Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 3-3)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وهو الله فى السَّموات وفى الأرْضِ } الضمير عائد إلى الله ، على معنى العلمية ، وخبره الله على معنى الوصفية ، ولذا تعلق فى به أى وهو المعبود فى السموات وفى الأرض ، أو هو المستحق للعبادة فى السموات وفى الأرض ، أو وهو المسمى فى السموات وفى الأرض بإلهاً ، ولا يجوز أن يتم الكلام عند قوله " هو الله " ويعلق فى السموات بيعلم بعده ، لأنه يكون الكلام بمنزلة قولك الله الله باتحاد المبتدأ والخبر لفظاً ومعنى ، بخلاف الوجه الأول ، فإنهُ لو تكرر فيه تنزيلا لكن اللفظ الثانى وصف معنى بمعنى المعبود أو المستحق أو المسمى ، وأما ما فى الوجه الثانى فكلاهما بمعنى الذات الواجب ، اللهم إلا أن يؤل بقولك الله من قد علمتم ، أو الله هو العظيم المعروف ، ففى هذا التأويل فالله خبر وقوله { يعْلَمُ سرَّكم وجَهْركُم } خبر ثانٍ ، ويجوز أن يكون الله بدلا من هو ، وصح لوجود الاختلاف بالإظهار والإضمار ، كوجوده بالأخوة ، ولفظ زيد فى جاء زيد أخوك ، وجملة يعلم خبر ، وفى متعلقة بيعلم ، وصح تعليقها به ، لأن السر والجهر يعلمهما الله سبحانه هما فى السموات والأرض ، فلا يمنع من ذلك كونه تعالى لا تحويه السموات والأرض ولا شئ من المخلوقات ، وهذا كقولك ألقيت المال فى الدار ، وإنما ألقيته من خارج الدار ، ولست فيها حال الإلقاء ، وكقولك رميت طائراً على شجرة ، وتعلق على برميت ولست حال الرمى عليها ، والأولى فى مثل رميت طائراً على شجرة أن يكون على شجرة متعلقا بمحذوف نعت لطائر ، أو لو جئ بطائر معرفة ، أو خصص كان على شجرة متعلقاً بمحذوف حال منه ، ولا يتعلق فى بسر لأنهُ مصدر لا يسبقه معموله ، نعم أجازه بعض لأن المعمول ظرف ، ولا سيما أنه ليس هنا على معنى انحلاله إلى فعل ، وحرف الموصول فصلا عن أن يقال يلزم تقديم معمول الصلة على الموصول ، ولا يتعلق بجهر لذلك على ما ذكرت فيه ، لكن فيه مانع آخر وهو العاطف ، ومعمول المعطوف لا يسبق العاطف . ويجوز أن يكون الله بدلا ، وفى السموات خبر ، ويعلم خبر ثان مفسر للاستقرار ، فإن كون الله فى السموات وفى الأرض بمعنى علمه فيهما ، فإن علمه سرنا وجهرنا وكسبنا ، يفهم منه علمه سر ما فى السموات وجهره فهم مساواة تحقيقاً ، وفهم أولوية نظراً لبادئ الرأى ، ثم والله رأيت بلا مطالعة أن القاضى قال يعلم سركم وجهركم بيان وتقرير للاستقرار الذى فى قوله فى السموات ، إذا جعل فى السموات خبراً ، وزاد أنه قال إن الله تعالى لكمال علمه بما فى السموات والأرض كأنه فيهما ، وبالجملة فإن الله وله الحمد أولاً وآخراً ، ظاهراً باطناً ، فتح لى فى هذا التفسير فتحاً ظاهراً واسعاً ، وأرجو من الله الرحمن الرحيم القبول ، ومن الجملة ما فتح لى فيه ، وله الحمد على كل حال ، أنه إذا أخطأ قلبى أو نسيت شيئا وفق بصرى أن يقع عليه بلا قصد منى إليه ، ولا قصد درس ، ولا قصد تصحيح فأصلحه ، والسر ما فى القلب أو ترك به اللسان ولم تسمعه أذن صاحب اللسان ولا غيره ، ولم يمكن سمعه ، والجهر ما نطلق به اللسان قدر ما تسمعه أذنه أو غيره ، ولو لم يكن معه إنسان آخر وسركم ما قصدتم إخفاؤه من كلام أو فعل ، ولو اجتمع عليه اثنان أو أكثر ، والجهر ما لم يقصد إخفاؤه . قال الحسن اجتمع أربعة أملاك فى وسط الأرض ، فقال أحدهم جئت من السماء السابعة من عند ربى ، وقال أحدهم جئت من الأرض السابعة من عند ربى ، وقال أحدهم جئت من المشرق من عند ربى ، وقال أحدهم جئت من المغرب من عند ربى ، يعنون والله معنا أيضا هنا وفى كل مكان بلا حلول ولا احتواء ، ثم هو الأول إلى عليم . { ويعْلَم ما تكْسِبُون } من خير أو شر فيجازيكم عليه ، ولا تكرر لهذا مع السر والجهر ، لأن السر والجهر بالمعنى المصدر ، أى يعلم أنك أسررت وأنك أجهرت ، ويعلم ما أسررته وما أجهرت به ، وهما ما كسبت أو السر والجهر فى النطق ، وما تكسبون فى الفعل والترك على عمومه بحيث يشمل النطق ، فيكون ذكر العام بعد الخاص ، أو السر والجهر ما يخفى وما يظهر من أحوال الناس ، وما تكسبون أعمال الجوارح قاله القاضى ، وما موصول اسمى أو حرفى بحسب ما يصلح له من التأويل بأوجهه ، فإن القول مثلا تضيفه للسر أو الجهر باعتبار إظهاره وعدم إظهاره ، وتصفه بأنه كسب باعتبار أنه عمل يجلب شراً أو خيراً ، ويجوز أن يراد بالجهر والسر ما يعم القول والفعل ، وبما تكسبون ما يترتب على العمل المجهور به أو السر من ثواب وعقاب فما موصولة اسمية لا حرفية .