Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 33-33)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّمَا جَزَآءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ } على حذف مضاف ، أى يحاربون أولياء الله ورسوله ، لأن الله لا يحاربه أحد لا يقاتله و لا يسلب عنه شيئاً تعالى عن ذلك ، وأما رسوله فذلك ممكن معه ، ولكن عطف على لفظ الجلالة فقدر لهما مضاف واحد ، فبعد تقديره تكسر لام رسوله ، ويجوز أن لا يقدر مضاف فى حق رسوله ، فبعد تقديره قبل لفظ الجلاله تبقى لام رسوله مفتوحة للعطف على لفظ المضاف ، وهو أولياء وقيل التقدير يعطف على لفظ الجلالة ، وأصل المحاربة أخذ مال أحد ، تقول حرب الرجل ماله أى سلبه فهو محروب وحريب ، ثم استعمل فى القتل والضرب وأنواع المضار ، وأخذ المال . ويجوز أن يراد بالمحاربة ما خلفة الله ورسوله فى أمرهما ونهيهما ، وذلك تشبيه للمخالفة بنحو القتال ، فلا يقدر مضاف ، والمفاعلة فى ذلك كله على بابها ، وفى الآية تعظيم المؤمنين ، اذ جعل محاربتهم محاربة لله عز وجل ، وذلك اذا قدرنا يحاربون أولياء الله ظاهر ، وأما اذا فسرنا المحاربة بمخالفة الله ورسوله ففيه التعظيم لهم ، أيضا لتمسكهم بما لا يخالف الله ، ولأن مخالفة رسوله مخالفة لولى الله وغيره تبع له . والمراد بأولياء الله المقدر من هو فى الظاهر ولى لله ولو لم يكن عند الله كذلك ، أو كل من هو جار فى سيرته على دين الله فى القتال والأحكام الظاهرة . واعلم أن تفسير المحاربة بمخالفة دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أولى ، لأنه أعم فائدة ، لأن الجزاء المذكور للذين يحاربون لا يختص بمن حارب المسلمين والموحدين ، بل يعم من قطع الطريق على من لا يجوز قطعها عنه ولو مشركاً ، وكذا من أخذ مال من لا يجوز أخذ ماله ولو مشركا ، أو أخاف من لا يجوز اخافته ، فذلك وهم المشركون أهل الذمة ، وأما من فعل ذلك بغير أهل الذمة من المشركين الذين لم يخاطبهم الامام فلا يفعل به ذلك ، ولكن ينهى ويرد ما أخذ من مال أو ولد أو نفس ، الا ان نهاه الامام ولم ينته فانه يجازى بذلك . { وَيَسعَونَ فِى الأَرْضِ فَسَادًا } أى يجتهدون فى الأرض فساداً ، شبه الاجتهاد فى أمر باسراع المشى فى الأرض ، والمراد بالمحاربة والسعى مطلق المعاصى التى يترتب عليها ما يذكر بعد من التقتيل والتصليب ، وتقطيع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، والنفى فى الأرض ، فان كل معصية منها تسمى محاربة لله ورسوله ، وسعياً فى الأرض بالفساد . وقيل المراد بالمحاربة قطع الطريق ، وقيل المكابرة باللصوصية والسعى فى الأرض هو باقى المعاصى الموجبة لما يترتب عليها مما ذكر ، وقطع الطريق انما يكون من قوم يجتمعون ولهم منعة ممن أراد الانصاف منهم فيتعرضون للمال والنفس . واللصوصية المسارقة وجهر المكابرة بأخذ مال أو نفس . واعلم أن أحكام الآية من التقتيل والتقطيع والتصليب