Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 41-41)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ } مثل قوله تعالى { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك } وهما موضعان فى القرآن خاطب الله جل وعلا رسوله صلى الله عليه وسلم فيهما بالرسالة تشريفاً له ، واثباتا لما أنكره أعداؤه ، وخاطبه بيا أيها النبى فى مواضع كثيرة تشريفاً واثباتا ، كذلك شهد له بالنبوة والرسالة كما شهد لنفسه بالوحدانية . { لا يَحزْنُكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِى الكُفرِ } أى لا يحزنك الذين يسارعون فى الكفر ، بمسارعتهم فى الكفر ، علم الله جل وعلا ، أنهم يحزنونه بمسارعتهم فيه ، فنهاه عن أن يبقى على الحزن ، وأوجب عليه أن لا يحزن ، ويجوز أن يقدر لا يحزنك مسارعة الذين يسارعون فى الكفر ، أو لا يحزنك صنيع الذين يسارعون . ومعنى المسارعة فى الكفر وقوعهم سريعاً فى اظهاره وأعلاه اذا وجدوا سبيلا الى ذلك ، كما اذا خلا بعضهم الى بعض ، كما اذا سمعوا بهزيمة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويأبى الله الا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ، ولو كره المشركون ، والمراد فى الآية المنافقون لقوله تعالى { مِنَ الَّذِينَ } حال من الذين أو من واو يسارعون . { قَالُوا آمَنَّا بِأَفوَاهِهِم وَلَمْ تُؤمِن قُلُوبُهُم } فنفاقهم أسرار الشرك ، فالنفاق تارة اضمار الشرك ، وتارة مخالفة العمل للقول مع ثبوت أصل الايمان فى القلب ، الباء متعلق بقالوا والواو فى قوله تعالى { وَلَمْ تُؤمِن قُلُوبُهُم } حالية ، وصاحب الحال واو قالوا ، أو عاطفة على قالوا ، وقال بأفواههم مع أن القول الحقيقى لا يكون لا باللسان للاشارة الى أن قولهم لا يجاوز أفواههم الى قلوبهم . { وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَاعُونَ لِلكَذِبِ } من الذين خبر مقدم ، وسماعون مبتدأ فالوقف على قلوبهم ، ويجوز أن يكون من الذين هادوا معطوفاً على من { الَّذِينَ يُسَارِعُونَ } فالوقف على هادوا ، فعلى هذا الوجه يكون المراد بالذين يسارعون فى الكفر المنافقين واليهود ، فيكون سماعون خبراً لضمير المنافقين واليهود محذوفاً ، أى هم سماعون أى المنافقون واليهود ، سماعون للكذب ، وهذا لا يصح الا على جعل يحرفون حالا لقوم ، أو نعت له ، ومن للبيان فى الوجه الثانى مثل الأولى ، وأما على الوجه الأول فللتبعيض . ويجوز أن تكون من الأولى للتبعيض ، على أن من المنافقين من لا يسارع فى الكفر ، وكذا يجوز فى الثانية ، ومعنى { هَادُوا } انتسبوا لليهودية ، وليسوا على حقيقة اليهود الذين اتبعوا موسى ، معنى { سَمَاعُونَ لِلكَذِبِ } يسمعون الكذب سماعاً عظيماً أو كثيراً ، سماع قبول ، وذلك أنهم يسمعونه من رؤسائهم أو علمائهم فى صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يحرفونها وفى أحكام التوراة ، وكذلك يسمع منهم المنافقون ويسمعون أخباراً يرجف بها المرجفون ، كذا ظهر لى ثم رأيت بعضه لغيرى والحمد لله . واللام للتقوية وقيل المعنى سماعون من رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثرون سماع ما يقول لأجل أن يكذبوا عليه ، يقولوا قال كذا وكذا وهو لم يقل ، فاللام للتعليل ، وهذا ضعيف لأنه لم يكثر حضور اليهود سماع رسول الله صلى الله عليه وسلم . { سَمَاعُونَ لِقَومٍ آخَرِينَ لَم يَأَتُوكَ } اذا جعلنا سماعون الأول خبر المحذوف فهذا خبر ثان ، أى هم سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين ، واذا جعلنا سماعون الأول مبتدأ فالثانى نعت عند مجيز نعت الصفة ، والمانع يقول له نعت ثان للمنعوت الأول ، أى ومن الذين هادوا قوم سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين ، ومعنى سماعون لقوم آخرين أنهم حريصون على السماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعاً لقوم آخرين ، أو من أجلهم ، وجملة لم يأتوك نعت ثان لقوم ، واللام للتعدية ، أو للتعليل وقيل أيضا سماعون من قوم آخرين واللام بمعنى من ، والسماعون قريظة والنضير ، والقوم الآخرون أهل خبير ، وقيل أهل فدك ، ومفعول يسمع محذوف ، أى يسمعون كلامك يا محمد ليوصلوه لأهل خيبر . ومعنى لم يأتوك لم يحضروا عندك كبراً ومبالغة فى البغضاء ، أمرهم أهل خيبر أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حكم الزانى والزانية المحصنين ، فيخبروهم بما سمعوا منه ، ويأتى بيانه قريباً ان شاء الله عز وجل ، ويجوز تعليق لقوم بالكذب ، فيكون سماعون توكيد للأول . { يُحَرِّفُونَ الكَلِم مِن بَعدِ } عن { مَوَاضِعِهِ } يغيرون كلمات التوراة من بعد مواضعها ، وأفرد الضمير وذكره لأن ما واحدة بالتاء يجوز فيه ذلك كالنخل ، ومعنى تحريفه من بعد مواضعه تغيره بالاقساط من التوراة من بعد ثبوت مواضعه فيها ، وسواء فى اسقاط أن يقرأ ما قبله وما بعده لئلا يسمع ، أو أن يمحى أو يخط عليه أو يترك كتابته أن يكتب بدله شىء آخر ، أو معنى تحريفه من بعد مواضعه مطلق تغييره من بعد ثبوت مطلق موقعه ، سواء بما ذكر أو بتفسيره بغير المراد ، والجملة خبر بعد خبرين ، فتلك ثلاثة أخبار ، أى هم سماعون للكذب ، سماعون لقوم آخرين ، محرفون للكلم أو نعت لسماعون ، أو لمنعوته المحذوف على حد ما مر فى سماعون الثانى ، أو نعت ثانى لقوم ، أو حال منه ، أو من ضمير سماعون الثانى ، أو مستأنفة أو خبر لمحذوف ، أى يحرفون ذلك فى قوله { يَقُولُونَ إِن أُوتِيتُم هَذا } أى ان أتاكم محمد هذا الذى تحبونه وهو الجلد والتحميم للمحصنين . { فَخُذُوهُ } اقبلوه منه . { وَإِن لَّمْ تُؤتَوهُ } بل أفتاكم بالرجم . { فَاحذّرُوا } قبول ما أفتاكم به ، قيل لسفيان بن عيينه هل جرى للجاسوس ذكر فى كتاب الله ؟ قال نعم ، فتلا { سَمَاعُونَ لِقَومٍ آخَرِينَ } الآية . روى " أن رجلا وامرأة من أشراف يهود خيبر محصنين زنيا ، وفى التوارة الرجم ، وكرهت اليهود رجمهما لشرفهما ، فقالوا ان هذا الرجل يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فى كتابه الرجم ، ولكن الضرب ، وهو نبى بعث بالتخفيف ، فان أفتى بما دون الرجم قبلناه واحتججنا به عند الله ، وقلنا فتيا نبى من الأنبياء ، فأرسلوا الى اخوانكم بنى قريظة ، فانهم جيرانه ، ولهم معه سلم فليسألوه عن ذلك ، فبعثوا رهط منهم مستخفين وقالوا سلوا محمداً عن الزانيين اذا أحصنا فما حدهما ، فان أمركم بالجلد فاقبلوا منه ، وان أمركم بالرجم فاحذروه ولا تقبلوا منه ، وأرسلوا معهم الزانيين . فقدم الرهط حتى نزلوا على بنى قريظة والنضير وقالوا لهم انكم جيران هذا الرجل ، ومعه فى بلده ، وقد حدث فينا حدث ، وذلك أن فلاناً وفلانة زنيا ، قلت واسم المرأة بسرة ، وقد أحصنا فنحب أن تسألوه عن قضائه فى ذلك ، فقال لهم بنو قريظة والنضير اذن والله يأمركم بما تكرهون ، ثم انطلق قوم منهم فيهم كعب بن الأشرف ، وكعب بن أسعد ، وسعيد بن عمرو ، ومالك بن الصيف ، وكنانة بن أبى الحقيق ، وشاس بن قيس ، ويوسف بن عازوراء وغيرهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك فى السنة الرابعة فى ذى القعدة ، وقالوا يا محمد أخبرنا عن الزانى والزانية اذا أحصنا ما حدهما فى كتابك ؟ فقال " هل ترضون بقضائى " قالوا نعم ، فنزل جبريل عليه السلام بآية الرجم فأخبرهم بذلك فأبوا أن يأخذوه ، فقال جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم اجعل بينك وبينهم ابن صوريا ووصفه له ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " هل تعرفون شاباً أمرد أبيض أعور يسكن فدكا يقال له ابن صوريا ؟ " قالوا نعم ، فأى رجل هو فيكم ؟ فقالوا هو أعلم يهودى بقى على وجه الأرض بما أنزل الله على موسى عليه السلام فى التوراة ، قال فأرسلوا اليه ، ففعلوا ولما جاء قال له النبى صلى الله عليه وسلم " أنت ابن صوريا ؟ " قال نعم ، قال " أنت أعلم يهود ؟ " قال كذلك يقولون ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم لابن صوريا " ناشدتك الله الذى لا إله إلا هو الذى أنزل التوراة على موسى ، وأخرجكم من مصر ، وفرق البحر ، وأنجاكم وأغرق فرعون ومن معه ، وبالذى ظلل عليكم الغمام ، وأنزل عليكم المن والسلوى ، وأنزل عليكم كتابه فيه حلاله وحرامه ، هل تجدون فى كتابكم الرجم على المحصن ؟ . فقال ابن صوريا اللهم نعم ، والذى ذكرتنى به لولا أنى خشيت أن ينزل علينا العذاب ان كذبت أو غيرت ما اعترفت لك ، ولكن كيف هى عندك يا محمد ؟ قال " اذا شهد أربعة رهط عدول أنه أدخله فيها كما يدخل المرود فى المكحلة وجب عليهما الرجم " فقال ابن صوريا والذى أنزل التوراة على موسى هكذا نزل فى التوارة على موسى " . قلت والذى فى التوراة بالتعريب المحصن والمحصنة اذا زنيا فقامت عليهما البينة رجما وان كانت المرأة حبلى تربص بها حتى تضع حملها ، وفى رواية انا نجد فى التوراة اذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره فى فرجها مثل الميل فى المكحلة رجما ، فان وجدوا الرجل مع المرأة فى بيت أو فى ثوب أو على بطنها فهى ريبة وفيها عقوبة . " فقال صلى الله عليه وسلم " ما كان أول ما ترخصتم به فى أمر الله تعالى ؟ " فقال ابن صوريا كنا اذا أخذنا الشريف تركناه ، واذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد ، فكثر الزنى فى أشرافنا حتى زنى ابن عم ملك فلم نرجمه ، ثم زنى رجل آخر بامرأة من قومه ، فأراد الملك رجمه فقام قومه دونه وقالوا والله لا نرجمه حتى ترجم فلانا لابن عم الملك ، فقلنا تعالوا نجتمع فلنصنع شيئاً دون الرجم ، يكون على الشريف والوضيع ، فوضعنا الجلد والتحميم ، فهو أن يجلد أربعين جلدة بحبل مطلى بقار ، ثم تسود وجوههما ، ثم يحملان على حمارين ووجههما من قبل دبر الحمار ، ويطاف بهما ، ويجعلوا ذلك مكان الرجم ، يعنى أخذت ذلك من مضى من أوائلهم . فقال اليهود لابن صوريا ما أسرع ما أخبرته به ، وما كنت عندنا ولكنك كنت غائبا فكرهنا أن نغتابك ، فقال لهم انه أنشدنى بالتوراة ، ولو لم أخش نزول العذاب علينا لم أخبره ، وسأل ابن صوريا النبى صلى الله عليه وسلم كان يعرفها من العلامة ، فقال أشهد أن لا إله ألا الله وأنك رسول الله ، النبى العربى الأمى الذى بشر به المرسلون " ، كذا حكى فى الكشاف ، " فأمر النبى صلى الله عليه وسلم بهما فرجما عند باب المسجد وقال اللهم انى أول من أحيا أمرك اذا ماتوا فنزلت الآية " . وعن عبد الله بن عمران " اليهود جاءوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له رجلا منهم وامرأة زنيا ، وفى رواية أبى هريرة فأتوا النبى صلى الله عليه وسلم وهو جالس فى المسجد فى أصحابه فقالوا يا أبا القاسم ما ترى فى رجل وامرأة منهم زنيا ؟ قال أبو هريرة وابن عمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما تجدون فى التوراة فى ثبات الرجم ؟ " فقالوا نفضحهم ونجلدهم ، قال عبد الله بن سلام كذبتم ان فيها الرجم ، فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرءوا ما قبلها وما بعدها ، فقال له عبد الله بن سلام ارفع يدك فرفع يده ، فاذا فيها آية الرجم ، قالوا صدق يا محمد فيها آية الرجم لكنها متكاتمة بيننا ، فقال صلى الله عليه وسلم " فما منعكم أن ترجموها ؟ " قالوا ذهب سلطاننا أى قوتنا فكرهنا القتل ، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما " . وفى رواية قريباً من موضع الجناية قرب باب المسجد ، فرأيت الرجل يجنى على المرأة يقيها الحجارة ، ومعنى نفضحهما نظهر أمرهما اذلالا لهما ، أو بفضحهما بتسخيم وجوههما كما روى نافع عن ابن عمر ، نسخم وجوههما ونحريهما وفى رواية نسود وجوههما ونحممهما ، ونخالف بين وجوههما ، ويطاف بهما ، وظاهر هذه الرواية أنهما يحملان على حمار واحد ، والذى وضع يده على آية رجم هو عبد الله بن صوريا . وفى رواية خرجت آية الرجم تتلألأ ، وفى رواية تلوح ، وانما سألهم عما فى التوراة يفضحهم بكتمان ما فيها ، وليطهر الحق ، وعلم أن فيها الرجم بوحى من الله جل جلاله ، أو باخبار من أسلم كعبد الله ابن سلام ، والأحاديث دليل على أن المشرك المحصن يرجم ، وقالت المالكية وجمهور الحنفية لا يرجم زاعمين أن ذلك حكم عليهم بما فى كتابهم ويرده ، وان أحكم بينهم بما أنزل الله ولا رجم على العبد والأمة ، ولو تزوجا بل خمسون جلدة . { وَمَن يُرِدِ اللهُ فِتنَتَهُ } فى الدين ، أى صرفه عن الهدى الى الضلال بالخذلان ، أو فتنته بالفضيحة . { فَلَن تَملِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيئًا } ضمن تملك معنى تستطيع ، ومن للابتداء تتعلق بتملك ، أو بمحذوف حال من شيئاً ، وشيئاً بمعنى الدفع وهو مفعول تملك ، ويجوز ابقاء تملك على ظاهره ، تقول ملكت لفلان من فلان شيئاً أى جلبته له بعوض أو بدونه ، فصار ملكاً له أى لا تستطيع له ، ولا تجلب له من الله رفع فتنة ، ويجوز وقوع شىء على لطف أو توفيق ، أى لن تملك له من لطف الله شيئاً . { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَم يُرِدِ اللهُ أَن يُطَهِر قُلُوبَهُم } قال ابن عباس أن يخلص نياتهم ، أى من الشك والكفر والشرك ، كما قيل لم يرد الله أن يهديهم ، وذلك أن الكفر والشك والشرك كالنجس ، والشىء الخبيث ، فمن آمن وأدى الفرض وترك المحرم قد طهر قلبه منه بلطف الله الذى منحه له . { لَهُم فِى الدُّنيَا خِزىٌ } المنافقون بهتك أستارهم واظهار نفاقهم ، واليهود بالقتل والسبى والاجلاء ، المال الحرام الجزية . { وَلَهُم فِى الآخِرَةِ عَذّابٌ عَظِيمٌ } دائم لا ينقطع ، وفى متعلقة بما تعلق به لهم ، وقيل نزلت أن النضير قتلوا رجلا من قريظة عمداً ، وكانوا يعطون الدية لا القود ، واذا قتل قريظة أحداً من النضير لم يرضوا الا بالقود ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فأراد والرفع اليه فى ذلك ، فقال منافق كونوا منه على حذر ، فانه يوجب القتل فى العمد ، وان قبلوا الدية فأعطوهم فنزل { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحزْنُكَ } الخ .