة أنه ان صلى المسافر أربعا ولم يقعد على رأس الركعتين فسدت صلاته ، لاتصال النافلة بها قبل كمال أركانها ، وان قعد آخر الركعة الثانية قدر التشهد أجزأته والأخريان نافلة ، وأساء بتأخير السلام ، وليس كذلك عندنا ، لأنه لم ينو النفل من أوله ، بل نوى أولا الأربع كلها فرضا ، ولو نوى أولا الأخريين نفلا لصح الأوليان فرضا على قول من لم يوجب التسليم ، فيكون التسليم بعد للنفل ، أو من بعد الأخريين بمنزلة ما يزيد المصلى بعد تمام التحيات التى للتسليم ، فيكون التسليم للفرض . ومثل ما روى عن يعلى بن أمية ، ما روى عن عبد الله بن خالد بن أسيد أنه قال لابن عمر كيف تقصرون الصلاة وقد أمنتم ، والله يقول { إِنْ خِفْتُمْ } ؟ فقال ابن عمر يا ابن أخى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أتانا ونحن فى ضلال مبين ، فعلمنا فكان فيما علمنا أن نصلى ركعتين فى السفر ، وأمرنا بهما . قلت الأمر المجرد للوجوب ، وما لجعل قرينة على عدم الوجوب من تأويلة ، ولعل من أخذ صلاة السفر من الآية جعل قيد الخوف لبيان الواقع ، ولكون الغالب الخوف حينئذ ، فلا مفهوم له ، فصح القصر فى عدم الخوف لأنه صلى الله عليه وسلم قصر فى الأمن أيضا ، وهذا غير خارج عن كون الشرط قيدا لكن لا مفهوم له . وزعم أبو حنيفة أن عدم الشرط لا يفيد عدم المشروط له ، بل وجوده يفيد مجرد ثبوت الحكم ، فاذا قلت ان قام زيد قمت أفاد أنك قائم لا بد أن قام زيد ، وأما ان لم يقم فقد يحتمل أن تقوم ، وأن لا تقوم ، والأدلة هنا أفادت أنه يقصر المسافر أيضا ولو لم يخف ، واذا جعلنا القصر من الآية فقد تم الكلام فى قوله تعالى { إِنَّ الكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِيناً } وما بعده مستأنف فى صلاة الخوف السفر والحضر ، لا فى مجرد القصر ، والجملة مستأنفة تعليلية ، كأنه قيل لأن الذين كفروا أى أشركوا أو يعم الشرك والنفاق ، يقول الله لعلمى بعداوة الكفار لكم أبحت لكم القصر أو صلاة الخوف ، والعدو يطلق على الجماعة والواحد والاثنين ، وقرأ ابن مسعود أن تقصروا من الصلاة أن يفتنكم باسقاط قوله ان خفتم أى لئلا يفتنكم ، أو كراهة أن يفتنكم ، وقد جاء لفظ كره فى وصف الله كحديث أن الله كره لكم ثلاثا ، وغير هذا الحديث ، وأما على قراءة ان خفتم فان يفتنكم مفعول لخفتم ، ويجوز تقدير الخوف فى قراءة اسقاطه ، هكذا أن تقصروا من الصلاة خائفين أن يفتنكم ، ومفعول تقصروا على القراءتين محذوف موصوف بقوله من الصلاة ، أى أن تقصروا شيئا من الصلاة ، ومن تبعيضية ، وأجاز الأخفش زيادة من فى الاثبات والتعريف ، فيكون الصلاة عنده مفعول تقصروا ومن زائدة ، ويخبر الوجه الأول . وقيل صلاة القصر مأخوذة من الآية ، وتم الكلام عليها فى قوله تعالى { أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ } واستأنف فى صلاة الخوف قوله { إِنْ خِفْتُمْ } ويدل ما روى عن أبى أيوب الأنصارى أنه لما نزل قوله تعالى { واذا ضربتم فى الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } ومضى حول سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الخوف فنزل { إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِيناً } .