Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 130-130)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يا مَعْشر الجنِّ والإنس ألم يأتكم رسلٌ منكُم } رسل من الإنس إلى الإنس تسمع من الملك ، ورسل إلى الجن من الجن يرسلها إليهم بأمر الله ، رسول الإنس يسمعون من رسول الإنس ، وليس ذلك جمعاً بين الحقيقة والمجاز ، لأن لفظ الرسول موضوع لرسول الله ورسول غيره ، وهاهنا تذكرت قوله تعالى فى رسل عيسى عليه السلام { إنا إليكم مرسلون } { إنا لمرسلون } يتبع { اتبعوا المرسلين } فى قول من يقول إنهم رسل عيسى لا رسل الله ، وقد أرسل رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الجن إلى الجن رسلا منهم وقال الله فيهم { ولَّوا إلى قومهم منذرين } وإنما فسرت بذلك الآية لأن الأنبياء كلهم من الإنس ، وأما الجن فتسمع من رسل الإنس ومن أممهم ، فالرسل فى الآية رسل من الإنس ورسل من الجن ، لكن رسل الجن ليست مرسلة من الله ، بل مرسلة من رسله ، ثم رأيته عن ابن عباس ، وفى الآية تأويل آخر هو أن الرسل فى الآية رسل الإنس ، وأما الجن فتسمع منهم ومن أممهم ، وعليه فنقوله { منكم } أريد به المجموع لا جمع الفريقين ، وليس المراد من هذا الفريق ومن هذا الفريق ، فالرسل من الإنس فقط ، وقيل منكم خطاباً للجن معهم لاستوائهم فى التكليف بما يجئ به الوحى ، وجمع الخطاب لهم فى قوله { يا معشر } وقوله { يأتكم } كما شهر فى قوله { يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } أى منهما لم يعدهما لكن من أحدهما وهو المالح لا منهما جميعاً . وقال الضحاك رسل الجن من الجن يأتيها الوحى من الله ، كما أن رسل الإنس من الإنس يأتيها الوحى من الله متمسكاً بظاهر الآية وبقوله تعالى { وإن من أمة إلا خلا فيها نذير } وقوله تعالى { ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلا } وقوله تعالى { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه } وجه الدلالة بالآيتين ظاهر لكن من تأويل الأولى ، وأما الثانية فلا يتعين أن يكون النذير منهم ، بل نظيرهم من الإنس رسول ينذرهم ويرسل إليهم ، هو منذراً منهم ، كما ذكر الإنذار مثل هذا وأريد به الإنذار بإرسال رسول الإنس رسولا منهم إليهم ، إذ قال الله جل وعلا { وإذ صرفنا إليك } الآية وأيضاً إذا كان فى أمة رجل مسلم أى يعظ ويذكر الأحكام والجن تسمع منه وتحضر مجلسه ، فهو نذير الإنس خلاف الإنس والجن . وجه الدلالة بقوله { ولو جعلنا } وقوله { وما أرسلنا من رسول } لأن الحكمة فى جعل الرسل من الإنس للإنس ، وجعلهم بلغة قومهم أن يتمكنوا من مواجهتهم ومن فهم كلامهم ، ويأنسوا بهم ، فكذا الرسول من الجن للجن أحق أن يتأسوا به ، وقال الضحاك ومن تبعه يحتمل أن يكون جاء بعد الإجماع على أن لا رسول من الجن ، فلا يعتد به ، ويحتمل انعقاد الإجماع بعده فبلغه ، وهذا كله بعد وجود الإنس ، وأما من زعم أن الجن قد عمرت الأرض قبل آدم ، وأن إبليس والعياذ بالله ذرية منهم لا أولهم فلا يصح عندنا معشر الأباضية ، وعلى تقدير صحته فرسلهم منهم قطعاً قبل آدم ، وأجمعت الأمة أن رسول الله سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم مرسل إلى الثقلين . وقيل رسل الجن منهم بواسطة رسل الإنس ، بأن يوحى الله إلى رسول الإنس أن أرسل فلاناً من الجن إليهم ، وهذا لا بأس به ، كما أنه لا بأس بما مر أولا من أن رسول الإنس يرسل إليهم بعضا منهم مفوضاً ، وجملة يا معشر الجن إلخ من مقول القول السابق ، وقوله { إن ربك } إلى { يكسبون } معترض ، ومنكم نعت رسل ، ومن للتبعيض أو متعلق بيأتكم ، ومن للابتداء ، والرسل غير داخلين فى الخطاب بالراء وكاف يأتكم ، والمعنى من جنسكم على التأويلات السابقة . { يقصُّون } يلتون ويلقون { عليْكُم آياتِى } الآيات التى نزلت فى كتبى دالة على وجودى ووحدانيتى ، وصدق رسلى ، والجملة نعت رسل ، أو حال منه ، لكن الحال إذ جعلنا منكم نعتاً والنعت يجوز مطلقاً ، وإذا جعلنا منكم نعتاً جاز أن تكون الجملة أيضا حالاً من المستكن فى منكم { وينْذِرُونكم لقاء يومِكُم هذا } يوم القيامة وإضافة لقاء ليوم إضافة لمفعوله ، أى يخبرونكم خبراً شديداً وهو أنكم تبعثون ، فإن لم تؤمنوا فى الدنيا وتطيعوا عوقبتم يوم تبعثون . { قالُوا شَهدْنا عَلى أنْفسِنا } قال كفار الجن والإنس يوم القيامة شهدنا على أنفسنا أن الرسل جاءتنا وبلغتنا رسالتك وعصينا ولم نؤمن ، وقد استوجبنا العذاب وذلك اعتراف بألسنتهم أو بجوارحهم حين ختم على أفواههم ، أو ختم عليها فتكلمت جوارحهم بذلك ، ثم نطقت ألسنتهم فقالت إن جوارحنا قد شهدت علينا ، ذلك أنهم يوم القيامة تارة ينكرون وتارة يقرون ، تقر جوارحهم وقد قالوا { والله ربنا ما كنا مشركين } فحينئذ ختم على أفواههم فنطقت جوارحهم ، وهاهنا تم كلامهم واستأنف الله جل وعلا كلاماً فى ذمهم فقال { وغرَّتهُم الحياةُ الدُّنيا } زينت لهم القبيح الذى عاقبته النار وهو الكفر والمعاصى اشتغلوا بهما عن الآخرة ، والعطف على قالوا ، ولو اختلف زمن الغرور والقول أو حال ماضية ، أو من جملة المقول على الالتفات أى وغرتنا الحياة الدنيا . { وشَهدُوا على أنفُسِهم أنهُم كانُوا كافِرِينَ } بالبعث والرسول والوحدانية ، أو بالله ، فكل واحد ومقدار كفره ، والجملة معطوفة على التى قبلها أو كلتاهما من الله ، والأولى من مقولهم على الالتفات ، والثانية من الله ، ويجوز أيضا أن تكون الثانية من مقالهم أيضا مع الأولى على الالتفات ، أى وغرتنا الحياة الدنيا ، وشهدنا على أنفسنا أنا كنا كافرين ، أى قد أقررنا لك بكفرنا على كل حال ، فالله سبحانه ذكر ذلك تحذيراً عن حالهم .