Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 95-95)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ } أى محرمون بحج أو عمرة أو بهما ، فان المحرم لا يصيد ولو فى الحل ، والمفرد حرام يقال فلان حرام بحج أو عمرة ، أى محرم وقيل وأنتم داخلون فى الحرم ولو لم تحرموا بحج أو عمرة ، وذلك أن صيد الحرم حرام على المحرم ، وقيل المعنى وأنتم داخلون فى الحرم أو محرمون بحج أو عمرة ، وهذا القول فيه جمع كلمتين بمعنيين مختلفين بلفظ واحد ، كقولك عيون فى عين الشمس وعين الماء ، وعين الوجه ، وهو لا يجوز على الصحيح ، والمشهور التفسير الأول . ووجه التفسير الثانى وهو تفسير الحرم بمن دخلوا الحرم ، أن النهى عن تحريم الصيد على من أحرم بحج أو عمرة أو بهما مأخوذ من قوله { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرماً } فيبقى هذا التحريم صيد الحرم ، فلا تكرير ، ويؤيد الأول ما روى أن الآية نزلت فى أبى اليسر ، شد على حمار وحش فقتله وهو محرم فى عمرة الحديبية عمداً ، وذكر القتل فى قوله { لا تَقْتُلُوا } ولم يقل لا تذبحوا مثلا ليعم أنواع ازهاق الروح ، سواء بالذكاة الشرعية على أنواعها أو بغيرها ، والصيد هنا ما يصاد من الوحش ، وليس مصدراً والمراد ما يؤكل لحمه ، ولكن يحمل عليه ما لا يؤكل ، وستثنى ما ورد فى الحديث ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم " خمس يقتلن فى الحل والحرم الحدأة والغراب ، والعقرب والفأرة والكلب العقور " ويروى الحية بدل العقرب ، وكذا الخنزير لقوله صلى الله عليه وسلم " بعثت بقتل الخنزير " . وكذلك كل ما يؤذى لقوله صلى الله عليه وسلم " اقتلوا كل مؤذ فى الحل والحرام " فاذا كانت العلة الايذاء وأبيح قتلهن ولو فى الحرم لم يمنع المحرم من قتلها ولو فى المحرم ، وفى رواية خمس فواسق يقتلن لا جناح على من يقتلهن فى الحل والحرم ، الحديث السابق ، وقيل فيما لا يؤكل لحمه مما يؤذى غير ما صرح به فى الحديث اذا قتله المحرم ولو فى الحل أن عليه الجزاء ، وعن الشافعى أنه لا جزاء عليه ، واذا اعتدى المحرم وذبح صيداً فهو ميتة لا تؤثر فيه الذكاة عندنا ، وبه قالت الحنفية ، والشافعى فى القديم ، وقالت الشافعية هو حلال الأكل لغير ذلك المحرم ممن كان حلالا أو حراماً وهو جديد الشافعى ، ووجهه أن النهى لمعنى غير المذبوح ، وهو كون الذابح لا يحل له الصيد ، فلم يكن ميتة وهو ظاهر ، وقيل لمعنى الصيد المذبوح ، فكان ميتة اذا صار فى حق المحرم من جنسه ما لا يؤكل ، فالتحق به غير المحرم ، وتقتل الحية فى الحال والحرم فى احلال واحرام ، لأنها مؤذية . وفى رواية خمسة يقتلهن المحرم الحية والعقرب ، والفأرة والغراب الأبقع ، والكلب العقور ، ويدخل فى الكلب العقور كل سبع يضر الانسان ، وقاس بعضهم الذئب قياساً على ما ذكر فى الحديث قال بعض نبه صلى الله عليه وسلم يذكر هذه الخمس على جواز قتل كل مضر ، فيجوز له أن يقتل الفهد والنمر ، والذئب والصقر ، والشاهين والباشق ، والزنبور والبرغوث ، والبق والبعوض ، والوزغ والذباب ، والنمل اذا أذاه قيل وفى معنى هذه الخمس الحية