Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 93-93)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ومَنْ أظْلم ممَّن افْترى عَلى اللهِ كَذباً } لا أظلم منهم إذ قال إن الله بعثنى نبياً كمسيلمة الكذاب ، والأسود العنسى من صنعاء اليمن ، أو قال إن الله حرم كذا وأحل كذا ، وهو ليس كذلك كعمرو ابن لحى ، وقد مر أنه أول من غير دين إسماعيل ، ونصب الأوثان ، وبحر البحيرة وسيَّب السائبة ، وشرع الوصيلة والحامى ، ومر أنهُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رأيته يجر قصبه فى النار " يعنى أمعاءه . { أو قالَ أوحِىَ إلىَّ ولَم يُوحَ إليْه شَئٌ } نائب أوحى هو قوله { إلىَّ } ونائب يوح هو لفظ شئ ، ويجوز أن يكون شئ نائب أوحى ، ونائب يوح ضمير مستتر عائد إلى شئ ، لأن شئ فى نية التقديم ، وذلك مثل ما روى أن عبد الله بن سعد بن أبى سرح ، كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما نزلت { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين } إلى قوله { ثم أنشأناه خلقاً آخر } " قال عبد الله تعجبا من تفضيل خلق الإنسان { فتبارك الله أحسن الخالقين } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اكتبها كذلك نزلت " فشك عبد الله ، فقال لئن كان محمد صادقاً لقد أوحى إلىَّ كما أوحى إليه ، وإن كان كاذباً لقد قلت كما قال ، فارتد ولحق بالمشركين ، ثم أسلم قبل فتح مكة ، والنبى صلى الله عليه وسلم نازل بمر الظهران ، وكان قبل ذلك حين كان يكتب له صلى الله عليه وسلم إذا أملى عليه سميعاً بصيراً كتب عليما حكيما ، وإذا أملى عليه عليما حكيما كتب غفوراً رحيماً ، والنبى صلى الله عليه وسلم يقرأ كما نزل ، والصحابة يقرءون كما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومن قال إن ذلك فى مسيلمة والأسود العنسى يقول الآية مدنية ، لأن الأسود قتله فيروز الديلى قبل موته صلى الله عليه وسلم بيومين ، ومسيلمة قتله خالد بن الوليد ، أو وحشى ، وتقدم الكلام على ذلك . { ومَن قَال سأنْزِل مثْل ما أنزلَ اللهُ } كالذين قالوا قد سمعنا لو شاء لقلنا مثل هذا ، وهم النظر بن الحارث ومن معه ، وقال عكرمة { ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو قال أوحى إلىَّ ولم يوح إليه شئ } فى مسيلمة ، وقوله { ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله } فى عبد الله بن أبى سرح ، ومن معطوف على من المجرورة بمن ، ووجه ذلك أنهُ من قال لو شئت لقلت مثل هذا يتضمن أنه إذا شاء قال مثله ، ولا يمكن مثل إلا بوحى ، فكأنه قال يوحى إلىَّ مثله ، وكذا فى ابن أبى سرح ، يعنى أنهما لم يقولا إن القرآن أنزله الله فكيف تفسير الآية بهما ، وفيها مثل ما أنزل الله ، ويجاب بأن المراد سأنزل مثل ما تقول إنه أنزله الله ، ويدخل فى الآية من نزلت فى شأن { ولو ترى } يا محمد أو بأن تمكن الرؤية منه . { إذ الظَّالمون فى غَمَرات الموتِ } مفعول ترى محذوف تقديره ولو ترى الظالمين إذ هم فى غمرات الموت ، ولما حذف أتى بالظاهر فى موضع هم ، فإذا يتعلق بترى ، وكون أن يقدر مفعول يتعلق به ، إذ أى ولو ترى الواقع إذ الظالمون ، وجواب لو محذوف يقدر بعد قوله { تستكبرون } أى لرأيت أمراً عظيماً ، وفى غمرات الموت خبر الظالمون ، والجملة مضاف إليها ، إذ والظالمون الذين ظلموا أنفسهم بالشرك لقوله تعالى { ولقد جئتمونا فُرادَى } رداً على إنكار البعث ، ولقوله تعالى { وما نرى معكم شفعاءكم } وغمرة الموت شدته الغالبة التى تغشى المختصر من جهاته ، استعارة من غمرة الموت إذا أغرقه ، وذلك على عمومه ، وقيل المراد بالظالمين