Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 12-12)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَقَد أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ بَنى إِسرَائِيلَ } أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً ، ولا يخرجوا عن حكم التوراة . { وَبَعَثنَا مِنهُمُ } هذا الكلم ، انتقل الكلام اليه عن لفظ الغيبة فى { ولقد أخذ الله } منهم متعلق ببعثنا ، والمحذوف حال من اثنى عشر بعده على الأول للإبتداء ، وعلى الثانى للتبعيض . { أثنَى عَشَرَ نَقِيبًا } مع موسى عليه السلام ، النقيب من يبحث عن حال قوم ، أو يقوم عليهم ولا يهملهم يقال نقب عن الشىء بحث عنه ، وعن ابن عباس النقيب الضمين . وقال قتادة الشهيد على قومه ، وقيل الأمين الكفيل وهو قريب من قول ابن عباس ، لأن من شأن الضمين أن يكون أميناً . قال قتادة هؤلاء النقباء كبار كل سبط تكفل كل واحد بسبطه أن يؤمنوا ، ويلتزم التقوى من سبط روبيل ، سائل بن بكر ، ومن سبط شمعون ساباط بن حراماً ، ومن سبط يهوذا كالب بن يوقنا ختن موسى على أخته مريم ، ومن سبط جاد ، حايل بن يوسف ، ومن سبط زيالون حدى بن سور ، ومن سبط أشر سافوز بن ملكيك ، ومن سبط تقيالى حى بن وغشر ، ومن سبط دارين حملا يل بن حمل ، ومن سبط لاوى حولا بن مليكا ، ومن سبط بن يامين فلطم بن دقفون ، ومن سبط يوسف من ولده ابراهيم يوشع بن نون ، ومن سبط ابنه الآخر المسمى منشا رجل أبوه موسى غير موسى بن عمران . أخذ الله عز وجل الميثاق على بنى اسرائيل أن يطيعوا النقباء ، وعد الله تعالى موسى وقومه أن يورثه وقومه الأرض المقدسة ، وهى الشام ، وكان يسكنها الكنعانيون الحبارون العمالقة ، ولد عمليق بن لاوى بن سام ابن نوح عليه السلام ، وقال يا موسى انى كتبتها لكم داراً وقراراً ، فأخرج اليهم وجاهدهم ، وانى ناصركم اليهم ، فخذ من قومك اثنى عشر نقيبا ، فأخذ ، وأمرهم أن لا يذكروا لقومهم ما يرون ، وخرجوا فالتقوا بعوج بن عناق على رأسه حزمة حطب ، فأخذ الاثنى عشر فجعلهم فى حزمته ، وقيل فى كمه قد انطلق بهم الى امرأته وقال انظرى الى هؤلاء الذين يزعمون أنهم يريدون قتالنا وطرحهم بين يديها ، وقال ألا أطحنهم برجلى ؟ فقالت له امرأته لا بل خل عنهم حتى يخبروا قومهم بما رأوا ، وقيل جعلهم فى كمه ومضى بهم الى الملك ، وقال له دعهم يخبروا قومهم بما رأوا فتركهم ، فجعلوا يتعرفون أحوالهم وكان لا يحمل عنقود عنبهم الا خمسة أنفس فى عمود ، ويدخل فى قشر الرمانة خمسة أنفس أو أربعة . روى عن ابن عمر كان طول عوج بن عناق ثلاثة وعشرين ألف ذراع ، وثلاثمائة وثلاثين ذراعاً وثلاث ذراع بالمالكى ، وكان رأسه تحت السحاب ، قلت ولعل هذا فى السحاب العالى جداً ، وقد روى أنه يكون السحاب له حيث يتحزم الانسان ويشرب من السحاب ، ويتناول الحوت من قعر البحر ويشويه لعين الشمس ويأكله . قلت مثل هذا الارتفاع لا يظهر فيه من حرارة الشمس ما يشوى الحوت ألا ترى أنك لو كنت فى أخفض موضع ، ثم كنت فى أرفعه لم يظهر لك زيادة الحرارة ، ولو حصل مطلق الزيادة فى نفس الأمر زيادة لا يتفطن الا بتدقيق ، ألا أن يقال إن تلك الطبقة التى يصلها عوج تظهر فيها حرارة عظيمة منعها الله من وصولها الينا بما شاء من برد وريح . وقال عوج لنوح عليه السلام احملنى اليك فى السفينة ، فقال له اذهب يا عدو الله فانى لم أومر بذلك ، وعلا