Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 151-151)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قُلْ تَعالوْا } أمر من التعالى وهو تفاعل للعلاج ، وثلاثيه علا يعلو ، وأصله أن يقوله من كان فى مكان عال لمن كان فى أسفل ، أى عالج الصعود إليه ، ثم استعمل لمطلق طلب الإتيان والحضور من أسفل إلى علوّ ، أو من علو إلى أسفل ، أو من أحد مستويين إلى الآخر ، وأصل ذلك الأصل أن يقال تعال عالج الصعود إلى مكان علىّ ، سواء كان القائد فى المكان العالى المطلوب الصعود إليه أو فى غيره من عال ، أو منخفض ، ثم اعتبر لأن بقوله من كان فى عال لمن أراده أن يصعد إليه ، ثم فى طلب الإتيان مطلقا . ولام الكلمة فى تعالوا محذوف واو الجمع المذكورة فيه ، قال كعب الأحبار والذى نفس كعب بيده إن مفتتح التوراة { بسم الله الرحمن الرحيم قل تعالوا أتل ما حرم عليكم ربكم } إلى آخر الآيات التى فيها ذكر التحريم ، قال ابن عباس اجتمعت الشرائع على هؤلاء الآيات ولم تنسخ قط ، وقد قيل إنه العشر الكلمات التى نزلت على موسى ، وقال من عمل بهن دخل الجنة ، ومن تركهن دخل النار . وعن ابن مسعود من سره أن ينظر إلى الصحيفة التى عليها خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم فليقرأ { قل تعالوا أتل } إلى قوله { تتقون } . { أتْلُ ما حرَّم ربُّكم عليْكم } أتل مجزوم فى جواب الأمر بمعنى اقرأ وهو مضارع للمتكلم الذى هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما اسم موصول ، أى النوع الذى حرمه ربكم ، أو نكرة موصوفة أى أشياء حرمها ربكم عليكم ، أو مصدرية ، أى أتلوا تحريم ربكم ، والتحريم لا يتلى لأنه معنى فيقدر مضاف ، أى ألفاظ التحريم ، لأن المتلو ألفاظ القرآن الدالة على التحريم لا المحرمات أنفسها ، ولذا لم أُأَوّل التحريم بالمحرمات كما فعل بعض العلماء ، ويجوز أن تكون ما استفهامية مفعولا مقدما لحرَّم ، وجملة حرم ربكم مفعول لأتلو ، سوغ نصبه الجملة الاستفهام ، أى أتلو أى شئ حرم ربكم عليكم ، وعليكم يتعلق بحرم ويقدر مثله لأتل ، أو أو يعلق بأتل ويقدر مثله لحرم . { ألاَّ تشْركوا به شيئاً } إن حرف تفسير ، ويجوز أن تكون مصدرية عند من يجيز دخول المصدرية على النهى والأمر ، ولا حرف نهى فيفسر نفس التحريم بنفس النهى عن الإشراك ، والأمر فى قوله { وبالوالدين إحساناً } معطوف على هذا النهى ، فيكون مفسراً للتحريم ، لكن باعتبار ضده ، وهو الإساءة إلى الوالدين ، فإنها هى المحرمة من حيث إن الأمر نهى عن تركه مضمونه ، فإن معنى أحسنوا بالوالدين لا تتركوا الإحسان إليها إلى الإساءة ولا إلى حال ليست بإحسان ، ولا بإساءة ، ولذا لم أقل الأمر هنا نهى عن ضده الذى هو الإساءة ، لإنه لم ينه عن الإساءة فقط ، بل عن البقاء بلا إحسان ، ومن جعل أن ناصبه ولا نافية جعل عليكم اسم فعل ناصبا لقوله { ألا تشركوا } أى الزموا عدم الإشراك ، فيكون مبتدأ تفسير التحريم من قوله { عليكم } فيكون عطف الأوامر والمناهى بعد على عليكم . ويجوز أن تكون لا صلة للتأكيد ، والمصدر بدل مما أو من عائدها المحذوف ، أى حرمه أو على التحريم على أنها مصدرية ، ويجوز بقاء لا على النفى ، ويقدر لام الجر والتعليم ، أى لئلا تشركوا وتعلق بأتل ، ويجوز تعليقه لحرم ، ويجوز إبقاؤها على النفى ، ويكون ذلك خبر المحذوف ، أى المتلو ألاَّ تشركوا ، أيجوز أيضا على جعل لا ناهية عند مجيز الإخبار بالنهى ، وإدخال أن المصدرية على النهى ، ويجوز جعل لا صلة للتأكيد ، ويقدر المبتدأ هكذا المحرم أن تشركوا ، وشيئا مفعول به ، أى ألا تشركوا بالله صنما ولا شيطانا ولا غيرهما ، أو مفعول مطلق أى لا تشركوا به إشراكاً ، ويجوز تقدير وبالوالدين إحساناً إخباراً ، أى وأن تحسنوا بالوالدين إحساناً فيجعل ألا تشركوا غير نهى فيعطف عليه ، ودخل فى الإشراك الرياء ، فمن رائى أحداً فقد أشركه بالله تعالى . { وبالوَالديْن إحْساناً } وأحسنوا بالوالدين إحساناً أو وأن تحسنوا بالوالدين إحساناً ، فإحساناً مصدر نائب عن فعله فى الوجه الأول ، ومصدر مؤكد على الثانى ، فالوجه الثانى تخريج على القول بجواز حذف عامل المصدر المؤكد ، أتبع حق الوالدين حق الله لأنهما سبب وجود الإنسان ومربياه بحفظ وشفقة . { ولا تقْتلُوا أوْلادكُم من إمْلاقٍ } من فقر ، وقيل جوع ، ومن للتعليل متعلق بتقتلوا ، ويقدر مضاف أى من خشية إملاق ، كما قال فى الآية الأخرى { خشية إملاق } وظاهر الآية عموم الأولاد ، والمنقول أنهم يقتلون الإناث ، وذكر فى الآية الأخرى أنهم إما أن يمسكوا الإناث على هون أو يدسوهن فى التراب ، فلعل القتل للإملاق يقع فى أولادهم الذكور والإناث ، وزادت أولادهم الإناث بأنهم يقتلونهن لدمامتهن ، أو خوف عيب يلحقهم بهن أو غير ذلك مما مر ، وقال الله فى قتل الإناث من الأولاد { وإذا الموءودة سئلت بأى ذنب قتلت } { نحْنُ نرزقُكُم وإيَّاهُم } رد الله عليهم السبب الذى يقتلون أولادهم به وهو خوف الفقر ، نحن نرزقكم بأن الله جل وعلا يرزقهم ويرزق أولادهم ، تكفل برزق الجميع ، وجعل لكم منهم رزقا على حدة ، وليس الرزق لهم فقط فشاركهم أولادهم فيه ، وما على الوالد من رزق ولده شئ ، بل تربيته والمحافظة عليه والتسبب ، قال القشيرى خوف الفقر قرينة الكفر ، وحسن الثقة بالرب سبحانه وتعالى نتيجة الإيمان . { ولا تقْربُوا الفَواحِشَ } كبار الذنوب أو الزنى ، والأول أولى لعمومه ، يدخل فيه الزنى الذى قيل هو سبب النزول ، ولا يمنع خصوص لسبب النزول تعميم اللفظ ، إذ كانوا يكرهون الزنى علانية ، ولا يرون به بأسا إذا كان سراً فحرمه الله كله ، أو كل الكبائر ما كان علانية وما كان سراً فقال { ما ظَهَر منها وما بَطَن } وترك المعصية ظاهرا فقط عابدة للمخلوق لا للخالق ، كفعل العبادة ظاهراً فقط ، وقال الضحاك ما ظهر الخمر وما بطن الزنى ، ولعله تمثيل لما يظهر وما يبطن ، لا تخصيص ، والأولى التعميم كما علمت ، ونسب القول بأن ما بطن