المشركون المعهودون وهم اليهود ومن ادعى النبوة ، ويدخل غيرهم بالإلحاق والمعنى . { والملائِكةُ } ملائكة الموت { باسطُو إيدِيهِم } لعصر أرواحهم من أعماق أبدانهم بسط المديان المعين الملح على من له عليه الحق ، يقول له لا أبرح من الشمس إلى الظل حتى تقضى حقى ، ولو كان فيه ذهاب بصرك أو روحك ، أو فت كبدك ، وقيل باسطو أيديهم بالعذاب ، يضربون وجوههم وأدبارهم ، وبهذا قال ابن عباس ، والجملة حال من المستتر فى ترى ، أو فى قوله { فى غمرات } وباسطو اسم فاعل جمع جمع المذكر السالم ونونه حذفت للإضافة ، وكتابة ألفه بعد الواو مخصوص بالمصحف ، لأنها واو فى الاسم ، وبسط اليد كناية عن الطلب والتناول بها أو البطش ، لأنهُ من لم يقصد ذلك لا يمدها إلى غيره إلا لأمر مَّا . { أخْرِجُوا أنفُسكم } مفعول لقول محذوف ، وذلك القول خبر ثانٍ أو حال من المستكن فى باسطو ، أى باسطو أيديهم قائلون أخرجوا أنفسكم ، أو باسطو أيديهم قائلين أخرجوا أنفسكم ، وهذا الأمر للإهانة لا ليتمثلوه ، لأنه لا طاقة لهم على إخراج أنفسهم ، وأنفسهم أرواحهم ، لا يقدر الإنسان أن يخرج روح نفسه ، بل إهانة وتعنيف وتغليظ ، فإن مخرجها هو الله جل وعلا ، وهو الرحمن الرحيم بالمؤمنين ، والمسبب فى خروجها ملك الموت وأعوانه . وقيل المعنى أخرجوا أنفسكم من العذاب ، أى خلصوا أنفسكم منه وأنجوا إن قدرتم ، أو كان ما زعمتم فى الدنيا حقاً ، وهو أيضا إهانة وتعجيز وتوبيخ على سالف أعمالهم ، والصحيح الأول الموافق لرواية أبى هريرة ، عن النبى صلى الله عليه وسلم " الميت تحضره الملائكة فإذا كان الرجل الصالح قالت أخرجى أيتها النفس الطيبة كانت فى الجسد الطيب اخرجى حميدة وأبشرى بروح وريحان ورب غير غضبان ، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ، ثم يعرج بها إلى السماء ، فيفتح لها فيقال من هذا ؟ فيقولون فلان ، فيقال مرحباً بالنفس الطيبة كانت فى الجسد الطيب ادخلى حميدة ، وأبشرى بروح وريحان ورب غير غضبان ، فلا تزال يقال لها ذلك حتى ينتهى بها إلى السماء السابعة ، وإذا كان الرجل السوء وحضرته الملائكة عند موته قالت اخرجى أيتها النفس الخبيثة كانت فى الجسد الخبيث ، اخرجى ذميمة وأبشرى بحميم وغساق ، وآخر من شكله أزواج ، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج " وتمام مثل هذه الرواية والروايات الأخرى فى كتب الحديث والفروع ، ويجوز أن يكون ذلك من كلام الملائكة لهم فى النار ، أو فى عذاب قبل ذلك ، أو فى الحشر ، لأنهم يتمنون أن يموتوا ولا يرجعون للعذاب . { اليوم تُجْزَون عَذابَ الهُونِ } اليوم متعلق بتجزون ، وعذاب مفعول ثان ، وأضيف للهوان لأنه يحصل الهوان بالعذاب ، لأنه إذا عذب صار مهاناً لا عزله ولا نجاة ، ولأن العذاب يحصل إذا لم يكن من أهل العزة عند الله ، والهوان الذلة ، وللغراقة فى الهوان والتمكن منه ، والمراد باليوم وقت الموت ، إذ تشتد غمرات الموت عليهم ، أو زمان الآخرة من حين يموتون إلى الحشر ، وإلى دخول النار ، وإلى ما لا نهاية له ، فإنهم يعذبون فى ذلك كله إلا ما بين قيام الساعة والحشر ، وقال الحسن ذلك قول الزبانية لهم فى النار بعد دخولها . { بما كُنتم تقُولُون عَلى الله غَير الحقِّ } ما مصدرية أى بكونكم تقولون غير الحق على الله ، والباء سببية وغير الحق هو ادعاء الولد والشريك لله تعالى ، ودعوى النبوة والوحى ، لأن القريب الذكر هو ذلك ، واللفظ يعم أنواع الشرك { وكنتُم عَن آياته تَسْتكبرُون } عطف على كنتم تقولون إلخ ، ومعنى استكبارهم عن الآيات استحقارهم لها ، وتسفيههم إياها فيعرضوا عنها ، لا يتفكرون فيها فلم يؤمنوا .