الماء على الجبال ، وما جاوز ركبتى عوج ، وعاش ثلاثة آلاف سنة حتى أهلكه الله فى زمان موسى عليه السلام ، وكان لموسى عليه السلام فى فرسخ ، فجاء عوج حتى نظر اليه ، ثم جاء الى الجبل وقور منه صخرة على قدر العسكر ، ثم حملها ليطبقها عليهم ، فبعث الله الهدهد فنقبها فوقعت فى عنق عوج كالطوق ، فصرعته فوثب موسى عشرة أذرع ، وطوله عشرة أذرع ، وطول عصاه عشرة أذرع ، فضربه بها ، فما أصابت الا كعبه ، وقيل طوله سبع ، وطول عصاه سبع ، ووثب سبعاً ، فأقبلت جماعة كثيرة فحزوا رأسه بالخناجر . قيل كان طول سريره ثمانمائة ذراع ، وليست قصة عوج تعجبنى اذ رأيتها ، ومما خلطوا به أنه لما قتل وقع على نيل مصر فحبسه سنة ، وأين نيل مصر من أرض الكنعانيين ، قالوا وكانت أمه عناق بن آدم عليه السلام من صلبه ، وأن أول من بغى على وجه الأرض وهو ولد زنى ، قيل وأصغر أصابعها ثلاثة أذرع ، وفى كل أصبع ظفران ، وموضع مجلسها جريباً من الأرض بعث الله اليها أسوداً كالفيلة ، وذباباً كالابل ، ونموراً كالحمير ، فقتلتها وأكلتها . ولما رجع النقباء قال بعضهم لبعض يا قوم انكم ان أخبرتم بنى اسرائيل خبر القوم فشلوا وارتدوا عن نبى الله ، ولكن اكتموا شأنهم وأخبروا موسى وهارون فيروا فيهم رأيهم ، فأخذ بعضهم من بعض الميثاق على ذلك ، وجاءوا بحبة عنب الى موسى عليه السلام من عنبهم وقرر رجل ، وأخبروه بما رأوا فأخبر كل واحد قومه عن قتالهم ، وأخبرهم بحال ما رأوا الا يوشع بن نون ، وكالب بن يوقنا ، ولما سمعوا ذلك رفعوا أصواتهما بالبكاء وقالوا يا ليتنا متنا بمصر ، وياليتنا متنا فى هذه البرية ، ولا يدخلنا الله أرضهم ، فتكون أولادنا ونساؤنا وأثقالنا غنيمة لهم ، وجعل الرجل يقول لأصحابه تعالوا نجعل علينا رأسا وننصرف الى مصر ، كما قال الله جل وعلا { قالوا يا موسى ان فيها قوماً جبارين } الآيات . وانما أمر الله موسى عليه السلام بقتال الكنعانيين بعد اغراق فرعون ، وقيل بعد ما أغرق رجع موسى وبنوا اسرائيل الى مصر ، واستقروا فيها ، فأمر بالخروج منه اليهم لعامرة الشام ، وقيل لم يرجعوا اليها بعد اغراقه ، ولما اضطربوا قال لهم موسى ان الله سيفتح لكم كما أغرق فرعون ، وخرق لكم البحر ، ولم يقبلوا عنه وهموا بالانصراف الى مصر . وقال كالب بن يوقنا ويوشع يا قوم قد اختبرناهم فوجدناهم أجساماً عظاماً بقلوب ضعاف ، وهم بنو اسرائيل أن يرجموهما بالحجارة ، وعصوهما . ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم الحديبية ، حين صد عن البيت " انى ذاهب بالهدى فناحره عند البيت " فاستشار أصحابه فى ذلك ، قال المقداد بن الأسود رضى الله عنه أما والله لا نقول كما قال قوم موسى عليه السلام اذهب أنت وربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون ، ولكنا نقول انا معك مقاتلون ، والله لنقاتلن معك عن يمينك وشمالك ، وبين يديك ومن خلفك ، ولو خضت بحراً لخضناه معك ، ولو شمت بنا جبلا لعلوناه ، ولو ذهبت بنا الى برك الغماد لتبعناك ، فلما سمعهما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بايعوه على ذلك ، وأشرق بذلك وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ابن مسعود لأن أكون صاحب الهدى أحب الى من الدنيا وما فيها ، وكذلك قال له المقداد لما استشار تبعك حيث ذهبت ، ولا نقول كما قال بنو اسرائيل ، ولما عصت بنو اسرائيل أمر ربهم وهموا برجم يوشع وكالب ، غضب موسى عليه السلام ودعا عليهم فقال { فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين } فأوحى الله اليهم الى متى يعصوننى ويكذبون بآياتى ؟ فخاف أن يهلكهم الله فقال انه ان قتلتهم قال الناس قتلهم موسى ، لأنهم لن يستطيعوا أن يدخلوا الأرض المقدسة ، وانه كثير حلمك كثير نعمتك ، وانك تغفر الذنوب ، وتحفظ الأذى على الآباء الأبناء ، فلا تؤاخذهم فقال الله عز وجل لموسى قد عفوت لكلمتك ، فبما حلفت لأحرمن عليهم دخول الأرض المقدسة غير عبدى يوشع وكالب ، ولأتيهنهم فى هذه البرية أربعين سنة ، ومات النقباء الذين أفشوا الخبر ، وكل من دخل التيه ممن جاوز عشرين سنة مات فى التيه غير يوشع وكالب ، ولم يدخل أريحا أحد ممن قال { انا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها } { وَقَالَ اللهُ إنِّى مَعَكُم } بالنصر والتوفيق ، والخطاب قيل للنقباء ، وقيل لبنى اسرائيل صحح بعضهم الأول وجعل الخطاب بعد لبنى اسرائيل والذى عندى أن الخطاب هنا وفى ما بعد لبنى أسرائيل . { لَئِن أَقَمتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيتُمُ الزَّكَاةَ } ربع المال . { وَآمَنتُم بِرُسُلِى } كلهم ، ولم تفرقوا بين أحد منهم . { وَعَزَّرتُمُوهُم } عظمتموهم وجريتم على مقتضى التعظيم من التوقية والنصر باللسان والسيف والاعانة ، وقيل بمعنى نصرتموهم بالسيف ، ونسب للسدمى ، واختاره بعض ، وقال مقاتل أعنتموهم ، ثم رأيت عن عطاء أن المعنى وقرتموهم كما فسرته لا بعظمتموهم والحمد لله ، ولكن زدت بياناً ومن ذلك التعزير بمعنى التنكيل ، لأنه منع من معاودة الفساد ، يقال منعتموهم من أيدى العدو ، وقرأ عاصم الحجدرى بتخفيف الراء حيث وقع ، وفى سورة الفتح { وتعزروه } بفتح التاء واسكان العين وضم الراء . { وَأَقرَضتُمُ اللهَ قَرضًا حَسَناً } اسم مصدر مفعول مطلق نوعى بمعنى اقراضاً حسناً ، أو هو اسم للمال العطى ، فيكون مفعولا به ، وعلى كل حال المراد الانفاق فى سبيل الخير تطوعا . { لأُكَفِّرَنَّ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم } جواب القسم المقدر قبل قوله ، لأن المغنى عن جواب الشرط الممهد له بلام لئن . { وَلأُدخِلَنَّكُم جَنَّاتٍ تَجرِى مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ } هذا ذكر لايصال ثواب اقامة الصلاة ، وما ذكر بعدها من الأعمال بعد ذكر ازالة العذاب بتكفير السيئات ، والآية شبيهة بقوله تعالى { أوفوا بعهدى أوف بعهدكم } لأن اقامة الصلاة وما بعدها ايفاء بعهد الله ، وكونه معهم ، والتكفير والادخال ايفاء الله بعهدهم . { فَمَن كَفَرَ } فسق ونافق بمخالفة أمر الله ، كترك السير الى الجبارين ، وقيل المعنى من ارتد الى الشرك . { بَعدَ ذَلِكَ مِنكُم } أى بعد أخذ العهد والميثاق ، أو وعدى بالتكفير للسيئات ، وادخال الجنة على شرط اقامة الصلاة وما بعدها ، وقيد بالبعدية مع أن الكفر فعل ذلك أيضاً ضلال مبين لعظم الكفر بعد حتى كأنه كان الكفر قبله لبسه ضلال بالنسبة اليه ، اذ لا شبهة بعد ، ولا توهم معذرة عن كفره بعد ، وكل ما زادت النعمة ازداد الكفر قبحاً . { فَقَد ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلَ } أى عن سواء السبيل ، أى وسطه ، أى السبيل المستقيم ، والنصب على حذف الخافض كما رأيت ، أو المفعولية لتضمن ضل معاً فقد ، أو أخطأ .