Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 67-67)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } كله ولا تخف ، ولا تراقب أحداً ، قالت عائشة رضى الله عنها من زعم أن محمداً نقص شيئاً من الوحى لم يخبر به فقد أعظم على الله الفرية ، لأن الله تبارك وتعالى يقول { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } الآية ، والمراد ما أمر بتبليغه ، أو من شأنه لاما هو سر بين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . { وَإن لَّمْ تَفْعَلْ } بل بلغت بعضاً فقط . { فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } فما بلغت شيئاً منها ، فان كتمان بعض ككتمان الكل ، فيضيع تبليغ البعض بكتمان البعض الآخر ، لأنه ينتقض به غرض الدعوة ، فتبليغ جميع ما أنزل اليه ولو كان أشياء مفعولة بأزمنة وفروضاً متعددة ، هو كالصلاة فى كون ترك البعض كترك الكل ، بل الفرائض كلها ولو اختلفت ترك واحدة كترك الكل ، فانه فرض عليه تبليغ الكل عما فرضت الركعات الأربع كلها ، ومن ترك بعضاً من الصلاة لم يصح أن يقال قد أدى ما صلى منها ، ألا ترى أنه لا يجزيه أن يقتصر على أن يزيد عليه ما لم يصل فقط . ودلت الآية أن الكفر بحرف من كتاب من كتب الله كفر بكتب الله كلها وأنبيائه كلهم ، وبعكسه قال ابن عباس ان كتمت آية واحدة لم تبلغ رسالتى ، ويجوز أن يكون المعنى فكأنك لم تبلغ شيئاً ، وعلى كل حال فالجواب غير متحد مع الشرط ، بل خالفه ، وليس كقولك ، فان تفعل فما فعلت ، بل يجوز اتحادهما أيضاً بطريق يؤدى الى عدم الاتحاد ، مثل أن يراد فان لم تفعل التبليغ كله فما فعلت التبليغ كله ، فيكون { فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالاتَهُ } تهديداً ووعيداً ، كأنه قيل فقد علمت جزاء من لم يبلغ ، وقرأ غير نافع وابن عامر وأبى بجر رسالته بالافراد وفتح التاء . { وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } لا يصلون الى قتلك أو ضربك ، فلا عذر لك فى الكتم والخوف ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بعثنى الله برسالاته فضقت بها ذرعاً فأوحى الله تعالى الى أن لم تبلغ رسالاتى عذبتك وضمن لى العصمة فقويت " ، وعن الحسن " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شكا الى ربه ما يلقى من قومه فقال " يا رب ان قومى خوفونى فأعطنى من قبلك آية أعلم أنى لا مخافة على " فأوحى الله تعالى اليه أن يأتى وداى كذا وكذا فيه شجرة ، فليدع غصناً منها يأتيه ، فانطلق الى الوادى فدعى غصناً منها فجاء يخط الأرض حتى انتصب بين يديه ، فحبسه ما شاء الله أن يحبسه ، ثم قال له " ارجع كما جئت " فرجع فقال علمت يا رب أن لا خوف على " . وهذا من باب ليطمئن قلبى ، أو لم يعلم مما يمنع أمن الضرب أو القتل أو كليهما أو فى كم ، فطلب العلامة لذلك كله ، فعلم بها ، وكان المهاجرون والأنصار يحرسونه مداولة بالليل ، وكان فى حراسته ليلة سعد بن أبى وقاص ، وحذيفة رضى الله عنهما ، فنزلت الآية " فأخرج رأسه من قبة أدم فقال " انصرفوا أيها الناس فقد عصمنى الله من الناس " وفى لفظ آخر " يا أيها الناس الحقوا بملاحقكم فان الله قد عصمنى " . وعن الحسن لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاق ، وعرف أن الناس يكذبونه ، فنزلت الآية ، وفيه اشكال ، لأن المائدة مدنية ، والبعث مكى ، اللهم الا أن يتكلف له أن الآية مكية ، وليس كذلك لتضافر الروايات أن ذلك بالمدينة بعد أن كان يحرس