Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 32-32)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ مِنْ أَجلِ ذَلِكَ } الذى فعل قابيل من قتل أخيه ، فقال نافع يتعلق بأصبح أو بالاستغراب الذى فى قوله { من النادمين } أى أصبح ثابتاً من النادمين من أجل قتله أخاه ، فالوقف على لفظ ذلك ، وقيل ان الوقف على النادمين ، وان من أجل ذلك يتعلق بكتبنا بعده ، وعليه الجمهور ، ومن للابتداء أى حصل له الندم من أجل ذلك ، أى تحصلت الكتابة من جنايته تلك ، أو هى للسببية على الوجهين . وان قلت كيف يكون فعل قابيل سبباً للكتابة على بنى اسرائيل لما ذكر ، أو مبتدأ له ؟ قلت لما فيه من المفاسد ، ومحو جميع الفضائل ، أى لعظم تلك المفاسد ، ومحو الفضائل ، أو من ذلك المبتدأ فشددنا على بنى اسرائيل بأن قاتل نفس بغير نفس أو فساد كان كقاتل الناس جميعاً ، وأما القاتل من غيرهم غير قابيل فقاتل نفس لا كقاتل الناس جميعاً ، وخص بنى اسرائيل بهذا التشديد لمبالغتهم فى القتل ، فكانوا يقتلون الأنبياء ويستحلونه ، كما قتلوا يحيى وزكريا وغيرهما ، وقتلوا الذين يأمرون بالقسط من الناس ، وهموا بقتل عيسى وباشروا ونجاه الله . وقيل الناس كبنى اسرائيل فى ذلك ، ولكن خصوا بالذكر لمبالغتهم فى القتل وشدة قسوتهم ، وامتناعهم عن الطاعة ، ويتبين ذلك بتقدير مضاف أى ، من أجل مفاسد ذلك القتل ، أو يشار بذلك للمفاسد المعلومة من الكلام وأجل بفتح الهمزة واسكان الجيم مصدر أجل شرا ، أى كسبه وجناه ، وهو هنا كذلك ، أى لكسب ذلك ، أى لكسب قابيل ذلك ، أو من كسب ذلك أعنى المبدأ فليس أجل تعليلا ، وانما التعليل بمن أو بغيره من حروف التعليل اذا دخل على أجل ، اذ لو كان أجل تعليلا لم يدخل عليه حرف التعليل فى قولهم مثلا لأجل كذا ، الا أنهم توسعوا فى أجل فاستعملوه فى كل كسب ، سواء الخير أم الشر ، وفى غير الكسب فيقال من أجل ذلك أو لأجل ذلك بمعنى من شأن ذلك ، ومن استعماله على أصله قوله @ وأهل خباء صالح ذات بينهم قد احتربوا فى عاجل أنا آجله @@ أى فى شر عاجل أنا كاسبه ، ويقال أيضا فعلته من جراك ، أى من أن جررته ، وهو فعلى من الجر أى من كسبك ، من جرواك أى من كسبك ، وهو من جرا يجرو كدعا يدعوا بمعنى كسب ، وكلاهما بمعنى من أجلك ، وقرأ أبو جعفر من أجل ذلك بكسر الهمزة وهو لغة ، وقد ينقله للنون . { كَتَبْنَا } أى فرضنا . { عَلَى بَنِى إِسرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيرِ نَفسٍ } توجب القصاص . { أَوْ فَسَادٍ فِى الأَرضِ } العطف على نفس ، أى أو بغير فساد ، وأو بمعنى الواو ، أو لتنويع النفس المحللة للقتل الى نفس موجبة للقصاص ، والى نفس ذات موجب للقتل كالشرك وزنى المحصن واللواط مطلقاً ، وقطع الطريق والطعن فى الدين . { فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا } لأنه هتك حرمة الدماء ، وحدد سنة القتل ، وجرى الناس عليه ، فكم هائب لقتل غيره ، فاذا رأى أحداً قتل أحداً وسمع به زالت هيبة القتل من نفسه ، فكان يقتل غيره ، ولأن قتل الواحد وقتل الجميع سواء فى استجلاب غضب الله