والنفى ، سواء فيها الموحد والمشرك ، وسواء كان ما يوجبها من الجنايات فى فلاة أو عمران أو قرية أو مدينة ، وخالف أبو حنيفة فلم يجز تلك الأحكام فى حامل السلاح المكابر فى الأمصار ، بل ان قتل قتله الولى قصاصاً ، وان عفى لم يقتل ويرد ما أخذ من المال ان أخذه ، وان أخاف أدب أو نكل ، وقيل لا يصلب الموحد ، وبه يقول أصحابنا ، وقيل يقطع رأسه ويصلب ثلاثاً ثم يدفن ، والمشرك يصلب كله . وفساداً اسم مصدر ، وهذا المصدر هو الافساد ، سواء جعلنا فساداً مفعولا لأجله ، أى يسعون للافساد ، لأن الفساد ليس فعلهم ، وانما هو أثر فعلهم الذى هو الافساد ، أو حالا على تقدير مضاف ، أى ذوى افساد ، أو على التأويل بالوصف أى مفسدين ، وأما على المبالغة كأنهم نفس الفساد والافساد ، فيجوز ابقاؤه على أنه مصدر ، ويجوز كونه اسم مصدر وهو حال ، أو جعلناه مفعولا مطلقا لتضمن يسعون معنى يفسدون ، أى يفسدون افساداً . { أَن يُقَتَّلُوا } التشديد للمبالغة بكثرة من يتعلق به القتل ، وكذا فى يصلب ، ويقطعوا لكثرة من يصلب أو يقطع لا فى نفس القتل والصلب والقطع ، لأنهن يتفاوتن ، اللهم الا أن يقال على معنى يقتل كل واحد قتلا عظيماً لا يحتمل معه الحياة ، وكذا الصلب يتمكن فيه ، وفى القتل معه ، وكذا القطع يتمكن فيه لا ينقص من المقطوع ، أو يترك بعضه متصلا ، وعلى معنى فعل ذلك سرعة لحديث " واذا قتلتم فأحسنوا القتلة " ويحمل عليه غير القتل الا من قتل وفعل به ما فعل هو من الزيادة كالمثلة والسمل مثلا ، ومعنى قوله عز وجل { أَن يُقَتَّلُوا } أنهم يقتلون حداً لا قصاصاً ، فهو يقتل ولو عفى الولى ولا يصلب ولا يقطع ، لأنهم أفردوا القتل ولم يضموا اليه أخذ مال . { أَو يُصَلَّبُوا } ان قتلوا وأخذوا المال ، والمراد أن يصلبوا ويقتلوا ، ولا صلب فى الشرع بلا قتل ، وانما يصلبونه ردعاً لغيرهم ، ويجعلون حيث يمر الناس ، ثم انه قيل يصلب حياً ويطعن حتى يموت ، وبه قال أبو حنفة ومحمد ، وقيل يصلب ثلاثة أيام حياً ، ثم ينزل فيقتل ، وقيل يصلب حياً ويترك الى أن يموت بالصلب ، لا يطعم ولا يسقى ، لأن الله جل جلاله قال { أَو يُصَلَّبُوا } ولم يذكر القتل ، ولم يذكر مدة لصلبه ، فلا غاية الا الموت ، واذا مات وجب دفن الميت . والصلب أن توقف خشبة نخلة أو شجرة ، ويعلق بها مربوطاً معترضاً رجلاه لجهة ، ورأسه لجهة ، ويجوز فعل ذلك بنخلة أو شجرة أو سارية ، بحيث يرى ، ويصلى على من قتل أو صلب أو قطع ان مات لحديث " صلوا على كل بار وفاجر " وقيل فى مستحق الصلب انه يقتل ويصلى عليه ، ثم يصلب ، ونسب للشافعى فيبقى مصلوباً يوماً وليلة ، ثم ينزل وقيل عنه يبقى ثلاث ليال ، وقيل قليلا ، وصحح عنه ثلاث ، وأو للتنويع وكذا فى قوله { أَو تُقَطَّعَ أَيدِيهِم وَأَرجُلُهُم } وفى قوله { أَو يُنفَوا مِنَ الأَرضِ } على أن بعض الجناة يستحق القتل ، وبعض الصلب ، وبعض القطع ، وبعض النفى كما رأيت وترى . { أَو تُقَطَّعَ أَيدِيهِم وَأَرجُلُهُم مِّن خِلافٍ } تقطع أيديهم اليمنى من الرصغ ، وأرجلهم اليسرى من المفصل ، ان أخذوا المال ولم يقتلوا ، ومن للابتداء متعلق بيقطع ، أى يوقع التقطيع من جهة مخالفة أو للمصاحبة فتعلق به ، أو لمحذوف حال من أيديهم وأرجلهم . { أَو يُنفَوا مِنَ الأَرضِ } أن اقتصروا على اخافة الناس ، ومعنى نفيهم عندنا سعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز أن يطالبهم الامام ليقيم ، عليهم الأدب أو النكال ، والتعزير بحسب ما يظهر له فيهربون ، وكلما وصلوا بلداً جرى فيها حكمه طالبهم منه ، فلا يؤمنوا فى بلد ، فان تمكن منهم أخرج منهم الحق . وقال ابن عباس ، والليث بن سعد ، والشافعى ينفيهم بالاقصاء الى البلاد البعيدة حتى تصح توبتهم ، والأرض هى الأرض التى فعلوا فيها ذلك ، وقيل وكانوا ينفون الى دهلك بلد بأقصى تهامة وناصع من بلاد الحبشة . وقال أبو حنيفة النفى من الأرض الحبس لأن المحبوس منع من الأرض كلها الا موضع حبسه ، فهو نفيه كالميت فى قبره ، وتبعه الكوفيون فى ذلك ، وحكى عن عمر بن الخطاب أنه أول من حبس وقال أحبسه حتى أعلم منه التوبة ولا أنفيه الى بلد آخر فيؤذيهم . وعن مالك ان خيف جانبه حبسه الامام فى البلد القريب ، والا أبعده من الارض ، وتفسير الآية بما ذكرته من التفصيل المذكور هو تفسير الجمهور ، وهو مذهب أصحابنا ، وقال عمروس أو للتفصيل كذلك الا أنه جعل التفصيل فى قوله { أَو يُنفَوا مِنَ الأَرضِ } على غير طريق التفصيل المذكور ، لأنه رد الضمير فى ينفوا المحاربين والساعين فى الأرض فساداً الا باعتبار أنهم أخافوا الناس ولم يذكر هو الاخافة ، بل باعتبار أنهم فعلوا ما مر من موجب التقتيل أو التقطيع أو الصلب وهربوا ، قال وانما النفى الذى ذكره الله فهو أن يطلبهم الامام والمسلمون باقامة ما حكم الله بينهم وعليهم من القتل والقطع والصلب فيهربوا ، فلا يؤمنون فى شىء من بلاد المسلمين . قال ولا يحل ما يقول من زعم أن النفى هو الحبس ، وقال من أصاب الأموال والأنفس لم يكن مشركا قتل ولم يصلب ، ومن أصاب الأموال فقط قطع رجله اليسرى ويده اليمنى موحداً أو مشركاً ، وان أصاب مشركاً مالا ونفساً قتل وصلب ، ولا يصلب أحد من أهل الاقرار ، وتوجيه تفسر الجمهور المتقدم ظاهر ، لأن القتل بلا قطع طريق عمداً يثبت القتل قصاصاً ، فغلظ فى قاطع الطريق ، بأن كان قتله حداً لا يسقط بعفو الولى ، وأخذ المال سرقة يوجب القطع بلا قطع طريق ، فغلظ فى قاطع الطريق بأن تقطع مع يده رجله من خلاف ، وان جمعوا بين القتل والمال جمع الصلب فى ممر الناس تشنيعاً ، والقتل وان اقتصروا على الاخافة خفف الشر عنهم بأن ينفوا فقط ، لنزول الاخافة . وقال قوم أو لتخيير ، والامام مخير فى قاطع الطريق بالقطع أو أخذ المال أو بهما بين القتل والصلب والقطع والنفى ، ونسب لابن عباس ، والحسن ، وسعيد بن المسيب ، والنخعى ، ومجاهد ، والصحيح عن ابن عباس ما مر عن