فيها ، وقيل سبب الآية قصة الرجم والقصاص ، وما سأل عنه اليهود ، أمره الله أن يفتى بالحق ولا يخاف أحداً ، وقيل بلغ رسالة الجهاد ، وكان يحث عليه ورأى الكراهة من المنافقين ، فربما أمسك عن بعض الحث فنزلت ، وقيل دعى اليهود للاسلام فقالوا نريد أن نتخذك رباً كما اتخذت النصارى عيسى رباً وهزءوا ، فسكت فنزلت . ولا يرد على هذه العصمة أنه صلى الله عليه وسلم شج يوم أحد ، وكسرت رباعيته ، لأن هذه الآية بعد أحد ، لأن المائدة من آخر القرآن نزولا ، وقيل المراد العصمة من القتل ، فلا يشكل بالشجة وكسر الرباعية ، عن عائشة " سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة حين قدم المدينة فقال ليت رجلا صالحاً من أصحابى يحرسنى الليلة ، فبينما نحن كذلك سمعنا خشخشة السلاح فقال من هذا ؟ فقال سعد بن أبى وقاص ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء بك ؟ فقال وقع فى نفسى خوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أحرسه ، فدعى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نام " ، وأوتى صلى الله عليه وسلم بعض العصمة فى مكة مثل قوله تعالى { انا كفيناك المستهزئين } ، { واصبر لحكم ربك فانك بأعيننا } ، { أليس الله بكاف عبده } على تأويل عبده برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكملت له العصمة بالمدينة من كل مكروه ، على الصحيح وقيل من القتل كما مر ، وذلك بعد أحد . ومن ذلك عصمة الله له من الأعرابى الذى استل عليه سيفه المبارك فى غزوة بجهة نجد ، حين نام تحت شجرة وعلقه فيها على روايات تقدمت ، وقيل أيضا لما نزل { اذكروا نعمة الله عليكم إِذ هم قوم أن يبسطوا } الآية استلقى فقال " من شاء فليخذلنى يخذلنى " ومن عصمته فى مكة أن حمالة الحطب توقد الغضاة جمراً فتلقيه حيث يمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعود له رملا أهيل ، ولما نزلت { تبت يدا أبى لهب } جاءت بفهر تضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم به ولم تره ، وهو مع أبى بكر فقالت أين صاحبك والله لو وجدته لضربته بهذا الفهر . قال الحكم بن أبى العاص " تواعدنا على النبى صلى الله عليه وسلم حتى أذا رأيناه سمعنا صوتاً خلفنا ما ظننا أنه بقى بتهامة أحد ، فغشى علينا حتى قضى صلاته ورجع ، وتواعدنا ليلة أخرى وجئنا حتى رأيناه ، فجاءت الصفا والمروة فحالتا بيننا وبينه " ، وكذا نجاه الله من الذين رصدوه على بابه ، فألقى على رءوسهم التراب عند الهجرة ، ونجاه فى الغار ، ونجاه من سراقة اذ تبعه ليقتله حين هاجر ، وحمل أبو جهل فى مكة صخرة يطرحها عليه صلى الله عليه وسلم وهو ساجد ، وقريش ينظرون ، ولصقت بيده ويبست يده الى عنقه فما زالت حتى رجع القهقرى ، أو سأله أن يدعو له بزوال ذلك . " وجاء أبو جهل يوماً ليطأ برجله رقبته ويعفر وجهه اذا سجد وأناس ينظرون ، فما فجأهم الا أن نكص على عقبيه واتقى بيديه ، فقيل له مالك ؟ قال ان بينى وبينه لخندقاً من نار وهولا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو دنى منى لاختطفته الملائكة عضواً عضوا . واشترى أبو جهل من أراشى كان بمكة ابلا فمطله بثمنها ، فاستجار بقريش فى ناديهم فقالوا له استهزاء اذهب الى محمد بن عبد الله يأخذ لك منه الحق ، فقصده الأراشى فمضى معه صلى الله عليه وسلم فدق الباب على أبى جهل ، فخرج مسلوب العقل ، فقال أهلاً بأبى القاسم ، فقال أعط هذا حقه ، قال نعم ، فأعطاه من فوره ، فلامته قريش على