والذئب والأسد والنمر ، والنسر والعقاب ، وهذه الأنواع يستحب قتلها للمحرم وغيره ، وقيل يجب قتلها . وقيل عن الشافعى وسفيان الثورى وابن حنبل وابن راهويه أنهم وقفوا مع ظاهر الحديث ، يبيحوا الا قتل تلك للمحرم ، وقاس مالك على الكلب العقور الأسد والنمر والفهد والذئب ، وكل السباع العادية ، فأما الهر والثعلب والضبع فلا يقتلها المحرم عنده ، وان فعل فدى ، وقال أصحاب الرأى ان بدأ السبع المحرم فله أن يقتله ، وان ابتدأه المحرم فعليه قيمته . وقال مجاهد والنخعى لا يقتل المحرم من السباع الا ما عدى عليه منهما ، وعن ابن عمر اباحة قتل الزنبور ، لأنه فى حكم العقرب ، وقال مالك يطعم قاتله شيئاً ، وكذا قال فيمن قتل البرغوث والذباب والنمل ونحوها ، وقال أصحاب الرأى لا شىء على قاتل هذه كلها ، وأما سباع الطير فقال مالك لا يقتلها المحرم ، وان قتلها فدى ، وقال ابن عطية ذوات السموم كلهما فى حكم الحية ، وان كسر المحرم بيض صيد أو قلاه حرم عليه ، وفى تحريمه على غيره طريقان أشهرهما أنه على القولين ، وأشهر القولين التحريم ، ولو كسره مجوسى أو قلاه حل ، وقيل لا يحل ولو حلب محرم لبن صيد فهو ككسر بيضة ، واذا عم الجراد الطريق ولم يجد بداً من وطئه فلا ضمان عليه . { وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِدًا } بأن قصد قتله ذاكراً لاحرامه ، لا مخطئاً ولا ناسياً لاحرامه ، ومن جهل التحريم فالفعل بالجهل عمد عندنا ، وقال قومنا انه غير عمد ، وقال الحسن ومجاهد وابن زيد العمد هنا أن يتعمد قتل الصيد مع نسيان الاحرام ، فهذا هو الذى عليه الجزاء ، وأما ان تعمد قتله ذاكراً لاحرامه فلا جزاء عليه ، لأنه أعظم من أن تكون له كفارة ، فقد حل من احرامه ولا رخصة له ، والصحيح أن عليه الجزاء مع العمد ، والذكر لاحرامه أيضاً وهو قول ابن عباس والجمهور ، وألحق الجمهور بالعمد الخطأ بأن يضرب الى غيره مثلا فيخطأ اليه فيلزمه الجزاء بالسنة . وقال سعيد بن جبير لا أرى فى الخطأ شيئاً وهو شاذ ، وهو رواية عن الحسن ، والآية نزلت فى العمد كما مر آنفا فى قصة أبى اليسر ، ولذلك ذكر العمد فبينت السنة أن الخطأ مثله ، وأيضا ذكر العمد ليقل فيه بقوله { وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللهُ مِنْهُ } فليس قيداً ، وان صاح محرم على صيد فمات بصياحه ، أو صاح حلال على صيد فى الحرم فمات ، لزمه الجزاء كمن صاح على صبى فمات لزمته ديته ، وقيل لا يلزمه الجزاء ، وان أصحاب صيداً فوقع على صيد آخر أو على فراخه أو بيضه فهلك ضامن جميع ذلك . ولو مات محرم فى يده صيد لم يملكه وارثه فى مذهبنا ، لأنه لم يدخل ملكه الميت ، وزعمت الشافعية أنه ملكه بقبضه وأن وارثه يتصرف فيه ويملكه الا بالقتل والاتلاف ، وهو قول باطل ، والعمرة التى ليس فيها قتل صيد أفضل من حجة فيها قتله فيما قيل ، والأصح أن الحجة أفضل . { فَجَزَآءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ } أى فعليه جزاء ، أو فالواجب عليه جزاء أو كفارته جزاء قيل مثل زائد من زيادة المضاف اليه ، بل هو مضاف الى ما بعده مضاف اليه ما قبله ، فكأنه