Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 19-19)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قلْ } يا محمد لهؤلاء { أىُّ شئْ أكبَرُ شَهادةً } أى أعظم شهادة ، ولا يجدون أعظم من الله شهادة ، فإن قالوا الله أكبر شهادة صدقوا وقد شهد الله لك بالرسالة ، ولكن لا يقولون فى جوابك الله أكبر شهادة ، ولو علموا أنه أكبر شهادة ، بل يسكتون أو يقولون الله أكبر شهادة ، وينكرون أنه قد شهد لك . { قل } لهم لأنك على يقين من أمرك { اللهُ شهيدٌ بينى وبيْنَكم } برسالتى هو الذى أخبركم بها ، الله مبتدأ ، وشهيد خبره ، وبينى متعلق بشهيد ، أو خبر ثان أو نعت لشهيد عند مجيز نعت الصفة ، والله معلوم عندهم أنه أكبر شهادة ، فإذا شهد له فقد شهد لهُ من هو أكبر شهادة ، ففى كونه شهيداً تضمن لجواب أى شئ أكبر شهادة وزيادة وحكمة العدول ، إلى الجواب يكون الله شهيداً عن الجواب ، بأن الشئ الذى هو أكبر شهادة هو الله أن كونه أكبر شهادة معلوم لهُ لا ينكرونه ، فأخبر أنه شهيد كذبتم أو صدقتم ، لأن الله قد شهد له ، فما له إلا أن يكتفى بذكر شهادة ، ولو أنكروا أن يكون قد شهد له . ويجوز أن يكون الله مبتدأ خبره محذوف ، أى الله أكبر شهادة ، فهذا جواب فى قوله { أى شئ أكبر شهادة } أجاب به ، هو أيضا لأنه لابد أن الله عنده أكبر شهادة ، فلا يلزم التوقف حتى يكون هم المجيبون ، وعلى هذا فيكون شهيد خبراً ثانيا ، والأول محذوف كما رأيت أو شهيد خبر لمحذوف ، أى هو شهيد ، والجملتان محكيتان بالقول ، وهذا الوجه هو مختار القاضى ، وفى الآية دليل على أنه يجوز أن يقول الله شئ ، لأن قوله { قل الله } أو مع ما بعده وقع جواب لقوله { أى شئ } ومثله استثناؤه تعالى من كل شئ فى قوله تعالى { كل شئ هالك } والأصل فى الاستثناء الاتصال ، وقيل لا يقال الله شئ إلا أن يراد لا كالأشياء . { وأوحِى إلىَّ هذا القُرآن لأنذِركُم بهِ ومَنْ بَلَغ } عطف من كل كاف أنذركم ، فكأنه قيل لأنذركم به وأنذر من بلغه ، فالرابط هاء محذوفة ، وضمير بلغ عائد إلى القرآن ، أى أى أنذر بالقرآن من بلغه القرآن ، وزعم بعض أن المراد ومن بلغ الحكم ، وفى الكلام حذف آخر ، أى لا تذكركم به ، وأبشركم به ، وأنذر به من بلغ وأبشر ، والخطاب لأهل مكة فيكون قوله { ومن بلغ } لغيرهم من الجن والإنس والعرب والعجم الموجودين فى ذلك الزمان ، أو بعده ، ودخل فيه من يوحد بعد من أهل مكة أو الخطاب للموجودين فى الدنيا كلها حال النزول من أهل مكة وغيرهم من الجن والإنس العرب والعجم ، فيكون قوله { ومن بلغ } لمن يوجد فى أى موضع منهم كلهم ، فإن القرآن منذر مبشر بما فيه ، ومعجز بفصاحته وبلاغته ، وأخبار الغيوب الموافقة . وعن مجاهد الخطاب للمؤمنين من العرب ، وقوله { ومن بلغ } بمعنى من أسلم من غير العرب ، قال محمد بن كعب القرضى من بلغهُ القرآن فكأنما رأى النبى صلى الله عليه وسلم وكلمه وسمعه ، وقال أيضا من بلغه القرآن فكأنما كلمه الله عز وجل ، قال سعيد بن جبير من بلغه القرآن فكأنما رأى محمداً صلى الله عليه وسلم . قال الغزالى فى الإحياء ينبغى للتالى أن يقدر أنه المقصود بكل خطاب فى القرآن ، فإن سمع أمراً أو نهياً قدر أنه المنهى والمأمور ، وكذا إن سمع وعداً أو وعيداً ، وكذا ما يقف عليه من القصص ، فالمقصود به الاعتبار ، قال تعالى { وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك } وقال تعالى { هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين } وقيل الخطاب لعباد الأصنام ، وقيل المراد به قوم من اليهود ، قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما نعلم مع الله إلهاً غيره ، فقال لهم لا إله إلا الله ، وبذلك أمرت فنزلت الآية آمرة له بالإعلان بالتبرؤ من الشرك ، ولم يصح هذا . وفى الآية دليل على أنه من حلف لا يكلم فلاناً ، فأرسل إليه كلاماً فى كتاب أو برسول فقرأ الكتاب أو قرئ عليه ، أو سمع كلام الرسول حنث ، لأن ذلك بلاغ ، ومن حلف أن يكلمه ، فكان ذلك بر هذا ما ظهر لى ، وفيه دليل على أنه من لم يبلغه أن الله أنزل القرآن لم يكلف العمل بما فيه ، ويكلف بالتوحيد ، وذلك فى زمنه صلى الله عليه وسلم وبعده إلى يوم القيامة ، وعندنا يعذر من كان على دين نبى ، ولم تبلغه الدعوى ، فلا يقاتل المشركون أو يسبوا ويغنموا إلا أن دعوا ، لأن الله تعالى قال { ومن بلغ } فالدعوة لابد منها إلى يوم القيامة . قال أنس بن مالك