ذلك فقال لهم انى رأيت ما لم تروه ، والله ما هو الا أن ضرب على بابى وسمعت صوته فملئت رعباً ، ثم خرجت فرأيت والله على رأسه فحلا فاتحاً فاه لو أبيت لالتقمنى " . وأتاه رجل من بنى المغيرة ليقتله ، فطمس الله بصره ، فلم ير النبى صلى الله عليه وسلم وسمع قوله ، ورجع الى أصحابه ولم يرهم حتى نادوه . ونجاه الله حين رفع القرظى صخرة يلقيها عليه من فوق البيت ، فلصقت بيده ، وجاءه الوحى بذلك كما مر ، وأدركه شيبة الجمحى يوم حنين ، وجاءه من خلفه حين اختلط الناس ، وقال اليوم أدرك ثأرى من محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد قتل حمزة أباه وعمه ، وكاد يضربه فارتفع اليه شواظ من نار أسرع من البرق ، فولى هارباً وأحس به النبى صلى الله عليه وسلم فدعاه ، ووضع يده على صدرى وهو أبغض الخلق الى فما رفعها الا وهو أحب الخلق الى فقال له ادن فقاتل فتقدمت أمامه أضرب بسيفى وأقيه بنفسى ، ولو لقيت أبى فى تلك الساعة لأوقعت به . وفى رواية بادرت برسول الله صلى الله عليه وسلم لأقتله ، فأقبل شىء حتى تغشى فؤادى فلم أطق ذلك ، فعلمت أنه ممنوع منى ، وفى رواية حال بينى وبينه خندق من نار وسور من حديد ، فالتفت صلى الله عليه وسلم الى وتبسم وعرف الذى أردت فمسح صدرى وذهب عنى الشيطان ، " وأراد فضالة بن عيسى عمير بن الملوح قتل النبى صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت عام الفتح ، ولما دنا منه قال صلى الله عليه وسلم أفضالة ؟ قال نعم فضالة يا رسول الله ، فقال صلى الله عليه وسلم ماذا كنت تحدث به نفسك ؟ قال لا شىء كنت أذكر الله ، فضحك النبى صلى الله عليه سلم ثم قال استغفر الله ، ثم وضع يده على صدرى فسكن قلبى ، فكان فضالة يقول والله ما رفع يده عن صدرى حتى ما من شىء أحب الى منه " . ونجاه الله من أربد وعامر بن الطفيل ، اذ جاء عامر من يشغله صلى الله عليه وسلم من وجهه ، وأربد يريد أن يضربه من خلفه فلم يفعل ، فقال له عامر فى ذلك فقال والله ما هممت أن أضربه الا وجدتك بينى وبينه أفأضربك ، وأهلكهما الله كما يأتى فى محله ان شاء الله . ونجاه الله من عمير بن وهب " اذ جاء ليقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيف قد شحذه وسمه ، فقال له صلى الله عليه وسلم ما جاء بك ؟ قال جئت لهذا الأسير الذى فى أيديكم يعنى ابنه ، فأحسنوا فيه ، وقال صلى الله عليه وسلم فما بال السيف فى عنقك ؟ قال قبحها الله من سيوف ، وهل أغنت شيئاً ، قال اصدقنى ما الذى جئت له ؟ قال ما جئت الا لذاك ، قال بل قعدت أنت وصفوان ابن أمية فى الحجر ، فذكرت أصحاب القليب من قريش ، ثم قلت لولا دين على وعيال عندى لخرجت حتى أقتل محمداً ، فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلنى ، والله بينك وبينى فى ذلك ، قال عمير أشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كنا يا رسول الله نكذبك فيما تأتينا به من خبر السماء ، وما ينزل عليك من الوحى ، وهذا أمر لم يحضره الا أنا وصفوان ، فوالله انى لأعلم ما أتاك به الا الله ، فالحمد لله الذى هدانى للاسلام ، وساقنى هذا المساق ، ثم تشهد شهادة الحق " والمراد بالناس الكفار لقوله تعالى { إِنَّ اللهَ لا يَهْدِى القَوْمَ الكَافِرِينَ } ولأنه لا يقصد ايذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الا المشركون قال ابن عباس معناه لا يرشد من كذبك ، وأعرض عنك ، والأنسب بما قبله أن يقال معناه لا يمكن الكافرين مما يريدون من المكر بك .