قيل فجزاء ما قتل باضافة النعم المصدر الى مفعوله ، وليس ذلك زيادة بلا فائدة ، بل للاشارة الى أنه كل ما أشبه ما قتله فعليه الجزاء ، كقولك مثلك لا يفعل كذا ، تريد أنت لا تفعل كذا ما أردت الا هذا ، ولكن جئت بعبارة تشير فيها الى علة عدم فعل من تخاطب ، حتى أنها لو وجدت فى غيره لم يفعل ، ويجوز أن لا يكون زائداً على أن الاضافة بمعنى من الابتدائية أو التبعيضية ، على أن الجزاء فى هذا الأخير بمعنى المجزىء به ، ويجوز أن تكون الاضافة بيانية على هذا المعنى ، أى مجزىء به مع مثل . وقرأ عاصم والكسائى وحمزة بتنوين جزاء ، ورفع مثل على أنه نعت جزاء بمعنى مجزىء به ، أى جزاء يماثل ما قتل ، وقرأ محمد بن مقاتل بنصب جزاء ، ومثل بنصب جزاء على أنه مفعول مطلق ، ومثل نعته ، والعامل محذوف ، أى فليجز جزاء يماثل ما قتل ، أو فعليه أن يجزى جزاء يماثل كذا قيل ، وفيه أن الجزاء بالمعنى المصدرى لا يماثل حيواناً ، فالأولى أنه مفعول به لمحذوف ، أى فليعط الفقراء جزاء يماثل ما قتل ، أى ما يجزى به . وقرأ ابن مسعود فجزاءه مثل ما قتل برفعهما على الابتداء والاخبار ، ورجع الهاء الى من قتله ، ومن النعم نعت لقوله جزاء ، وقرأ الحسن باسكان عين النعم ، والمماثلة فى الخلقة والهيئة عندنا وعند الشافعية ، لا فى القيمة لأنها ليست هادياً بالغ الكعبة ، والله يقول { هَدْيَا بَالِغَ الكَعْبَةِ } ولأن مشاهير الصحابة حكموا بالمماثلة فى الصورة بالبعير فى النعامة ، وبالبقرة فى حمار الوحش ، وبالكبش فى الضبع ، وفى الظبية الأنثى بالأنثى من المعز ، وفى الظبى وبشاة وبالأنثى من المعز الصغيرة المنفصلة عرفها فى الأرنب ، وقيل بالتى تقرب من تمام الحول من المعز ، وكذا فى اليربوع ، وبسخلة فى الضب وهى ولد المعز ذكراً كان أو أنثى ، وبشاة فى الحمامة والقمرى ، وكل ما هدر وذوات الطوق ، فهذه الوحوش لا تساوى هذه الأنعام فى القيمة ، ولا يخفى أن بينهن شبها . وقال الشعبى وأبو حنيفة المماثلة فى القيمة ، لأن من الوحش مالا مثل له من النعم ، فيرجع الى القيمة فيحمل عليه ماله مثل ، والجواب أن المراد المماثلة فى الصورة ما أمكنت واذا لم تمكن رجع الى القيمة وهى مماثلة أيضا فيقوم الصيد بقيمة المحل الذى صيد فيه ، فيشترى به ما يهدى من الغنم أشبهه أم لم يشبهه ، أو كان له مما يهدى ما بسواه فيهدى ذلك ، وان فضل شىء اشترى به طعاماً فيعطى كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعاً من غيره ، أو صام كل مسكين يوماً ، وان لم تبلغ قيمة ما يهدى اشترى بها طعاماً وأعطاه كذلك ، أو صام كذلك . وقيل لكل مسكين مد ، وان صام فلكل مد يوم وانما يتصدق على فقراء الحرم على الصحيح ، وقيل يجوز لغيرهم وأما الذبح ففى منى أو الحرم ، فما اشترى به مثل ما قتل من النعم صح أنه هدى بالغ الكعبة ، وما لم يبلغ أنفذ وخرج عن لفظ الهدى ، أو يقال المراد بالهدى ما يهدى من حيوان أو بقرة ، والمماثلة بين المقتول وبين الهدى والطعام أكثر من المماثلة بينه وبين الصوم ، وقد ذكر الله المماثلة فى قوله { مِّثْلُ مَا قَتَلَ } وتفريع المسائل فى الفقه . { يَحْكُمُ بِهِ ذّوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ } يجتهد أن فى تحقيق المماثلة بالذات أو بالقيمة على ما مر فى تفسير المماثلة ، وذلك أنه كما يحتاج التقويم الى اجتهاد تحتاج المماثلة فى الصورة لأنها قد تخفى ، ولأن الصيد قد يشبه نوعين أو أنواعاً من النعم فيحققان الشبه الراجح ينظر العدلان الى أشبه الأشياء به ، فحكم به فلم يصح لأبى حنيفة الاستدلال بهذا على أن المماثلة بالقيمة اذ كانت المماثلة فى الصورة تحتاج الى الاجتهاد ، ومعنى منكم أن يكون العدلان مسلمين ، وينبغى أن يكونا فقيهين . قال الخازن ، قال ميمون بن مهران جاء أعرابى الى أبى بكر رضى الله عنه وقال انى أصبت من الصيد كذا وكذا فما جزاءه ، فسأل أبو بكر أبى بن كعب رضى الله عنه ، فقال الأعرابى أنا آتيك أسألك ، وأنت تسأل غيرك ؟ فقال أبو بكر وما أنكرت من ذلك وقد قال الله تعالى { يَحْكُمُ بِهِ ذّوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ } فشاورت صاحبى ، فاذا اتفقنا على شىء أمرناك به . ومثل هذا ما روى أن قبيصة أصاب ظبياً وهو محرم ، فسأل عمر رضى الله عنه فشاور عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه ، ثم أمره بذبح شاة ، فقال قصيبة لصاحبه والله ما علم أمير المؤمنين حتى سأل غيره ، فأقبل عليه ضرباً بالدرة أتقتل الصيد وأنت محرم وتغمض الفتيا أى تحقرها ، قال الله تعالى { يَحْكُمُ بِهِ ذّوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ } فأنا عمر وهذا عبد الرحمن ، وجملة يحكم به ذوا عدل منكم نعت جزاء ، لأن اضافته لمثل لا تقيده تعريفاً ان أضيف أو حال من جزاء فى قراءة نعته بمثله ، أو حال من جزاء فى وجه الغاء مثله ، فيكون جزاء بمنزلة ما أضيف لقوله { مَا قَتَلَ } وأجيز أن يكون حالا من جزاء على الاضافة ، على أن اضافة مثل تفيد التخصيص ، واذا جعل مثل مبتدأ لم يجز أن تكون حالا منه ، واذا جعل مبتدأ المحذوف جاز كونها حالا من ضمير جزاء فى خبره أى فعليه جزاء ، ففى عليه ضمير مستتر أو فجزاء مثل ما قتل من النعم واجب ، ففى واجب ضمير جزاء ، وقرأ جعفر بن محمد يحكم به ذو عدل على ارادة الجنس الصادق باثنين ، ولذلك أفرد ، وقيل المعنى فى قراءته المفرد لفظاً ومعنى وهو الامام العدل . { هَدْيَا بَالِغَ الكَعْبَةِ } حال من الهاء فى به مقدرة ، لأنه حين الحكم هدياً بل اذا عينه وساقه كان هدياً أو حال من جزاء ان وصف جزاء أو أضيف ، أو بدل من جزاء ان نصب جزاء ، أو من مثل ان نصب مثل أو خبر لأنه ولو جر محله النصب ، لأنه مفعول الجزاء أضيف اليه جزاء ، وبالغ نعت هدياً لأنه وصف للاستقبال فاضافته لمفعوله وهو الكعبة لفظية اذ أصله أن ينون وينصب الكعبة ، فخفف بالاضافة المزيلة للتنوين . وسمى البيت كعبة لتكعبه أى ارتفاعه ، أو لتربيعه ، ومعنى بلوغ الكعبة بلوغ الحرم ، فانه يذبح فى الحرم لا فى الكعبة أو المسجد ، وتسمية الحرم كعبة مجاز مرسل لعلاقة الكلية والجزئية أو احداهما فهو يذبح فى الحرم فى منى ، أو فى دار من دور مكة ، أو فى غير ذلك من الحرم ، وبتصدق به فى الحرم . وقال أبو