Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 116-116)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ إِتَّخِذُونِى وَأُمِّى إِلهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ } هذا يوم القيامة ، لتحقق الوقوع بعد كان اللفظ بصيغة الماضى ، كأنه قال ومضى القول ، أو استعمل صيغة الماضى فى الاستقبال مجازاً ، وذلك قول الجمهور ، أنه يوم القيامة وقال السدى قال الله هذا يوم رفع عيسى الى السماء ، وبعد رفعه قال قومه ذلك ، والصحيح الأول . والاستفهام توبيخ لقومه وتقرير له ليقر فيفتضحوا ، وانما قال { وَأُمِّى } لأن من النصارى من قال ان أمه اله كما مر ، ولأن أم الانسان أقرب الى الانسان فى ماله { مِن دُونِ اللهِ } متعلق باتخذونى ، أو نعت لالهين ، ومعنى دون المغايرة فيكون تلويحاً الى أن عبادة الله مع غيره كلا عبادة ، فعبادتهم عيسى وأمه تذهبان بعبادة الله جل وعلا ، كأنه عبدوهما ولم يعبدوه ، فان من أثبت الألوهية لغير الله تعالى فقد نفاها عن الله تعالى ، ولو أثبتها له مع غيره ، لأن الألوهية لا تتعدد ، والألوهية المتعددة ليست ألوهية لله تعالى ، أو معناه القصور فيكون تلويحاً الى أن عبادتهما ليست بالذات ، انما هى ليتوصل بها الى عبادة الله سبحانه وتعالى ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف حال من واو { إِتَّخِذُونِى } أى اتخذونى وأمى الاهين ثابتين من دون الله أى متجاوزين عن ألوهية الله ومعبوديته ، أو حال من ياء اتخذونى ومن أمى . { قَالَ } عيسى . { سُبْحَانَكَ } أنزهك تنزيهاً عن أن يكون لك شريك فى الألوهية أو غيرها ، وعن كل نقص ، واذا سمع عيسى عليه السلام ذلك الخطاب ارتعدت مفاصله ، وانفجرت من تحت كل شعرة منه عين من دم وقال سبحانك . { مَا يَكُونُ لِى أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقٍ } أى ما لا يحق لى أن أقوله ، ولى متعلق بليس على جواز التعليق بكان وأخواتها ، أو بمحذوف حال من حق ولو نكرة لتقدم الحال ، ولتقدم النفى ولو جر ، لأن هذا الجار صلة للتأكيد . { إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ } تعلم كل شىء لا يخفى عنك شىء ، وهذا أدب عظيم اذ أسند العلم اليه تعالى ، وهو أقوى له حجة ، اذ جعل علم الله كافياً عن جوابه ، ولم يقل كما أن قوله { سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِى أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقٍ } اذ لم يقل ما قلت ذلك ، ولكنه نزهه تعالى عن أن يقول فيه ذلك . { تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلا أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ } تعلم ما أخفيه فى نفسى ، أو ما فى ذاتى داخلا ، كما تعلم ما أظهره وما ظهر من بدنى ، ولا أعلم ما فى غيب معلوماتك ، فسمى غيب معلوماته نفساً للمشاكلة لقوله { مَا فِى نَفْسِى } وقيل المعنى تعلم ما فى نفسى ولا أعلم ما فى نفسى ، وأضاف نفسه للكاف وهو ضمير لله ، لأنها ملك لله تعالى ، وهو خالقها . قال أبو عبد الله محمد بن عمرو بن أبى ستة ، وهذا لعمرى سائغ لأن المدار على نفس الانسان انتهى ، ولا يجوز أن يقال ما فى نفسك ما فى ذاتك ، لأن الله تعالى لا يكون ظرفاً لغيره ، ولا تثبيت الكلام النفسى ، ولا نقول صفاته غيره حالة الا أن يقال المعنى تعلم ما فى نفسى ولا أعلم نفسك ، أى ذاتك أو لا أعلم حقيقة أمرك ، قال الزجاج تعلم حقيقة أمرى ولا أعلم حقيقة أمرك ، فجىء بما ، وفى تجوز كقوله تعالى { لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة } فى أحد أوجه ، وقد يقال المعنى ولا أعلم ما فى نفسك ، أى ما فى علمك ، وقيل معناه تعلم ما كان منى فى دار الدنيا ، ولا أعلم ما يكون منك فى دار الآخرة . { إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ } كلها نفى عيسى عن نفسه أن يقول اتخذونى وأمى الهين من دون الله بتسعة طرق كلها أدبية بقوله { سُبْحَانَكَ } وبقوله { مَا يَكُونُ لِى أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقٍ } وبقوله { إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ } وبقوله { تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلا أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ } وبقوله { إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ } وبقوله { ما قلت لهم إلا ما أمرتنى به أن اعبدوا الله ربى وربكم } وبقوله { وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم } وبقوله { وأنت على كل شىء شهيد } وبقوله { ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم } وقوله { انك أنت علام الغيوب } مؤكد لقوله تعالى { إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ } وقوله تعالى { تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلا أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ } بلفظيه ، لأن لفظه علم الغيب ومفهومه ، لأن مفهوم التخصيص والحصر فى { إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ } أن غيرك لا يعلمها ، والتخصيص بانت والحصر بتعريف اسم ان وخبرها ، لأن علام ولو كان وصفاً لكنه للاستمرار ، فباعتبار علمه فيما مضى يحصل التعريف ، ألا ترى أنه فى معنى علمت الغيوب علماً عظيماً فيما مضى وفى الحال ، وفى الاستقبال ، وانها غلبت الماضى لأن علمه الأزلى لا يتغير .