Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 114-114)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أفغيْر اللهِ أبتَغى حَكَماً } قل يا محمد للمشركين الذين يبتغون غير الله حكما أفغير الله أبتغى حكما ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبتغى غير الله حكما لكن قد يحتمل عند المشركين أن يبتغى حكما غير الله ، ولذلك أمره الله أن يقول لهم ذلك ، إنكاراً عليهم ، وهب أنه لم يحتمل ذلك عندهم ، لكن أمر أن يقوله لهم رداً عليهم بطريق لطيف ، هو أن الإنسان فى العادة والطبع لا يكره الخير لنفسه ، فبانتفائه من غير الله حكما ، يعلمون أن ابتغاء غير الله حكما غير صواب عنده ، وقد سموه الأمين ، وعرفوا صدقه ، فلعله يخطر فى قلوبهم أن ينتفوامما انتفى . وكان مشركو قريش يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم اجعل بيننا وبينك قاضياً حَكَماً يميز المحق منا من المبطل ، فأمره الله تعالى أن يجيبهم بقوله { أفغير الله أبتغى حَكما } أعنى نزلت الأنعام جملة وفها هذه الآية جواباً لهم على طريق التعجب والإنكار ، كيف أطلب حكما يحكم بيننا ، ويفصل المبطل من الحق غير الله ، وقد حكم بيننا ، والهمزة مما بعد الفاء أو داخلة على محذوف أى أأكفر فاطلب غير الله حكما ، وغير مفعول لأبتغى ، وحكما حال من غير ، ولو كان نكرة لا يتعرف بالإضافة ، أو غير حال من حكما ، ولو كان حكما نكرة لتقدم الحال ، وحكما مفعول لأبتغى ، أو غير مفعول لأبتغى ، وحكما تمييز ، والحكم الذى لا يحكم إلا بالعدل وهو أخص من الحاكم . { وهُو الَّذِى أنزلَ إليْكم الكِتابَ مُفصَّلا } الواو للحال ، والجملة حال ، وصاحب الحال ضمير أبتغى ، كقولك جاء زيد والشمس طالعة ، والكتاب القرآن ، ومفصلا حال من الكتاب ، ومعنى مفصلا مبين فيه الحق من الباطل ، كيف أبتغى حكما غير الله ، وقد حكم الله فى كتابه الذى أنزل ببيان ما هو الحق ، فلا نحتاج إلى حكم مع حكم الله ، ولا يصح حكم غيره ، ومحصل قوله { أفغير الله أبتغى حكما وهو الذى أنزل إليكم الكتاب مفصلا } أن القرآن مغن فى الحكم بيننا عن سائر الهبات من حيث إخباره بالغيوب ، ومن حيث بلاغته ، وكيف أبتغى حكما والحال أيضا أن التوراة والإنجيل شاهدان لى ، وحاكمان لى بالصدق والنبوة والرسالة كما قال { والَّذينَ آتيناهُم الكِتابَ يعْلمونَ } من الكتاب وهو التوراة ، والإنجيل وهم اليهود والنصارى { أنه } أى الكتاب الذى أنزل مفصلا وهو القرآن { مُنزَّلٌ من ربِّك بالحقِّ } مقترنا ، الحق بأهل الكتاب يعلمون أنه رسول الله ، والقرآن من عند الله ، ولكن ينكرون عناداً وحسداً ، ومن لم يقرأ الكتاب من اليهود والنصارى ، ولم يسمعه ولم يفمه ، ففى حكم من علمه لوضوح دلائله بحيث تدرك بأدنى تأمل ، ويجوز أن يراد أهل الكتاب الذين آتاهم الكتاب من قراءة ، أو سمعه وعلمه لا مطلق اليهود والنصارى ، وقيل المراد بالذين آتيناهم الكتاب علماء الصحابة ، ورؤساؤهم كأبى بكر وعمر وعلى ، هذا فالكتاب القرآن لا التوراة والإنجيل ، ويجوز أن يراد بالذين آتيناهم الكتاب من آمن منهم ، كعبد الله بن سلام ، والجملة معطوفة على جملة الحال قبلها ، وقرأ ابن عامر وعاصم من طريق حفص عنه بفتح نون منزل وتشديد زايه . { فلا تكونَنَّ } يا محمد لفظاً لكونه الإمام ، والمراد أمته معنا لأنها التى يمكن امتراء بعضها فى أنه رسول الله ، والقرآن من الله ، دوَّنه صلى الله عليه وسلم ، أو يا كل من يمكن منه الامتراء ، وكل أحد ينبغى أن لا يمترى لوضوح الدلائل ، أو يا محمد على طريق ازدياد التمكن والمبالغة فى الصدق ، أو يا محمد على أن الامتراء فى أن أهل الكتاب يعلمون أن القرآن من الله ، فهذه أربعة أوجه . { مَنَ الممتَرينَ } من الذين يشكون فى أنه منزل من ربك ، وأنك رسول منه ، أو فى أن أهل الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك ، وهذان الوجهان كل واحد سائغ فى جميع الأوجه الأربعة يترجح الأول فى الثلاثة الأولى والثانى فى الرابع .