حنيفة يذبح فى الحرم ، ويتصدق به حيث شاء ، وظاهر قوله { هَدْيَا بَالِغَ الكَعْبَةِ } أنه لا بد أن يؤتى بالهدى من الحل حتى يصل الحرم . { أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ } باضافة كفارة لطعام عند نافع وابن عامر اضافة بيان الى ، أو كفارة هى طعام مساكين ، وقرأ الباقون بتنوين كفارة ، ورفع طعام على أنه خبر لمحذوف ، أى هى طعام مساكين ، أو عطف بيان لكفارة ، أو بدل منه وكفارة معطوف على جزاء فى قراءة رفعه ، وان نصب جزاء فكفارة خبر لمحذوف ، أى أو جزاءه كفارة ، أو الواجب كفارة أو مبتدأ محذوف الخبر ، أى فعليه كفارة أو معطوف على أن يجزى اذا قدرت فعليه أن يجزى جزاء الأقل ما قتل ، وقرأ الأعرج أو كفارة طعام مسكين ، وانما لارادة الجنس . ومعنى أو كفارة طعام مساكين أن يشترى بقيمة ما لزمه من الهدى طعاماً فيعطى كل مسكين مداً ، وقيل مدان على ما مر ، وذلك غالب قوت الموضع الذى صاد فيه ، ويقوم باعتبار الموضع أيضاً عند الجمهور ، وقال الشعبى يقوم باعتبار مكة ، لأنه يعطى فيها أو فى غيرها من الحرم ، وقيل يجوز فى غير فى ذلك من الحل . { أَوْ عَدْلُ ذّلِكَ صِيَامًا } بأن يصوم لكل مد يوماً ، وقيل لكل مدين يوماً ، وصياماً تمييز ، وعدل ذلك بمعنى ما عادله ، والاشارة الى الطعام المذكور ، وذلك أن تعتبر قيمة الهدى أو قيمة الصيد ، فينظر ما تسوى من الطعام فيصام مكان كل مد منه أو مدين يوم ، وأصل عدل مصدر ثم أطلق على ما يعادل به الشىء من غير جنسه ، وقرىء بكسر العين وهو ما عادل الشىء فى المقدار والصيام حيث شاء ، لأنه لا نفع فيه للفقراء ، وأو للتخيير فى الموضعين ، فالحكمان مخيران يحكمان بما شاء من هدى أو اطعام أو صيام ، لأن الله تعالى قال { يَحْكُمُ بِهِ ذّوَا عَدْلٍ } هذا ما ظهر لى ، ثم رأيته والحمد لله ، مذكوراً عن محمد بن الحسن من أصحاب أبى حنيفة . وقال الجمهور يذكر الحكمان ان صاد هذه الأنواع ويبين له فيختار هو ، وقال أحمد بن حنبل ، وزفر من أصحاب أبى حنيفة أنه لا يجزيه الاطعام الا ان لم يجد الهدى حيواناً ، ولا يجوز الصوم الا أن يجد الاطعام ، فذلك عنهما على ترتيب لفظ الآية ، وهو رواية عن ابن عباس ، والصحيح عنه التخيير وهو المشهور ، والأولى أن يقال يخير فى الهدى والطعام ، ولا يصوم الا ان لم يجدهما ، وقيل يخر الحكمان من صاد فى أن يهدى أو يطعم أو يصوم ، فما اختار حكما عليه بما لزمه منه ، وان اختار الهدى فما لم يتم به الهدى وأدناه شاة أو فضل ما لا تتم به ، فما لم يتم يخير انه فيه بين الاطعام والصوم . وقيل يقوم الصيد طعاماً لا دراهم ، وان قوم دراهم فاشترى بها طعام رجوت أن يكون واسعاً ، وقيل يقال كم من رجل يشبع من هذا الصيد فيعرف العدد ، ثم يقال كم من الطعام يشبع هذا العدد ، فان شاء أخرج ذلك الطعام ، وان شاء صام عدد أمداده وهو أحوط ، لأنه قد تكون قيمة الصيد من الطعام قليلة ، وبهذا النظر يكثر الطعام . { لِيَذٌوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ } متعلق بيحكم أو بجزاء أو بخبره المحذوف أو مبتدئه المحذوف ، أو ناصبه المحذوف ، أو