الزنى سراً بالمخادنة ، وما بطن الزنى ظاهراً إلى ابن عباس الكلبى ، والنهى عن القرب من فعل أبلغ من النهى عن فعله ، وما بدل من الفواحش به لا مطابق باعتبار ما عطف عليه ، وذلك على أن المراد بما ظهر وما بطن نفس الفواحش ، وإن أريد جزاء كل فاحشة ظهرت ، وجزاء كل فاحشة بطنت ، وإذا نهى على الجزاء نهى عن الكل بالأولى ، فيكون نهى عن للكل مرتين مرة بالتصريح ومرة بالإفهام ، وإن أريد بما ظهر منها وما بطن أحوالها وسائلها فبدل اشتمال . { ولا تقْتلُوا النَّفس التى حَرَّم الله إلا بالحقِّ } إلا مقترنين بالحق فى قتلها ، أو إلا قتلا مقترنا بالحق فى قتلها ، كقتلها قصاصا ، وقتل المرتد ، ورجم المحصن ، وقتل الباغى ، وقتل النفس داخل فى الفواحش ، وخص بالذكر إعظاماً له ، وليصح الاستثناء منه لما كان بالحق ، إذ لا حق فى الفواحش يستثنى ، وخص ذكر الأولاد قبل هذا العموم ، لأن قتل الإنسان ولده أفظع قتل ، لأنه أيضا قطع رحم أشد قربا ، ولأنه لا ذنب إذ هو غير مكلف ، ولأنه ضعيف لا ناصر له لضعفه ، ولكون قاتله هو أشد الناس اتصالا به ، وأشدهم موالاة لأمره ، ومخاطبة به ، كذا ظهر لى ، وإن قلت كيف يستثنى ما كان قتله حقا مما كان قتله قد حرمه الله ؟ قلت وجهه أن الله حرم قتل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فمن كان هكذا حرم قتله ، إلا أن يأتى بما يحق به قتله كما قال ابن مسعود رضى الله عنه عن رسول صلى الله عليه وسلم " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله إلا بإحدى ثلاث زنى بعد إحصان ، وقتل النفس التى حرم الله ، والارتداد " { ذَلكُم } أى ما ذكر من النهى عن الإشراك وقتل الأولاد وغيرهم ، وقرب الفواحش ، والأمر بالإحسان للوالدين { وصَّاكُم به } أمركم به أمراً عظيما ، التوصية أعظم من الأمر ، لأنها أمر تضمن أمر محافظة ، فإما أن يكون ما مر من الأمر والنهى وصية ، ولا نعلم من مجرد اللفظ أنه وصية ، فأخبرنا الله بهذا أنه أمرنا به توصية ، وإما أن يكون غير وصية ، ولكن إنشاء الإيصاء بقوله { وصاكم به } وإنما أن يكون سمى ما أكل به الكلام كله أيضا ، لأنه أكله بذكر قل وتعالوا وأتل وحرم وربكم وعليكم ، وأكد لا تشركوا به شيئا نكرة فى سياق النفى إذ لم تذكر معرفة وأحسنوا بـ " إحساناً " وناب عنه ، أو تحسنوا بإحسانا ، وأكد { لا تقتلوا أولادكم من إملاق } بنحن نرزقكم وإياهم ، والزجر عن الفواحش بلا تقربوا ، وبما ظهر منها وما بطن ، والزجر عن قتل النفس بقوله { حرم الله } إذ لو قيل يعدلون ولا تشركوا به ، وأحسنوا بالوالدين ، ولا تقتلوا أولادكم من إملاق ، ولا تفحشوا ولا تقتلوا النفس إلا بالحق لكفى ، ومعنى التوصية بما أمر به ونهى عنه التوصية بالمحافظة عليهما بفعل المأمور به ، واجتناب المنهى عنه . { لعلَّكم تعْقِلُون } لتفهموا ما فى ما وصاكم به من المصالح ودفع المضار ، أو ليكمل عقلكم الغرزى بالاكتساب ، أو لترشدوا وتخرجوا عن حد السفه أو لتتدبروا .