Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 136-136)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وجَعَلوا } أى مشركو العرب من قريش وغيرهم { للهِ ممَّا ذَرَأ } خلق { مِنَ الحَرْث } أى من ثمار الحرث فحذف المضاف ، والحرث مصدر ، وإضافة الثمار إلى الحرث تصح ، لأن الحرث سببها وملزومها وآلتها ، أو بمعنى البذر المحروث ، وإضافة الثمار إليه لأنه أصله وآلته ، أو بمعنى ما نبت من الأوراق والأغصان ، أضاف الثمار إليه لأنها منه ، وأنه آلة لها ، ويدل لهذا الوجه الأخير ما روى أن أهل الجاهلية كانوا يقسمون الحرث وهو قائم على سوقه ويقولون ما ردت الخطة داخلا لأصنامهم ، وما ردت خارجا لله تعالى ، ففى هذه الرواية لا يحتاج لتقدير مضاف ، لأنهم يجعلون النصيب من النبات كله ، فما فيه من الثمار فهو لله ، وما فى النصيب الآخر للأصنام ، ويجوز أن يكون الحرث بمعنى الثمار بشئ يسببه أو أصله ، فإذا كان بأصله فمجاز مركب ، لأن الحرث بمعنى الورق والأغصان مجاز أول ، ثم بمعنى الثمار مجاز ثان ، ولم يقل وجعلوا لله من الحرث والأنعام ، بل قال { مما ذرأ من الحرث والأنعام } ليكون أزيد فى تقبيح فعلهم إذ عمدوا إلى شئ خلقه ، فجعلوا منه نصيبا يتقربون به إلى ما لا ينفع ولا يضر وهو الأصنام . { والأنْعام } الغنم والبقر والإبل أنفسها وما تنتج { نَصيباً } وليسوا يقولون يأكون حاشاه ، ولكن يتصدقون به على الفقراء والضعيف ، ويقطعون منه فى النائبة ويغيثون منه الملهوف ، فهذا فى نفسه ليس معيبا ، والمعيب إنما هو رجوعهم به إلى نصيب الأصنام ، إذا احتاجوا أن يردوه إليه ، وأكلهم إياه إذا احتاجوا إليه فى مجاعة ، وعيب عليهم فى الآية شيئان جعل نصيب للأصنام ، ووصول ما كان لله تعالى إلى نصيب أصنامهم ، عاب عليهم ذلك بعد ما عاب عليهم إنكار البعث ، وغير إنكارهم من القبائح ، وفى الكلام حذف تقديره وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ، وجعلوا لشركائهم نصيبا أو لشركائهم نصيبا ، ودل عليه قوله بعد { وهذا لشركائنا } وذكر الرواة أيضا أنهم يجعلون نصيبا لله ونصيبا لشركائهم من سائر مالهم أيضا غير الحرث والأنعام . { فقالُوا هذا } أى هذا النصيب { للهِ بزَعْمهم } بكلامهم الكاذب ، أو كلامهم الفاسد لا وجه كذبه أنه نصيب لله فيما قالوا ، ثم إنهم يعطون منه فى الأصنام ويأكلون منه ، ووجه فساده ذلك أيضا مع أنه مقابل لنصيب الأصنام ، وهذه المقابلة إشراك ، وبزعمهم متعلق بقالوا ، وقرأ الكسائى بضم الزاى وفيه لغة ثالثة لم يقرأ بها أحد وهو كسر الزاى . { وهَذا لشُركائِنا } أى وهذا النصيب الآخر لشركائنا ، أى للأصنام التى هى شركاؤنا فى أموالنا ، فالشركاء شركاء المال لا شركاء عبادة الله ، فهو من الشركة ، وفيه وجهان أحدهما أن تعتبر أنهم أشركوا الأصنام لأنفسهم ، أى وهذا للأصنام الذين أشركناهم ، فنا فاعل من حيث المعنى . والآخر أن تعتبر أن الأصنام شاركتهم ، فنا مفعول فى المعنى ، ويجوز أن يكون الشركاء شركاء العبادة ، أى الذين أشركناهم فى العبادة مع الله سبحانه وتعالى ، فهو من الشرك ، وأضافوهم لأنفسهم لاعتقادهم أنهم شركاء لله حاشاه ، وما كان لشركائهم يجعلونه نفقة لخدمتها ، ويصرفونه فى تصقيلها وتزيينها وتزيين بيوتها ، وتصحيح ما ضعف من شركائهم ، ويصرفونه فى التصدق تقربا بها ، وفى ذبائح يجعلونه قرابين لها . { فَما كانَ لشُركائِهِم فَلا يصلُ إلى اللهِ } بوجه ما ، ولو ذهب ما جعلوه للشركاء للفقراء ، وما جعل من أجله أو بالسرقة أو بأهلهم أو غير ذلك ولو احتاجوا أو احتاجت الفقراء أو الضيفان ، والمراد لا يصل إلى نصيب الله ، أى لا يجعل كله ولا بعضه نصيبا لله تعالى ، أى لا يصرفون حيث يصرفون نصيب الله حتى أنه لو ذهبت الريح ببعضه ، أو انحدر لردوه إلى نصيب الشركاء . { وما كانَ للهِ فَهو يَصلُ إلى شُركائِهِم } مثل أن ينحدر بعضه إلى نصيب شركائهم ، أو تهب به ريح ، أو يتخلط إليه بوجه ، أو احتاج شركاؤهم بزعمهم لنفقة خدمها أو تصقيلها ، أو بنائها أو تصحيحها أو تجديد أخرى ، أو بناء بيوتها أو تصحيحها أو تزيينها ، أو تزيين الأصنام ، أو التقرب بالذبح أو الصدقة إليها ، فما اتصل تركوه للشرك أو ما احتاجوه ، وكانوا يقولون الله غنى عن المال ، والأصنام محتاجة فقراء ومعنى الوصول إلى شركائهم الوصول إلى نصيبها مع إقراره فيه وصرفه فيما يصرف فيه نصيبها ، قال مقاتل إن زكا وإنما نصيب الآلهة ولم يترك نصيب الله تركوا نصيب الآلهة لها ، وإن كان بالعكس قالوا لا بد لنا لآلهتنا من ثقة فأخذوا نصيب الله وأعطوه السدنة ، أى خدامها . قال ابن عباس ومجاهد والسدى وكانت عادتهم الاهتبال بنصيب الأصنام أكثر منه نصيب الله تعالى ، إذ كانوا يقدرون أن الأصنام فقراء ، وليس بالله فقر ، فكانوا إذا قسموا الزرع فهب الريح فحملت من الذى لله إلى الذى لشركائهم أقروه ، وإذا حملت من الذى لشركائهم إلى الذى لله ردوه ، وإن لم يصيبوا فى نصيب شركائهم شيئا قالوا لا بد للآلهة من نفقة فيجعلون نصيب الله تعالى فى ذلك ، وكذلك فى الأنعام وما يقوله منها . قال قتادة ثم إذا كانت السنة شديدة أكلوا نصيب الله وحفظوا نصيب الأصنام ، قال الكلبى يرسلون الماء فى نصيب الله من الحرث ، فإن نصيب الفخر فى نصيب الصنم قالوا أقروه فإن هذا محتاج ويرسلونه فى نصيب الصنم ، فإن انفجر فى نصيب الله قالوا سدوه فإن الله غنى عنه ، والصنم محتاج إليه ، وكذلك إذا كانوا يحرثون ووقع شئ من بذر نصيب الله فى نصيب الأصنام ، وإذا وقع فى نصيبه شئ من نصيبها ردوه إليها . وعن الحسن إن خرج حرث نصيب الله أجود ردوه للأصنام ، وإن خرج نصيبها أجود أقروه لها ، قال وإذا اختلط من الأنعام ما هو من نصيب الله بنصيب الصنم تركوه ، ولا يزرونه ، وإذا اختلط من نصيب الصنم لنصيب الله وميز ردوه للصنم ، وإن لم يميز ذبحوا مما لله للصنم ، أو ذبحوا شيئا مما للصنم فى مستوٍ من الأرض ، وذبحوا مما لله فى موضع مشرف حتى يصل دمه دم ما ذبحوا للصنم . { سَاءَ ما يحْكُمونَ } إذ جعلوا لله نصيبا ، وجعلوا للصنم نصيبا ، وإذا كان ما يصل للصنم من نصيب الله تركوه ، وما وصل من نصيب الصنم لنصيب الله ردوه ، فجعلوا للصنم نصيبا ولا نفع فيه ولا مضرة يضرهم بها ، ولا يقدر على شئ ، ومع هذا رجحوا جانب الأصنام والحق الرغبة فى توفير ما لله فيصرفونه للفقراء ، ومن احتاج وترك الأصنام بلا نصيب وإبطالها وإبطال عبادتها ، وما اسم أى ساء حكم يحكمونه أى يثبتونه ، أو ساء الحكم الذى يحكمونه أى يثبتونه ، أو مصدرية أى بئس حكمهم والمخصوص بالذم محذوف ، أى هذا الذى يفعلونه أو يحكمونه أو هذا الحكم .