بمحذوف أى ألزمناه ذلك ليذوق ، والوبال الضر أى ليذوق سوء العاقبة الذى أوجبه أمره ، وأمره هو قتله الصيد وهو محرم متعمد ، وذلك الوبال هو ما لزمه من الجزاء ، فهو فى الدنيا ، ولكن ان لم يتب عوقب فى الأخرى ، وسماه وبالا لثقله ، يقال طعام وبيل أى ثقيل على المعدة . { عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ } من قتل الصيد عمداً حال الاحرام فى الجاهلية ، قاله عطاء وغيره ، وقيل عما سلف ، وقيل التحريم وان قيل عفا الله عما سلف من ذلك قبل التحريم شمل ما سلف منه فى الجاهلية منه ، وما سلف فى الاسلام قبل أن ينزل التحريم ، أو عفا الله عما سلف منه فى هذه المرة ، وقيل عما سلف من الصيد عمداً حال الاحرام قبل أن تسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم . { وَمَن عَادَ فَيَنتَقِمُ اللهُ مِنْهُ } ومن عاد الى الصيد حال الاحرام عمداً بعد ذلك التحذير ، فهو ينتقم الله منه ، ومعنى من عاد من وقع فى الصيد ، سواء قد صاد قبل أو لم يصد فعاد مجاز مرسل للاطلاق والتقييد ، أو أحدهما وانما قدرت المبتدأ فيكون ينتقم خبره ، وجملة المبتدأ والخبر لأن ينتقم لو كان وحده هو الجزاء لجزم ولم يقرن بالفاء ، لأنه يصلح شرطاً ، والتحقيق عندى أنه لا يرفع المضارع الجوابى ولو كان الشرط ماضياً لا كما شهره ابن مالك . ومعنى انتقام الله منه أنه يشتد عليه التحريم من الله ، ويعظم عقابه فى الآخرة مع لزوم الجزاء ، فذنب العالم أعظم من ذنب غيره ، والذنب مع تكرير الانذار أعظم هذا ما ظهر لى ، ثم رأيته للجمهور وبه قال مالك وغيره من أصحابه ، وعطاء ، وابراهيم النخعى ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وشريح ، وعن ابن عباس ، وداود الظاهرى أنه ان عاد لم يحكم عليه بالجزاء ، وانما يقول له الحكمان اذهب ينتقم الله منك وهو رواية عن ابراهيم النخعى وشريح أخذه بالظاهر اذا لم يذكر فيه الكفارة ، والصحيح الأول . وروى أن رجلا عاد فنزلت عليه نار فأحرقته وأكلته ، روى عن ابن عباس عفا الله عن المتعمد أول مرة ، وعليه الجزاء ، وان اجترأ وعاد ثانياً فلا يحكم عليه ، ويقال له ينتقم الله منك ، وروى عنه لا جزاء عليه لأنه وعده بالانتقام منه ، وعنه اذا قتل صيداً سئل هل قتل قبله آخر ، فان قال نعم لم يحكم عليه ، ويقال له اذهب فينتقم الله منك ، وان قال لم أقتله قبله شيئاً حكم عليه ، فان عاد بعد ذلك لم يحكم عليه ، ولكن يملأ صدره وظهره ضرباً ، وهذه الآثار عنه تصرح أن اعتبار المرة الأولى بالعفو والجزاء ، والثانية بالانتقام ، وعدم الحكم بالجزاء مستمر الى يوم القيامة . وقيل الذى عندى أن الناس بعد نزول هذه الآية داخلون فى حكم الانتقام ، وأن عليهم الجزاء ، وأن الجهل بالتحريم وقد مر لك تفسيرى عاد بمعنى وقع فى الصيد ، ولو لم يتقدم له اصطياد ، وأما آثار ابن عباس فيخرج أن العود هو على حقيقته من الصيد مرة ثانية بعد المرة الأولى ، وزعم أن الانتقام لزوم الكفارة . { وَاللهُ عَزِيزٌ } لا يغلبه أحد عما أراد . { ذُو انتِقَامٍ } ممن عصاه بالصيد عمداً حال الاحرام ومن سائر من عصى الا من تاب .