الجمهور ، قال عمروس وليست الآية على معنى ما يقول من يقول ان الامام فيهم مخير ان شاء قتلهم ، وان شاء صلبهم ، وان شاء قطعهم ، وان شاء نفاهم . وقال سعيد بن جبير ، وقتادة ، عن أنس بعضهما يزيد على بعضنزلت هذه الآية فى " قوم من عرنة ، وعكل ، قدموا على النبى صلى الله عليه وسلم وتكلموا فى الاسلام فقالوا يا نبى الله انا كنا أهل ضرع ، ولم نكن أهل ريف ، واستوخموا المدينة ، فأمر لهم النبى صلى الله عليه وسلم بذود وراع ، وأمرهم أن يخرجوا فيه فشربوا من ألبانها وأبوالها ، وانطلقوا حتى اذا كانوا ناحية الحرة كفروا بعد الاسلام ، وقتلوا راعى النبى صلى الله عليه وسلم ، واستاقوا الذود ، فبلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم ، فبعث الطلب فى أثرهم ، فما ارتفع النهار الا جىء بهم ، فأمر بهم فسملوا عيونهم ، وقطعوا أيديهم وأرجلهم ، وتركوا فى ناحية الحرة حتى ماتوا على حالهم ، يعضون الحجارة يستسقون ولا يسقون " . قال أبو قلابة أى شىء أشد مما صنع هؤلاء ، ارتدوا عن الاسلام ، وقتلوا وسرقوا وحاربوا الله ورسوله ، وأنزل فيهم { إِنَّمَا جَزَآءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ } الآية تقرير لفعله صلى الله عليه وسلم فيهم ، وتصويباً له ، ولكن زاد له شيئاً لم يفعله وأمره بفعله فى مثلهم وهو التصليب اذا قتلوا وأخذوا الابل ، ولذلك قيل أنزلت معاتبة له صلى الله عليه وسلم وتعليماً له ، أى ليس جزاؤهم ما فعلت بهم فقط ، انما جزاؤهم أن تضم الى ما فعلت التصليب ، وانما سمل أعينهم لأنهم سملوا أعين الراعى ، فالتخريج على هذا أولى مما قيل ان الآية نزلت ناسخة لمثلته بهم بقطع الأرجل وسمل الأعين . وعن قتادة ، عن ابن سيرين نزلت الآية قبل أن تنزل الحدود ، ولما نزلت وجب العمل بها ، وسمل العين أن تكحل بمسمار محمى بالنار حتى يذهب بصرها ، والريف أرض الزرع والخصب ، وأهل الضرع أهل الماشية ، أرادوا أنهم لعنهم الله ألفوا البادية واللبن ، واستوخموا المدينة عدوها وخمة لم توافق مزاجهم ، والحرة أرض ذات حجارة سود . وقال الكلبى نزلت فى قوم هلال بن عويمر ، وهو أبو بردة من بنى أسام ، عاهد هلال رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يعينه ولا يعين عليه ، فمر قوم من كنانة الى النبى صلى الله عليه وسلم يريدون الاسلام بقوم هلال ، وهلال غائب ، فقتلهم قومه وأخذوا أموالهم ، وقد عهدوا أنه من يمر بهم الى النبى صلى الله عليه وسلم فهو آمن لا يهاب ، فنزلت الآية قاضية فيهم على التخيير ، وعن ابن عباس نزلت فى قوم من أهل الكتاب ، كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد وميثاق ، فنقضوا العهد وأفسدوا فى الأرض ، فنزلت فيهم كذلك . { ذّلِكَ لَهُم خِزىٌ فِى الدُّنيَا وَلَهُم فِى الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم } الاشارة الى الجزاء والذل ، والفضيحة والعذاب العظيم فى النار والزمهرير .