Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 144-144)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ومِنَ الإبِل اثْنيْن } جملا وناقة { ومِنَ البَقَر اثْنيْن } ذكراً وأنثى { قُلْ آالذَّكريْن } ذكر الإبل وذكر البقر { حَرَّمَ } أى أحرم الذكرين فقط { أم الأُنثَيَيْن } فقط أنثى الإبل وأنثى البقر ، وأنت خبير أن الأنثيين فى الموضعين جاء على معنى الحصر ، إذ عطف على المحصور فيه وأريد فيه الحصر ، ولو تأخر إذ عطف على محصور فيه للتقديم ولا حصر فى أمَّا اشتملت الخ ، لأن فيه الذكر والأنثى جميعا ، من النوعين وكذا فى قوله { أمَّا اشْتَملت عليْه أرْحام الأنْثَيَيْنِ } أنثى الإبل وأنثى البقر ، أى أم حرم ما فى رحم الناقة من ناقة وجمل ، وحرم ما فى رحم البقرة من ذكر وأنثى ، لا تجدون الله حرم شيئا من ذلك ، سواء أكان على حال ما تحرمون أم لم يكن ، ولا حجة عقل صحيح ، بل الله أمر بالانتفاع بذلك كما حد وأمر بالشفقة على ذلك كله وعلى غيره ، ونهى عن مجاوزة الحد فيه بقدر ما لا تطيق ، وعن تعذيبها ، وشق أذنها ، تعذيب بلا فائدة ، وإهمالها إضرار لها ، فقد تجوع أو تعطش ، ولا تهتدى إلى مرعى أو ماء ، كما قال فى عدم دليل من الله على جواز ذلك . { أمْ كُنتُم شُهداءَ إذ وصَّاكم اللهُ بهَذا } بهذا الذى تفعلونه من تحريم بعض الإبل والبقر ، وهذا نظير قوله { نبئونى بعلم إن كنتم صادقين } والتحريم فى الموضعين شاهد للتحريم المطلق ، وللتحريم على النساء فقط ، على حسب ما مر من التفصيل فى تحريمهم ، وأم فى هذا الأخير وحده بمعنى بل وهمزة الإنكار ، أى بل كنتم شهداء أى حاضرين حين وصى الله بتحريم بعض الإبل والبقر ، فإن الحجة العقلية الصحيحة غير موجودة فى ذلك ، ولا وحى لكم فى ذلك ، بل قد أنكرتم الوحى فلم يبق إلا شاهدة التوصية من الله ، ولا توصية بذلك من الله . ولقد فرغت وسعى فى إيضاح الآية وهو ما رأيت ووافقت فيه بعض ما قيل قبلى ، والحمد لله ، ومحصل ذلك أن الله عز وجل قال من أين لكم ، إنما تجعلون الشئ به بحيرة أو وصيلة أو نحو ذلك ، وما تجعلونه نصيبا للأصنام حرام لا حجة لكم فى ذلك ، وزاد الفخر وجهاً آخر وهو أن الأنعام أربعة كما ذكر الله ، فلم خصصتم البحيرة والوصيلة والسائبة والحامى بالإبل ، أو هذا على القول بأنهم جعلوا ذلك الإبل فقط . وأما ما ذكروا من " أن مالك بن عوف الجشمى وهو خطيبهم قال يا محمد بلغنا أنك تحرم أشياء كان أباؤنا يفعلونها ؟ فقال له صلى الله عليه وسلم " قد حرمتم أصنافاً من النعم على غير أصل وإنما خلق الله الأزواج الثمانية للأكل والانتفاع بها فمن أين جاء هذا التحريم ؟ مِنْ قِبَل الذكر أم من قبل الأنثى ؟ " فسكت مالك بن عوف وتحير ولم يتكلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " مالك يا مالك ألا تتكلم ؟ " قال بل أنت تتكلم وأسمع منك ، فارجع إلى ما فسرناها به من أنهم لا يجدون التحريم عن الله فى الذكر من ذلك ، ولا فى الأنثى ولا فيهما ، أى لا يجدون الله حرمها من قبل إنها ذكور أو إناث " فقوله " أمن قِبَل الذكر " هو معنى قوله تعالى { قل آ الذكرين } وقوله { أم من قِبَل الأنثى } راجع لقوله { أم الأنثيين } وذلك فى الموضعين ، فإنه لو كان الذكر محرما لقيل جاء التحريم من قبل الذكر أى من جهته ، إذ حرم هو لا الأنثى ، ولو كان الأنثى محرمة لقيل جاء التحريم من قبل الأنثى أى من جهتها إذ حرمت هى الذكر ، فقط علمت أن قوله " من قِبَل الذكر " ليسه تعليلا بالذكورة ، وكذا قوله " من قِبلَ الأنثى " ليس تعليلا بالأنوثة لا كما قال عامة من تقدمنى من المفسرين من أن ذلك تعليل للتحريم بسبب الذكورة فيحرم كل ذكر من الأنعام ، أو الأنوثة فيحرم كل أنثى من الأنعام ، إذ لو كان ذلك لجاء لهم الجواب سهلا بأن يقولوا ليس بالأنوثة والذكورة ، بل لكون الجمل قد جاء من صلبه عشرة أبطن ، ولكون الناقة كان منها خمسة أبطن ، وغير ذلك مما يجعلون به الأنعام وصيلة أو سائبة على ما مر هذا ما ظهر لى فى تحريم المقام ، وإذا دخل ذلك البيان من الله أسماعكم . { فَمنْ أظْلم ممَّن افْترَى عَلى اللهِ كذباً } مَّا فيدخل فيه ذلك الكذب الذى هو نسبة تحريم تلك المحرمات إلى الله ، أو أريد ذلك الكذب فقط هنا ، ونكر تعظيما فى شأنه أو تحقيرا فى أنه لا يخفى بطلانه عن عاقل ترك التقليد ، والاستفهام للنفى ، والمراد بمن افترى على الله كذباً كل من قرأ عليه نحو فى البحيرة ونصيب الصنم أو غير ذلك ، أو من افترى ذلك من كبرائهم وأقره ، وقيل المراد عمرو بن لحى بن قمعة ، وهو أول من غير دين إسماعيل عليه الصلاة والسلام ، وبحر البحائر ، وسيَّب السوائب ، وفعل أمثال ذلك ، والتعميم أولى . { ليُضلَّ الناسَ } عن الحق { بغيْر علمٍ } متعلق بيضل ، أى يجهل أو حال من المستتر فى يضل ، أى ثابتاً بغير علم ، أو يجعل الحال كون حاضر أى ملتبسا بغير علم { إنَّ الله لا يهْدِى القومَ الظَّالمينَ } أى لا يهديهم ، أى لا يهدى من افترى عليه ، أو هؤلاء الكفرة من قريش أى لا يوفقهم فوضع الظاهر موضع المضمر ليصفهم بالظلم ، أو لا يهدى الظالمين مطلقا ، وفسر المعتزلة الهداية هنا بالهداية إلى الثواب ، ولست أعنى أنه لو قال لا يهديهم لم يكل سبيل إلى وصفهم بالظلم ، لجواز مجئ الحال منه ، أى لا يهديهم ، بل المراد ترك الاقتصار على الإضمار لا لذلك أنه لا يوجد الوصف بالشئ إلا مع تركه ، قيل قالوا فما المحرم ؟ فنزل الأنعام وفيها قوله