والعذاب العظيم والتحريم . { وَمَن أَحْيَاهَا } أى أحيا النفس ، وهذا على طريق الاستخدام ، فان النفس التى يحيى غير التى قتلها ، ومعنى احياء النفس ابقاءها حية كالعفو عن القاتل لوجه الله ، وبالعفو فسر الحسن احياءها ، ومثل أن تدعوك نفسك الى قتلها فتتركه لوجه الله تعالى ، وكتنجيها ممن أراد قتلها ظلماً ، أو من حيوان يقتلها ، أو من حريق أو قدم أو غرق أو جوع أو عطش مهلك ومن غير ذلك من أسباب الهلاك ، كالاخبار بأن هذا الطعام أو الشراب مسموم ، وبارادة انسان قتله والاخبار يبرىء وهو لم يرها . { فَكَأنَّمَا أحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا } وذلك ترهيب عن القتل ظلماً ، وترغيب فى السعى فى بقاء الحياة ، قال ابن عباس ، وابن زيد المعنى من قتل نفساً واحدة ، وانتهك حرمتها ، فهو مثل من قتل الناس جميعاً ، ومن ترك قتل نفس واحدة ، وصار حرمتها مخافة فهو كمن أحيا الناس جميعاً ، وفى رواية عنه المعنى من قتل نبياً أو امام عدل ، كأنما قتل الناس جميعا ، ومن شد عضد نبى أو امام عدل ، فكأنما أحيا الناس جميعاً ، يريد من يكون قتله هلاكاً للدين ، كما قيل أفضل احياء النفس أن ينجها من كفرها وضلالها . وكما قيل من مات الدين على يده كقاتل الناس جميعاً ، ومن أحياه كمن أحيا الناس كلهم من موت أشرف عليهم ، وكما قال صلى الله عليه وسلم لعلى حين بعثه فى جيش " اعلم يا على أنه ان يسلم بك رجل خير من الدنيا وما فيها " وعن مجاهد المعنى أنه من قتل نفساً واحدة مؤمنة عمداً استوجب جهنم والخلود وغضب الله ، ولعنه واعداد العذاب العظيم ، ومن قتل الناس كلهم لا يزيد على ذلك شيئا من سلم من قتل واحدة ، فقد سلم منهم جميعاً . ومثله عن الحسن يا ابن آدم أرأيت لو قتلت الناس جميعاً اتطمع أن يكون لك عمل يوازى ذلك فيغفر لك به ، فكذا لو قتلت واحداً . وقيل المعنى لو قتل الناس جميعا لقتل ، ولم يزد على من قتل نفساً واحدة شىء ، ومن تسبب فى حياتها فله من الثواب ما لو نجاهم كلهم من الموت ، وقيل المعنى من استحل قتل نفس بغير حق كمن استحل قتل الناس كلهم ، ومن ترك قتلها تورعاً فكأنما تورع عن قتلهم كلهم ، والتحقيق ما فسرت الآية به أولا . { وَلَقَد جَآءَتهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ } أى جاءت بنى اسرائيل رسلنا بالدلائل الظاهرة الدالة على صدق الرسل . { ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنهُم بَعدَ ذّلِكَ } المذكور عن ارسال الرسل بالبينات ، والتشديد عليهم فى أمر القتل . { فِى الأَرضِ لَمُسرِفُونَ } بالقتل وغيره من الفواحش ، والاسراف التباعد عن حد الاعتدال فهم لا يبالون بالاسراف فى المعاصى فى كل عصر ، وقيل المراد بالاسراف الاشراك ، وبعد متعلق بمسرفون بعده ، وكذا فى الأرض فهو من تقديم معمول الخبر على لام التأكيد المتصلة به ، وهو فى المعنى أقرب من أن يجعل بعد متعلقاً بمحذوف نعت لكثير أو حال من الضمير المستتر فى منهم ، فان منهم متعلق بمحذوف نعت لكثير ، وفى الأرض متعلق بمحذوف نعت آخر أو حال من المستتر فى بعد أو متعلق بما تعلق به بعد .