لما نزلت هذه الآية ، كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر والنجاشى ، وكل جبار يدعوهم إلى الله عز وجل ، فالآية مدنية ، ولا مانع من أن يكون ذلك فى مكة أيضاً ، لكن أنس بن مالك مدنى ، فإن كان ذلك بمكة أيضاً ، فلعله رواه عن غيره . وعن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من بلغه أنى أدعوه إلى أن لا إله إلا الله فقد بلغته الحجة وقامت عليه " وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال " يا أيها الناس بلغوا ولو آية من كتاب الله ، وأن من بلغ آية من كتاب الله فقد بلغ أمر الله أخذه أو تركه " أى عمل بما بلغه إلى غيره ، أو لم يعمل ، وعن عبد الله بن عمرو ابن العاص ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " بلغوا عنى ولو آية ، وحدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب علىَّ فليتبوأ مقعده من النار " أى كل ما سمعتم عن بنى إسرائيل من التعاصى فهم أكثر مما سمعتم . وعن ابن مسعود سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " نضَّر الله امرأ سمع شيئا فبلغه كما سمعه فربّ مبلغ أوعى من سامع " وعن زيد بن ثابت ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " نضَّر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره ، فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه ليس بفقيه " ومعنى نضر بالضاد المعجمة غير مشالة وهى مشددة بهجه ونعمه ونوَّره ، ومعنى الحديث أن حامل الفقه إلى غيره قد يكون لا يحقق معانى ما يحمل ولا يعمل بها ، وسامعه يحقق ويعمل ، قال ابن عباس تسمعون ويسمع منكم . وهذه الأحاديث كلها أدلة على أن الدعوة تتجدد ، وهى متصلة غير منقطعة كما زعم بعض أنها قد تمت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقتل المشركون ويسبون ويغنمون بلا دعاء ، لتقدم دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الربيع بن حبيب ، عن أبى عبيدة ، عن جابر بن زيد " بلغنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عليّاً فى سرية فقال " يا على لا تقاتل القوم حتى تدعوهم وتنذرهم وبذلك أمرت " قال وجئ بالأسارى من حى من أحياء العرب ، فقالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دعانا أحد ، ولا بلغنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم آالله ، فقالوا أى والله ، فقال خلوا سبيلهم ، ثم قال " حتى تصل إليهم دعوتى ، فإن دعوتى تامة لا تنقطع إلى يوم القيامة " ثم تلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { وأوحى إلى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ } " الآية . قال ابن عمر والحسن إن دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تمت فى حياته ، وانقضت بعد موته ، فلا دعوة اليوم ، قال الربيع ، قال أبو عبيدة الدعوة غير منقطعة إلى يوم القيامة إلا من فجأك بالقتال ، فلك أن تدفع عن نفسك بلا دعوة . { أئنَّكم } بتسهيل الهمزة الثانية ، وقرئ بإدخال ألف بين المحققة والمسهلة ، وقرأ الجمهور بتحقيق الهمزتين { لتشْهدُون أنَّ مَع الله آلهةً أخْرى } هذا من جملة ما حكى بالقول من قوله { قل الله شهيد } فكأنه قيل قل لهؤلاء المشركين أئنكم لتشهدون ، والاستفهام توبيخى أو تقريرى . { قُلْ لا أشْهَد } بما تشهدون { قُلْ إنما هُوَ } أى الله { إلهٌ واحدٌ } لا إله معه { وإنَّنِى برئٌ مما تشْرِكُون } أى من إشراككم على أن ما مصدرية ، أو مما تشركونه ، أى من الأصنام التى تشركونها ، على أن ما موصولة اسمية ، أوجب الله عز وجل التوحيد من ثلاثة أوجه بل أربع الأول قوله تعالى { أئنكم لتشهدون } لأنه توبيخ على الإشراك ، وإنكار لثبوت الشريك . الثانى قوله تعالى { قل لا أشهد } . الثالث { قل إنما هو إله واحد } بأداة الحصر الإصطلاحية ، وهو إنما ، وهو مبتدأ وإله خبره ، وواحد نعت أو خبر ثان أو بالحصر المطلق اللغوى ، وهو كل لفظ أفاده كقط وحسب ، وأخص وأقصر ، وذلك بأن نجعل إنما إن واسمها وهو مبتدأ عائد إلى ما الموصولة التى هى اسم إن ، وإله خبر مبتدأ ، والجملة صلة ما ، وواحد خبر إن الذى هو إله يكون واحداً ، ولا يكون متعدداً . الرابع قوله { وإننى برئ مما تشركون } وينبغى لمن أسلم من الشرك أن يقول بعد الجمل ثلاث وأبرأ من الأصنام التى يشركها المشركون ، ومن إشراك غير الله به ، ومن كل دين سوى دين الإسلام .