Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 70-70)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وذَرِ الذِينَ اتَّخذوا دينَهم لعباً ولَهواً } أى ترك مخالطتهم إلا لهم كحاجة لا بد منها ، وكأمر ونهى ، أو لا تبال بأفعالهم وأقوالهم فلم تضرك وبالها عليهم لا عليك ، ويجوز أن يكون ذلك تهديداً لهم ، وبه قال مجاهد كقوله تعالى { ذرنى ومن خلقت وحيداً } ومن قال كقتادة المعنى لا تقاتلهم على خوضهم وشركهم ، قال نسخ ذلك بآية السيف ، ومعنى اتخاذهم دينهم لعباً ولهواً أنه لا بد لكل أحد مكلف من دين هو دين الحق ، وهؤلاء اتخذوا دينهم غير دين الحق ، إذ جعلوه لعباً ولهواً ، والحاصل أنهم أحبوا أن يكون لهم دين فجعلوه أمراً يلهون به عن الحق ويلعبون به ، ولا ثمرة لهم منه ، وهو عبادة الأصنام ، وتحريم البحائر والسوائب ونحو ذلك مما مرجعه إلى التشهى والتقليد . ويجوز أن يكون المراد بدينهم دينهم الذى فرض عليهم الله تعالى ، ونسب إليهم بلزومه إياهم ، ومعنى اتخاذهم دين الله لعباً ولهواً استهزاءهم به ، ويجوز أن يراد بالذين العيد ، أى اتخذوا عيدهم لهواً ولعباً ، كانوا يلهون ويلعبون فى عيدهم ، ومن شأن العيد العبادة ، فالمشركون كلهم أهل الكتاب وغيرهم يلهون ويلعبون فى أعيادهم ، بخلاف المسلمين ، فإن أعيادهم للصلاة والتكبير ، وزكاة الفطر والضحايا ، وذكر الله والخطبة ، والاستماع لها ، وحضور الجماعة ، فمن فعل فى عيده لعباً ولهواً فقد تتبع سنن من قبله من أهل الكتاب ، إلا من قصد برميه أو إجراء فرسه أو نحو ذلك التدرب على الجهاد ، ويسمى العيد ديناً لأنه يعتاد ، ومن معانى الدين العادة . @ * أهذا دينه أبداً ودينى * @@ ولعباً مفعول ثان ، ويجوز أن يكون اتخذوا بمعنى اكتسبوا ، فيكون لعباً مفعولاً لأجله ، أى اكتسبوا ما هو دينهم ليلهوا به ويلعبوا ، ويجلبوا مر الدنيا كالرياسه والمال ، ولما لم تكن لذلك منفعة فى الآخرة كان لهواً ولعباً ، أى لا تجالسوا أهل الخصومات فإنهم الذين يخوضون فى آيات الله ، وعنه صلى الله عليه وسلم " أنا زعيم ببيتٍ فى ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقاً ، وببيت فى وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مزاحاً ، وببيت فى أعلى الجنة لمن حسن خلقه " وعنه صلى الله عليه وسلم " من جعل الهموم هما واحداً هم المعاد كفاه الله هم الدنيا ، ومن تشعبت به الهموم هموم الدنيا لم يبال الله تعالى فى أى أوديتها هلك " . { وغرَّتْهم الحياةُ الدُّنيا } خدعتهم بزخرفها ، فأقبلوا إليها وتركوا الآخرة ، وقد أنكروها وتوهموا أن ما أعطوه فى الدنيا أعطوه لكرامتهم على الله { وذَكِّرْ بهِ } أى ذكر المشركين بالقرآن أو بدينهم المذكور فى قوله تعالى { اتخذوا دينهم } على أن المعنى الدين الذى كلفهم الله به . { أن تُبْسل نفسٌ بما كَسَبَت } فى تأويل مصدر مفعول لأجله على حذف مضاف ، أى مخافة بسل النفس بما كسبته من الأعمال القبيحة والعقائد الزائفة ، أو بكسبها ، وهذا أولى من أن يقدر لئلا تبسل ، ويجوز تقدير عسى لتضمن التذكير معنى الزجر ، أى ذكرهم عن بسل النفس ، أى ازجرهم عنه بالقرآن أو بالدين ، ومعنى تُبْسل تسلم إلى الهلاك ، أى تترك له وتخذل له ، قاله الحسن وعكرمة ، فإذا ذكروا انزجروا عما يوجب إسلامها إلى الهلاك ، ويجوز أن يكون بمعنى تمنع عن مرادها فى الجملة وهو الخبر ، فبقوتها فى يوم البعث ، يقال أبسله وبسله أى خذله وتركه لسوء ، أو منعه ما يجب . يقال أسد باسل أى مانع ، لأن فريسته لا تفلت منه ، والباسل الشجاع لامتناعه من قرنه ، ويقال هذا بسل عليك ، أى حرام كذلك النفس يحرم عليها خير الآخرة ولا يحل لها لكسبها ، وبسل وأبسل بمعنى رهن ، قال ابن عباس المعنى أن ترهن نفس فى النار بما كسبت فى الدنيا ، قال قتادة تحبس فى جهنم ، وقال مجاهد تمنع عن مرادها وتخذل وتسلم للهلاك ، وقال ابن زيد تبسل تجازى وتؤخذ ، وقيل تفضح ، ونسب لابن عباس ، ويجوز أن يكون تبسل فى تأويل مصدر مفعولا ثانياً لذكر أى ذكرهم به إبسال نفس كما يقال ذكره الآخرة وذلك فى جميع أوجه معانى تبسل وهى متقاربة ومتلازمة . { لَيسَ لَها منْ دُونِ اللهِ ولىٌّ ولا شفيعٌ } أى قريب يلى أمرها ، ويدفع العذاب وجلب الخبر قهراً ، ولا ذو جاه يجلب إليها الخير ويدفع الضر على سبيل التضرع ، والجملة مستأنفة ، قيل أو نعت لنفس . { وإنْ تَعْدل كُلٍّ عَدْلٍ } أى وإن تعدل هى ، أى وإن تعدل النفس كل عدل ، أى وإن تفتدى النفس كل افتداء أى وإن اجتهدت فى المجئ بعدلها ، أى بما يعادلها ويماثلها ، فيكون فى النار بدلها ، وتطلب أن يؤخذ منها كما تؤخذ أثمان الأشياء فى الدينا وأعواضها ، والعدل الفدية ، لأنها تعادل المفدى ، والمراد هنا المعنى المصدرى لا ما يفتدى به ، فكل مفعول مطلق ، وقال بعض العدل وتعدل كلاهما من باب العدل الذى هو ضد الجور ، فأما أن يريد هذا فى الآخرة كما يتبادر فلا إشكال ، لأنه لا تقبل فى الآخرة توبة ولا عمل ، وإن أريد فى الدنيا فلا شك أن توبة الكافر تقبل ، فلعل المراد أنها لا يقبل عدلها مع بقائها على الشرك . { لا يُؤخذ منها } أى لا يؤخذ العدل منها ، فضمير يؤخذ عائد إلى العدل بمعنى الافتداء ، أو ضد الجور ، أى لا يقبل منها ذلك كذا ظهر لى والله ثم رأيته والله للفخر والحمد لله ، فلا إشكال فى إسناد الأخذ إلى العدل بمعنى الافتداء ، إذ كان الأخذ بمعنى القبول ، وإنما يمنع إسناد الأخذ إلى افتداء إذا كان الأخذ بمعنى القبض ، لأن الأخذ بمعنى القبض حقيقة فى الجسم ، ويجوز أن لا يكون ضمير فى يؤخذ فيكون نائب الفاعل هو قوله منها ، أو مجرور من قولك زيد أخذ منه بالبناء للمفعول . { أولئكَ الَّذينَ أُبسِلُوا بما كَسَبُوا } لا تكرير ، لأن الأول أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يذكرهم مخافة أن يبسلوا وهذا إخبار بأنه قد وقع إبسالهم والإشارة إلى المشركين { لَهم شرابٌ من حَميمٍ } من ماء حار غلى بالنار غلية ، والشراب بمعنى المصدر ، أى يشربون من حميم ، فمن حميم متعلق بشراب أو بمعنى ما يشرب ، فمن حميم يتعلق بمحذوف ، والجواب نعت لشراب ، ومن على الأول للابتداء ، وعلى الثانى للتبعيض أو للبيان . { وعذابٌ أليمٌ } بنار جهنم ، ففى بطونهم ماء يشربون حار كالنار ، وأبدانهم تحرق من ظاهرها بالنار { بما كانُوا يكْفُرون } أى بكونهم يكفرون ، أو بكفرهم وما مصدرية بلا تنازع فيه شراب وعذاب ، وإن علق بقولهم أو باستقراره كفى عن ذلك كله ، وجملة لهم شراب من حميم تأكيد وتفصيل لقوله { أبسلوا بما كسبوا } قيل دعا عبد الرحمن ابن أبى بكر أباه أبا بكر رضى الله عنه إلى عبادة الأوثان ، فنزل قوله تعالى