Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 42-42)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ سَمَاعُونَ لِلكَذِبِ } كرر للتأكيد أن جعلناه فى حق المنافقين واليهود ومنافقى اليهود ، ولك أن تجعله مستأنفاً فى وصف اليهود ، فلا تكرير ويدل قوله { أَكَّالُونَ لِلسُّحتِ } لأن المتبادر فى ذلك الزمان أن أكل السحت فعل اليهود ، يأكلون المال على الرشوة والكتمان والتحريف ، والسحت المال الحرام ، سمى لأنه مسحوت البركة ، ولأنه سحت الدين والمروءة ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائى ويعقوب ، بضم الحاء والسين وهو لغة ، قرىء بفتح السين والحاء وبفتحها مع اسكان الحاء والمعنى واحد ، وقرىء بفتح السين واسكان الحاء على المصدرية ، أى المال السحت ، أو سمى المال الحرام باسم القطع وهو السحت بالفتح والاسكان مبالغة ، كأنه نفس القطع . فالسحت بالضم المال الآتى بطريق الرشوة فى الحكم ، وكتم الحق ، والتحريف والشفاعة فى حدود الله وبالربا ، وبوجه من وجوه الحرام كله كالزناء والكهانة والدلالة على نفس أو مال ، وتحليل الحلال ، وتحريم الحرام ، وهما من التحريف . قال الحسن كان الحاكم فى بنى اسرائيل اذا أتاه أحد برشوة جعلها فى كمه فأراها اياه ، وتكلم بحاجته ، فيسمع منه ولا ينظر الى خصمه ، فهو يسمع الكذب ، ويأكل الرشوة يفسر بذلك سماعون للكذب ، أكالون للسحت ، ويلتحق بهؤلاء اليهود الفساق الفاعلون لذلك . كما روى أن عاملا قدم من علمه فجاءه قومه ، فقدم اليه العراضة وجعل يحدثهم بما جرى له فى علمه ، فقال أعرابى من قومه نحن كما قال تعالى { سَمَاعُونَ لِلكَذِبِ أَكَالُونَ لِلسُّحتِ } وقال صلى الله عليه وسلم " كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به " وفى الحديث " لعن الله الراشى والمرتشى " قال الحسن انما ذلك فى الحاكم اذا رشوته ليحق لك باطلا ، أو يبطل حقاً ، وقال ابن مسعود الرشوة فى كل شىء ممن شفع شفاعة ليرد بها حقا ، أو يدفع بها ظلماً ، فأهدى اليه لذلك فقبل ، فقيل يا أبا عبد الرحمن ما كنا نرى ذلك الا الأخذ على الحكم . { فَإِن جَآءُوكَ } أى اليهود . { فَاحكُم بَيْنَهُم } بالقرآن . { أَوْ أَعرِض عَنْهُم وَإِن تُعرِضْ عَنهُم فَلَن يَضُرُوكَ شَيئَا } أى لن يضروك ضراً بقتال ولا ضرب ، أو لن يضروك فى دينك ضراً أى ليس عليك فى الاعراض عنهم بشىء من الاثم ، وغير اليهود من المشركين مثلهم ، فان جاء مؤمن ومشرك وجب الحكم كما اذا جاء مؤمنان ، وقيل ذلك فى غير أهل الذمة ، وأما الذين كانوا فى الذمة يجب الحكم بينهم ، أو وجب الذب عنهم ، فذب بعضهم عن بعض ، وذب عنهم غيرهم . وليست الآية فى أهل الذمة ، والآية محكمة باقية الحكم لخبر اذا جاءنا يهوديان حكمنا بينهما أو أعرضنا عنهما ، ومثلهما نصرانيان وغيرهم من المشركين سواء من كان فى الذمة ومن لم يكن ، ومثل هذا عن أحمد والنخعى والشعبى والحسن والزهرى ، وذلك لأنهم ليسوا على دين الله ، ولا حق لهم فى أمر الدين ، ولو كانوا ذمة ، وانما علينا رد الظلم عنهم اذا عاينا الظلم ، وأقامت به البينة لا نصب الحكم بينهم ، ليذكر كل منهم حجته . وقال الشافعى يجب الحكم بين أهل الذمة لا بين المعاهدين الى مدة ، وفى الحكم بين أهل الذمة اذلال لهم بامضاء حكم الاسلام ، ويجيز فى المعاهد ، وقيل انه يجب الحكم بين أهل الكتاب كانوا فى الذمة أم لم يكونوا اذا ترافعوا الينا ، وبه قال أبو حنيفة ، وأن الآية منسوخة وهو قول ابن عباس ، وعطاء ، ومجاهد ، وعكرمة ، والسدى ، والناسخ وأن احكم بينهم الآية ، واعترض بأن قوله { وأن احكم بينهم } بيان لكيفية الحكم أن احكم بينهم ، واذا جاء مؤمن مع مشرك ذمى أو غيره وجب الحكم ، لأن المؤمن لا يحاكم الى مشرك ، ويجوز للحاكم أن يعرض عن المتحاكمين ممن يجب الحكم بينهم أو من غيرهم اذا كان أحد سواه يحكم بينهما ، والقول بالنسخ هو قول أصحابنا فيما قيل . وعن مالك لا يحكم بينهم فى غير المظالم كالرجم برضى أساقفتهم وأحبارهم ، والحجازيون يقولون لا تقام عليهم الحدود ، لأنهم صولحوا على ما هو أعظم وهو الشرك ، وأن الرجم المحكوم به عليهم قبل نزول الجزية . وعن الحسن ومجاهد والسدى نزلت الآية فى اليهوديين اللذين زنيا ، وقال قتادة نزلت فى رجلين من قريظة والنضير قتل أحدهم الآخر ، قال ابن زيد جعل حيى بن أخطب دية النضيرى ديتين ، ودية القريظى واحدة ، وقيل كان النضير لا يقبلون عنهم الا القتل ، ولكن ان رضوا بتركه فديتان ، فقال قريظة لا نرضى بذلك ، بل نتحاكم الى محمد ، فأنزل الله جل وعلا الآية تخييراً له صلى الله عليه وسلم . { وإِن حَكَمتَ } بينهم أى أردت الحكم بينهم . { فَاحكُم بَينَهُم بِالقِسطِ } بالعدل . { إِنَّ اللهَ يُحبُّ المُقسِطِينَ } العادلين فيما لهم فيه ولاية ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين يعدلون فى حكمهم وأهلهم وما ولو " ويمين الرحمن عبارة عن المنزلة الرفيعة ، والعرب تذكر يمين فى الأمر الحسن ، ودل لذلك قوله " وكلتا يديه يمين " والتأويل فى مثل ذلك هو الحق . وأما قول سلف الأشعرية فى مثل ذلك فانا نؤمن به وننزهه عن صفة الخلق ، ونكل معناه الى الله ونقول هو على معنى يليق به ، وكذا طوائف من المتكلمين ، فجمود وتعام عن الحق ، ووافقنا متأخروهم فى التأويل ، ومعنى ما ولوا ما لهم عليه ولاية بضم اللام والتخفيف من قولك وليت الأمر اليه ، وحب الله للعباد أن يفعل بهم لازم الحب فى الجملة ، وهو أن يفعل بهم الخير فى الدنيا ، ويعطيهم الجنة ويثنى عليهم ويعينهم ويحفظهم .