Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 92-92)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وهَذا كتابٌ } أشار إلى القرآن { أنزلْناهُ } خبر ثان { مُباركٌ مُصدقُ الَّذى بَيْن يَديْه } خبر ثالث ورابع ، أخبر بأن الله أنزلهُ ليعلموا أن تركيب كلماته من الله تعالى ، فإعجازه بألفاظه ومعانيه من الله تبارك وتعالى لا من رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومعنى مبارك أن الله جعله كبير الفوائد والنفع ، صاحب بركة ، والبركة زيادة الخير ، وفى كونه منزلا مباركاً دلالة على كونه مخلوقاً ، إذ نقل وصبر ، وإن قالت الأشعرية المنزل المبارك هذه الألفاظ ، وقالوا إنها ليست قرآنا ، وإن القرآن مسماها وهو معنى قائم بنفس الله سبحانه عن مقالتهم ، لزم أن القرآن لم ينزل ، بل نزل ذاته فشابه قولهم قول فنحاص ومالك ابن الصيف ، ما أنزل الله على بشر من شئ ، ولزم أن الله محل فوالله الذى لا إله سواه ، ما رأيت ديانتهم فى مثل هذا الأخطاء . والعلم إما نظرى ، وأشرف هذه النوع معرفة الله عز وجل ولا يوجد منه فى غير القرآن من كتب الله ، ما وجد فى القرآن ، وإما عملى بالجوارح ، وإما عملى بالقلب وهو علم الأخلاق وتزكية النفس وهما فيه أكثر منهما فى غيره ، ومعنى كونه مصدقا لما بين يديه من كتب أنه موافق له فى أصول الشرائع وما لا ينسخ ، وفى الكثير من الفروع وما تختلف فيه فقد وافقها بأن كلا من الله ، وأن كلا حكمة من الله لأهل زمانه ، ومن أرسل إليهم به ، وأن كلا منذر مبشر أمر ونهى أو نحو ذلك ، وأما ما نسخ القرآن منها ، فقد وافقه القرآن أيضا من وجه آخر هو أن الله جل جلاله كتب العمل به إلى أن يأتى نسخه بالقرآن ، فنسخه بالقرآن مصدق لهذا الأجل الذى فى علم الغيب عند الله تعالى واقع على ما نسخ ، والذى بين يديه التوراة والإنجيل وغيرهما من كتب الله . { ولتُنْذر أمّ القُرى } أى وأنزلناه لتنذر به أم القرى ، فهو متعلق بمحذوف ، ويجوز أن يكون من العطف على المعنى المسمى فى غير القرآن عطف توهم ، باعتبار أن المعنى وهذا كتاب أنزلناه للبركة ، وتصديق ما بين يديه ، ولإنذار أم القرى ، ففى هذا الوجه هو متعلق بأنزلناه المذكور بواسطة العطف ، وسميت مكة أم القرى لأنها قبلة أهل القرى ، فأهل كل قرية يستقبلون إليها فى الصلاة ، فهن فروع توابع وهى أصل متبوع ، وقيل لأنها أعظم القرى بركة ، فهكذا الآن ، أو البيت فيه أول ما يبنى على الأرض ، ثم رأيته للقاضى والحمد لله ، وقيل لأنه يجتمع إليها الحجاج ، وقيل لأن الأرض سقطت منها ، وعلى كل حال يقدر مضاف أى ولتنذر أهل أم القرى ، ولذلك عطف عليها الناس فقال { ومَنْ حَوْلها } أى ومن فى جوانبها من الناس فى بلادهم شرقاً وغرباً فى الدنيا كلها ، وقرأ أبو بكر عن عاصم ولينذر أم القرى بالمثناة التحتية ، أى ولينذر الكتاب ، واختار لفظ حولها إشارة إلى أنها بالأمومة صارت كأم تجتمع حولها أولادها وتلوذ ، والأم أصل لولدها ، فهى لكونها قبلة للقرى صارت كالأصل لسائر القرى ، وكالأم يجتمع ويقصدونها كما تقصد الأولاد أمهم ، ويجتمعون عندها ، ولما عظم شأنه صارت كالأم بالنسبة إلى الأولاد ، وأيضا بسط الأرض من تحتها شبيه بولادة الأم ولدها ، وأيضا البيت فيها أول بناء على الأرض ، فهو كالأم فى سبق الولد ، وأنه سبق البيوت . { والَّذين يُؤمنُون بالآخرة يؤمنونَ بهِ } أى بالكتاب وهو القرآن ، أو برسول الله صلى الله عليه وسلم ، والوجه الأول أولى ، والثانى يصح على الالتفات من الخطاب للغيبة ، ومعنى الإيمان بالآخرة الإيمان بالبعث للجزاء ، فإن من آمن به خاف العقاب ورجا الثواب ، فما يزال يجود النظر حتى يدرك بنور العقل والنظر أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن القرآن كتاب الله ، والإيمان بأحدهما إيمان بالآخر . { وهُم عَلى صَلاتهم يُحافِظُون } الإيمان ولو كان سبباً للمحافظة على جميع ما يكلف به ، لكن الصلاة عماد الدين ، وأعظم الفرائض بعد التوحيد ، وعلم التوحيد ، فخص المحافظة عليها بالذكر لذلك ، لأن المحافظة عليها تجلب المحافظة على غيرها من العبادات ، وتنهى عن الفحشاء والمنكر ، وعن النبى صلى الله عليه وسلم من رواية أبى بردة " بشر المشائين فى الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة " والفرائض فرضت فى الأرض إلا الصلاة ففى السماء ليلة الإسرء لمزيد شرفها ، فبعد الإسراء كل صلاة تذكر فهى الصلوات الخمس ، وقيله مراد بها ركعتان غدراً وركعتان عشياً وكان الإسراء قبل الهجرة بسنة عند بعض . وروى أن رجلا من الأنصار حضره الموت فقال إنى محدثكم حديثا ما أحدثكموه إلا احتساباً ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء ، ثم خرج إلى الصلاة لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله له حسنة ، ولم يضع قدمه اليسرى إلا حط الله عز وجل عنه سيئة ، فليقرب أو ليمد ، فإن أتى المسجد وصلى فى جماعة غفر له ، وأن أتى المسجد وقد صلوا بعضا وبقى بعض صلى ما أدرك وأتم ما بقى كان كذلك ، وإن أتى المسجد وقد صلوا فأتم الصلاة كان كذلك " وقال صلى الله عليه وسلم " من توضأ فأحسن وضوءه ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله عز وجل مثل أجر من صلاها أو حضرها لا ينقص ذلك من أجورهم " ذكر هذه الأحاديث الثعالبى عن أبى داود فى سننه .