Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 6-6)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ألم تَروْا كَم أهْلَكْنا قَبْلهم مِنْ قَرنٍ } القرن أهل عصر فيه نبى أو فائق فى العلم كان العصر قليلا أو كثيراً ، فالقرن أهل ذلك العصر لا نفس العصر ، وهو مأخوذ من قرنت الشئ بالشئ ، فأهل العصر اقترنوا بعض ببعض لاحتواء الزمان عليهم ، أو اقترنوا زمانهم ، أو بأمة قبلهم وبعدهم إذ تعاقبوا ، وقيل القرن عشرة أعوام ، وقيل عشرون ، فهكذا العقود كلها أقوال إلى مائة ، وقيل مائة وعشرون ، وأطلت الكلام على ذلك فى شرح المخمس لأبى نصر رحمهُ الله ، وعلل القول بأنهُ سبعون عاماً لأنها أغلب أعمار الناس ، والقول بأنه مائة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبعض الصحابة " تعيش قرناً " فعاش مائة سنة ، وهو عبد الله بن بشر المازنى ، وصحح هذا . والقرن فى هذه الأقوال نفس الزمان ، فيقدر مضاف ، أى من أهل قرن ، أو سماهم باسم زمانهم ، سمى الزمان قرناً لاقترانه بزمان قبله ، وزمان بعده ، أو بأهله ، والقرون المهلكة كقوم نوح ، وقوم عاد ، وثمود ، وكم للتكثير خبرية مفعول مقدم لأهلكنا ، ومن قرن بيان لكم نعت لها ، وجملة أهلكنا مفعول ليروا ، سوغ تسلطه على الجملة تعليقه عن نصب مفردين ، أو مفرد وجملة بالاستفهام وذلك المفعول قائم مقام المفعولين ، إذ الرؤية علمية ، ويجوز أن يكون بصرية لأنها تعلق أيضا ، ومعنى رؤيتهم أنهم أبصروا مساكين المهلكين ، والعلمية أولى . { مَكَّنَّاهُم فى الأرضِ مَا لَم نُمكِّن لَكُم } ثبتناهم فى الأرض تثبيتاً لم نثبته لكم ، أو ثبتناهم فى الأرض التثبيت الذى لم نثبته لكم ، فالتمكين الأول بمعنى التثبيت المتعدى لمفعول غير المفعول المطلق ، وللمفعول المطلق الذى هو ما الموصولة ، أو الموصوفة الواقعة على التمكين بمعنى ، والثانى متعد إلى مفعول هو ضمير المصدر محذوف على أنه مفعول به رابط الصلة ، أو الصفة ، بمنزلة قولك مكناهم تمكيناً لم نوقعه لكم ، أو التمكين الذى لم نوقعه لكم ، ولا يصح رد جعلها موصولة بأنها لا تقع نعتاً للمعرفة ، لأنا إذا جعلناها موصولة لم نجعلها نعتاً للمعرفة ، بل نقول هى واقعة على التمكين ، وهذا كما تقول فى جاء الذى قام إن الذى واقع على الرجل ، وإنما نجعل التمكين منعوتاً إذا عبرنا بالذى ، وذلك من مكن شئ فهو مكين أى متين وقوى . ويجوز أن يكون مكنَّاهم بمعنى أعطيناهم ، فما مفعول به ثان واقعة على القوى ، والجسمية والأموال والآلات والعدد والعدة أعطيناهم من ذلك ما لم نعطكم ، وعدى نمكن لا ثانى لواحد محذوف ، أى نمكنه وضمن معنى ندفع ، فعدى الآخر باللام أى ما لم ندفعه لكم . { وأرْسَلنا السَّماء عَليْهِم مِدْراراً } السماء بمعنى المطر ، سمى سماء لأنه يجئ من جهة السماء ، أو لأنه كان الماء قبل إرساله غالباً مضلا ، وكل عال مفضل من فوق يسمى سماء ، أو السماء لمعنى السحاب على حذف مضاف ، أى ماء السحاب ، أو السماء لمعنى السماء الدنيا ، أو لمعنى الفلك المحيط ، فإن الماء ينزل من السماء ، أو من الفلك إلى الأرض ، فيقدر مضاف أيضا ، أى ماء السماء أو ماء الفلك ، ونزل نزول بكثرة بنزول السحاب نفسه ، أو السماء نفسها ، أو الفلك نفسه على طريق العرب فى المبالغة ، ومدراراً متتابعاً بكثرة حال ، والسماء صفة مبالغة من الدر بمعنى التتابع ، وذلك من در اللبن دروراً هو دار ، أى كثر ورده على الحالب ، والخطاب فى لكم لمشركى قريش على طريق الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ، والغيبة فى عليهم لهم أيضا على طريق الالتفات من الخطاب إلى الغيبة ، هذا ما ظهر ، وقيل الخطاب للمؤمنين ، وقيل لهم وللناس المعاصرين لهم من أى جنس . { وجَعَلنا الأنْهار تَجْرى مِنْ تَحْتِهِم } أى من تحت أشجارهم على حذف مضاف ، أو المراد يجريها من تحتهم الكناية عن كثر أو كثيرة ماؤها ، فكان يسيح فى أكثر أرضهم ، ويطئون ماءه ، فعاشوا فى الخصب والريف والثمار ، ولم يشكروا النعم ، بل انهمكوا فى الذنوب . { فأهْلكْناهُم بذنُوبِهِمْ } ولم نغن عنهم قواهم ومالهم وجاههم وعددهم وعدتهم شيئاً ، والمراد بالإهلاك بذنوبهم إماتتهم بالإغراق والريح والصيحة وغير ذلك بسبب ذنوبهم . { وأنشأْنا مِنْ بَعْدهم } بعد إهلاكهم { قرناً آخَرِينَ } عمرنا بهم البلاد ، فاحذروا أن نهلككم ونبدّل بكم غيركم .