Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 13-13)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَبِمَا نَقضِهم مِيثَاقَهُم لَعَنَاهُم } عطف لعناهم على أخذ الله بالفاء والباء متعلق بلعناهم ، ويقدر مثله لجعلنا ، وما مؤكدة مفخمة بين الجار والمجرور ، وميثاق مفعول لنقض ، وقدم بما نقضهم للحصر ولطريق العرب فى الاهتمام ، ولم أقل بتنازع جعلنا ولعنا فى بما نقضهم ، لأن الصحيح أنه لا تنازع فى مقدم ، ولا سيما أن معمول المعطوف لا يتقدم على العاطف ، واللعن الطرد عن الرحمة ، أى بعدناهم عن جنتنا ورضانا . وقيل مسخناهم فان المسخ طرد عن رحمة الدنيا والآخرة ، وقيل ضربنا عليهم الجزية بذلك ، وذلك كله نقضهم الميثاق اذ عصو موسى وكذبوا الرسل بعد موسى ، وقتلوهم ونبذوا كتاب الله ، وضيعوا الفرائض ، فالطرد عن رحمة الله ورضاه مطلق ، والمسخ فى زمان داود بالاعتداء فى السبت ، فمسخوا قردة ، وفى زمان عيسى مسخوا خنازير لشأن المائدة ، والجزية فى زمان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكل رضى بما فعل من قبله ، وذلك قول قتادة بسطته ، وقيل كتموا صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك نقضهم أو مجموع ذلك . { وَجَعَلنَا قُلُوبَهُم قَاسِيَةً } صلبة غليظة لا تلين بالوعظ ، وليس ذلك جبراً والا لم يذمهم ، بل ترك توفيقهم باختيارهم ، فقست فذلك جعله قلوبهم قاسية ، ويجوز أن يكون معنى ذلك الجعل امهالهم عن العقاب فقسوا ، وقرأ عبد الله بن مسعود وحمزة والكسائى قسية بتشديد الياء واسقاط الألف قيل السين بوزن فعيل للمبالغة ، كقادر وقدير أو وصف بمعنى ردية من قولهم درهم قسى أى فيه صلابة النحاس اذا كان مغشوشا ، لأن فى الذهب والفضة الخالصين ليناً . وقرىء قسية بكسر القاف اتباعاً لكسر السين بعدها ، والثلاثة من معنى الصلابة ، ومثلها قسح يقسح فهو قاسح بالحاء ، وذلك أولى مما ذكر الأصمعى والفارسى ، أن قسية باسقاط الألف فارسى معرب بمعنى الدرهم الردىء وأفرد قاسية لأن القلوب جملة . { يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ } ليس هذا معنى نفس القسوة ، لكنه ثمرة القسوة ، كأنه لما قست قلوبهم تولد من قسوتها تحريف كلام الله ، فالجملة مستأنفة أو حال من هاء لعنهم ، لبيان ما أدت اليه قسوة قلوبهم ، وأنه لا أقبح من قسوة أدت الى تحريف كلام الله والكذب عليه ، وذلك أنهم حرفوا نعت محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره مما أرادوا تغييره من التوراة كآية الرجم ، وذلك أنهم بدلوا اللفظ بلفظ آخر يخالف معناه فى بعض ، وحرفوه التفسير فى بعض ، وخطوا بالقلم فى بعض . { وَنَسُوا حَظًّا } نصيباً عظيماً ، فالتنكير للتعظيم . { مِّمَّا ذُكِرُوا بِهِ } من التوراة وهو ما تركوا العمل به من التوراة ولم يحرفوه ، وما تركوا العمل به وحرفوه أيضاً ، وذلك أنه لو عملوا به لكان لهم حظ عظيم من الثواب ، ومن ذلك تركهم الايمان برسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن . النسيان الترك ، ويجوز أن يكون ذهاب المحفوظ من القلب ، فيكون المعنى أنهم حفظوا من معانى التوراة كثيراً ، ونسوا من ذلك الذى حفظوه نصيباً عظيماً لذنوبهم ، كما روى عن ابن مسعود رضى الله عنه أنه قال قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية ، وتلا هذه الآية . { وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنهُم } خائنة مصدر بوزن اسم الفاعل ، أى خائنة ، كما قال ابن عباس على معصية منهم ، وذلك كمظاهرة المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونقض عهده وهمهم بقتله بالصخرة والسم ونحو ذلك ، ومنه همهم به اذ دخل حائطا لهم أعنى جناباً ، وكما قرأ الأعمش على خيانة منهم ، وذلك كالعاقبة العافية واللاغية ، لا تسمع فيها لاغية . ويحتمل هذه الألفاظ الوصف ، أى الفعل أو الخصلة العاقبة ، أو العافية أو النفس اللاغية ، أو للسان اللاغية ، كما يحتمله لفظ خائنة ، أى لا تزال تطلع على فرقة أو طائفة خائنة ، أو نفس خائنة ، ويجوز أن يكون خائنة للمفرد المذكر على أن التاء للمبالغة ، أى انسان خائنة ، أى عظيم الخيانة ، أو كثيرها كما يقولون لكثير الرواية فلان رواية للشعر قال الشاعر @ حدثت نفسك بالوفاء ولم تكن للغدر خائنة مقل الأصبع @@ { إِلا قَلِيلاً مِّنهُم } وهم من أسلم منهم كعبد الله بن سلام ، فانه لا خيانة فيهم ، وقيل هذا استثناء من هاء لعنهم أو من هاء قلوبهم على القول بجواز الاستثناء من المضاف اليه ، أو استثناء من قلوب ، وعلى هذا يقدر مضاف أى الا قالوا قليلا . { فَأعفُ عَنهُم } عن زلاتهم لا تنتقم منهم بها . { وَاصفَح } أعرض عنهم ، كأنهم لم يقصدوك بسوء ، وهذا قبل الأمر بالقتال وبعده ، أما قبله فظاهر ، وأما بعده فلأن ظاهرهم أنهم على عهد جزية ، وهذه مصلحة أمر الله تعالى بها رسوله صلى الله عليه وسلم ليجلب بها الناس للاسلام ، ولو كان من ظهر منه عذر يحل دمه ، فيكون ذلك نقضاً لعهد الامام . وأيضا يجوز أن يكون المعنى لا تقتلهم انتقاماً لنفسك ، بل لله ، وليس هو ينتقم لنفسه أبداً ، وقيل ذلك الأمر بالقتال فنسخت بآية القتال ، وبه قال قتادة . وقيل نزلت فى قوم كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدا فغدروا ونقضوا ، فأمره الله أن يتركهم اذ لم ينصبوا حرباً ولم يمنعوا الجزية ، وأباح الله للامام العدل أن يعفو فى مثل هذا بنظر الصلاح ، فأمر نبيه به ارشاداً للمصلحة فى ذلك الوقت ، وقيل الهاء فى عنهم عائدة الى قوله { قَلِيلاً } وقيل الى اليهود مطلقاً على شرط أن تابوا وآمنوا أو عاهدوا والتزموا الجزية . { إِنَّ اللهَ يُحِبُ المُحسِنِينَ } ولو الى المشركين بما يضر الدين ، فكيف الى المؤمنين ، وذلك تعليل لقوله اعف عنهم واصفح .