Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 75-75)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وكَذلكَ نُرِى إبراهيم مَلَكوت السَّماوات والأرض } مثل هذا التبصير لبصر إبراهيم ، والإشارة إلى ما ذكر من رؤية إبراهيم آزر وقومه فى ضلال مبين ، وتعلق الكاف بها بعدها أو بمحذوف نعت مصدر محذوف ، أو تجعل اسما مفعولا مطلقاً إذ كانت نعتاً لمصدر محذوف كما رأيت ، وصحت الإشارة بذلك للمؤنث وهو الرؤية لتأويل المذكور ، وصح تشبيه الإراءة بالرؤية باعتبار ما يحصل من الإراءة وهو الرؤية ، أو باعتبار أن رؤية إبراهيم أباه وقومه فى ضلال مبين إنما هى بإراءة الله جل وعلا إياه ، أن أباه وقومه فى ضلال مبين . وقيل الإشارة إلى الإراءة فى قوله { نرى إبراهيم } وفيه ضعف ، لأن مثل هذا مما فيه الإشارة والتشبيه للشئ بحيث يكون على صورة تشبيه الشئ بنفسه ، يتقدم فيه المشار إليه نحو صحح الله جسمى ، وعلمنى ورزقنى ، وهدانى للإسلام ، كذلك أكرمنى الله إذا أشرت إلى التصحيح والتعليم والرزق والهدى ، ووجه ذلك أن وصف الشئ قد يخالف حقيقته بقصد من المتكلم ، لأن المخاطب لا يحقق ما خوطب به ، أو لأن المتكلم لا يقدر على الوصف الحقيقى لعظمة الموصوف أو لقصوره أو تقصيره ، فكأنه قيل ذلك على نحو ما وصفته ، وترى بلفظ مضارع الحال مع أن الإراءة قد مضت تصويراً للماضى منزلة ما حضر لمزيد تحقيقه ، كما يحقق الشئ الشاهد ، وملكوت مفعول ثان ، وقرئ { وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض } بمثناة فوقية ، وفتح الراء ونصب إبراهيم ورفع ملكوت على أنه نائب الفاعل ، لكن من نيابة المفعول الثانى ، وهذه الإراءة بصرية تعدت لاثنين الأول بالهمزة من قولك أراءة ، والثانى بنفسه قبل الهمزة ، ولكونها بصرية تعدت لاثنين فقط ، مع وجود همزة التعدية ، فإنه رأى الملكوت ببصره ، وقد يقال إنها من علم العرفان المتعدى لواحد ، فتعدى الأخر بنفسه . هذا ما ظهر لى فى تحرير المقام ، قال سلمان الفارسى ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد هذه الرؤية التى أراه الله إياها ، ملكوت السماوات والأرض رؤية عين ، انفرجت له السماوات والأرضون ، ورأى مكانه فى الجنة ورأى العرش والكرسى ، وما فى السماوات من العجائب ، ونظر إلى أسفل الأرضين وما فيهن من العجائب ، فذلك ملكوت السماوات والأرض ، أقامه الله على صخرة فكشف له عن ذلك ، وبذلك قال على بن أبى طالب ، وعنه وعن سلمان أنه لما رفع إبراهيم ليرى ملكوت السماوات والأرض رأى رجلاً يزنى ، فدعا عليه فهلك ، ورأى آخر يسرق ، فدعا عليه فهلك ، فرأى آخر يعصى ، فدعا عليه فهلك ، فرأى رابعاً فأراد الدعاء عليه فأوحى الله إليه دع عنك عبادى ، فإنك لم تخلقهم ، وإنك مجاب الدعاء فلم يهلك الرابع ، وقيل هذا فى الثالث فلم يهلك الثالث إما أن يتوب عبدى فأغفر له ، وإما أن أخرج من صلبه ذرية تعبدنى ، وإما أن يبعث إلىَّ فلا يفوتنى عذابه ، وفى رواية وإما أن يتولى فإن جهنم من ورائه . والحديث أنه رفع إلى جهة السماء ، وقيل رفع إلى السماوات ولم يجاز السدرة ، وقيل لم يرفع بل نظر من الأرض وقوى الله بصره على كل قول ، وكشف له ، وقال قتادة ملكوت السماوات الشمس والقمر والنجوم ، وملكوت الأرض الجبال والشجر والبحار ، كشف الله عنهن وقوى نظره ونظر ما لم يقو على نظره غيره ، وقيل رؤية بصر فى ظاهر الملكوت وقع له معها فى الاعتبار ، ورؤية القلب ما لم يقع لأحد من أهل زمانه ، ونسب هذا لابن عباس رضى الله عنهما وغيره ، وقيل رؤية قلب رأى ملكوت السماوات والأرض بفكره ، وهو الأنسب بلفظ ملكوت ، لأنه يقال ملكوت فى الملك الباطن ، وقال من قال رؤية بصر أنه يقال أيضا فى ملك الحس ملكوت إذا عظم ، يقال لفلان ملكوت اليمن ، وملكوت العراق ، ولعله إنما يقال ذلك إذا أريد ما بطن من نفس التصرفات ، ثم إذا أريد بملكوت السماوات ما بطن من ملكها فالإضافة للتبعيض أو بشبهه ، أو الظرفية ، وإن أريد نفسهما فالإضافة للبيان ، أى ملكوت هى السماوات والأرض ، والواو والتاء على كل حال للمبالغة ، ومثله الرغبوت والرهبوت والرحموت والجبروت ، وهو بمعنى نفس المملوكات ، وقيل بمعنى القدرة والسلطنة ، ثم رأيت عن الراغب أن الملكوت مختص لملك الله تعالى ، فقولهم فلان له ملكوت اليمن وملكوت العراق مجاز لاستدلال على استقلاله فى السلطنة الظاهرة . { وليَكونَ من الموقنينَ } عطف على محذوف ، والمحذوف متعلق بنرى ، فكلاهما متعلق به أى وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض ليستدل بها على وجودنا ووحدانيتنا ، وليكون من الموقنين ، إذ متعلق بمحذوف ، والمحذوف معطوف على نرى أى وفعلنا ذلك له ليكون من الموقنين ، أو وأريناه ذلك ليكون من الموقنين ، والموقن من لم يكن فى علمه شبهة ، سواء كانت وزالت أم لم تكن ، وقيل إن كانت وزالت بنظر تأمل ومشاهدة بتحقيق قلب ، وليس كل من رأى السماوات والأرض قد تحقق ، فإن أكثر الناس يشاهدونهن ولا يتحققون ، ولذلك لا يتعظون ، " وكان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول " اللهم أرنا الأشياء كما هى " ولما رجع من الإسراء رأى هولا وأصواتا ودخاناً تحت السماء الدنيا ، فقال " يا جبريل ما هذا ؟ " فقال " الجن تحوم لئلا ترى أمتك ملكوت السماوات " وعن ابن عباس رضى الله عنهما وليكون من الموقنين للأمر سره وعلانيته ، خبره وحسه ، فلم يخف عنه أمر الخلائق ، ولذلك ظهر له معصية العاصين ، فجعل يلعنهم فقال الله تعالى إنك لا تستطيع هذا فرده لا يرى أعمالهم .