Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 94-94)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ولَقدْ جِئْتُمونا فُرادى } كلام ليس من مقول الملائكة ، قاله الله لهم يوم ماتوا فإنهم جاءوا الآخرة منفردين عن أولادهم وأعوالهم ، وأخلائهم وأعوانهم ، وأصنامهم وجاههم ، أو جئتمونا للحساب والجزاء كذلك ، على أن هذا الكلام يوم الحشر ، أو يقوله لهم يوم الموت ليوم الحساب لتحققه بعد ، ولذا جئ بالماضى دون المضارع ، ويجوز أن يكون من كلام الملائكة ، يقولونه عن الله عند الموت أو عند الحساب ، فعلى أنه منهم عند الحساب يراد ملائكة العذاب ، يقول إنه لا ينفعكم فى الموت أو شدته أو الحساب ما ذكر ، وفرادى ممنوع من الصرف لألف التأنيث ككسالى ، والمفرد فرد على غير قياس . وقال ابن قتيبة جمع فردان ككسلان وكسالى ، أو قيل جمع فريد كرديف وردافى ، وقال الفراء جمع فريد أو فرد ، وتجمع الفردة أيضا على فرادى ، وقرئ فراداً بالتنوين والألف التى تكتب عند التنوين التى يقلب إليها التنوين ألفاً فى الوقف جمع فرد بفتح كرُخال بضم الراء جمع بكسرها وهو الأنثى من أولاد الضأن ، وهو غير مقصور ، وقرئ فراد بفتح الفاء والدال بلا ألف ولا تنوين ، منع الصرف للوصف والعدل عن فرد فرد ، وقرئ فردى بوزن كسرى بألف التأنيث وأنثوا وأفادوا بتأويل الجماعة ، وهو فى جميع القراءات حال من التاء . { كَما خلَقْناكم أوَّل مَرَّةٍ } نعت مصدر محذوف ، أى مجيئا ثابتا كخلقنا إياكم ، أو مجيئا ثابتا مثل خلقنا إياكم ، أو حال ثانية لتاء جئتمونا أى مماثلين بحالكم حال خلقنا إياكم أو مماثلة حالكم حال ابتداء خلقكم ، وحال من المستكن فى فرادى ، أو يتعلق بجئتمونا ، أو بدل من فرادى ، ووجه الشبه فى تلك الوجوه التفرد فى الخلق الثانى عن المال والولد والأصنام ، وغير ذلك مما كان يعتد به فى الدنيا ، أو مجرد الإيجاد بعد العدم ، أى كما قدرنا على خلقكم أولا كذلك قدرنا على بعثكم ، وقيل وجه الشبه أنهم يبعثون قلفاً كما خلقوا قلفاً ، وفيه ضعف إن أراد صاحبه تخصص ذلك فى التفسير ، وإن أراد التمثيل ببعض أحوالهم التى يبعثون عليها وعليها خلقوا صح . واختلفوا فى البعث هل هو رد أجزاء تلفت ، أو خلق مستأنف كالأول ؟ والصحيح القول الأول ، والخلاف فى من لم تأكله الأرض إذا قلنا إنه لا يفنون عند الساعة ، ثم يرجعون فى قبورهم ، ثم يبعثون ، واختلف أيضا فيما زاد من الإنسان قبل موته من شعر وظفر وجلد ولحم ، فقيل يرد فيه عند البعث كما هو ، وقيل مثله ، وقيل لا يرد ، وناسب التمثيل بالقلفة ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال " قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال " أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين " وما روى عن عائشة " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " يحشر الناس حفاة عراة غرلا " قالت فقلت الرجال والنساء جميعا ينظر بعضهم إلى بعض ؟ قال " الأمر أشد لا يهمهم ذلك " والغرل بضم الغين المعجمة وإسكان الراء المهملة جمع أغرل وهو الأقلف . ويجوز أن يكون معنى فرادى أعم مما ذكرناه ، حتى إنه يشمل انفراد قلب كل وبصره عن الآخر ، فلا يهتم الرجل بالنظر إلى عورة الرجل أو المرأة ، ولا المراة تهتم بالنظر كذلك ، كما قال صلى الله عليه وسلم " الأمر أشد أن يهمهم ذلك " " وكما أن عائشة رضى الله عنها قرأت قول الله تعالى { ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة } فقالت يا رسول الله واسوءتاه إن الرجال والنساء يحشرون جميعا يناظر بعضهم إلى بعض ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ، لا ينظر الرجل إلى النساء ، ولا النساء إلى الرجال ، اشتغل بعض عن بعض " . { وتَرَكْتم ما خوَّلناكُم } تركتم ما أعطيناكم من المال والولد والخدم والجاه والأعوان { وراء ظُهورِكُم } أى فى الدنيا ولم يحضر معكم فى الآخرة لينفعكم ، أو تركتم ما أعطيناكم فى الدنيا لتتوصلوا به إلى الآخرة فتركتموه وراء ظهوركم ، أى أعرضتم عن الانتفاع به للآخرة ، وشغلكم عن الآخرة ولو انتفعوا به للآخرة لكان لهم مخزوناً فى الآخرة ، وقد قدموه ولم يكونوا قد تركوه وراء ظهورهم ، قال الله تعالى { وما تقدموا لأنفسكم } الآية ، وقال صلى الله عليه وسلم " قدم مالك أمامك يسرك اللحوق ولا ينفع شئ مع الإصرار على الذنب " . { وَمَا نَرى مَعَكم شُفَعَاءكم الَّذينَ زعمْتُم أنهُم فيكم شُرَكاء } لله فى الربوبية والعبادة { لَقَد تقطَّعَ بيْنكُم } فاعل تقطع قبل محذوف ، والفاعل لا يحذف إلا للتقاء الساكنين أو للضرورة ، فكيف يحذف هنا ، وإنما قدره هذا القائل لقد تقطع ما بينكم ، فما فاعل نكرة موصوفة ليبين ، وكأنه ساغ ذلك لقيام الصفة مقامه ، وإنما ساغ قيامها مقامه ، مع أن الإعراب ليس فيه ، بل نفى على نصب الظرفية ، لأنه قد يحذف الموصوف المبتدأ وتقوم صفته الظرفية والجملية مقامه بدون أن تعرب بإعرابه ، ولم يفد المحذوف موصول ، لأن الموصول لا يحذف وتبقى صلته على المشهور وصححه ابن هشام وغيره ، ويدل لذلك قراءة ابن مسعود لقد تقطع ما بينكم ، أو الفاعل ضمير مستتر يعود إلى المعلوم من تقطع ، لأنه إنما يتقطع الوصل ، وبذلك قال مجاهد وغيره ، وهو واضح . وبين متعلق بمحذوف حال من المستتر ، أو يعود إلى التقطع المعلوم من تقطع ، أى تقطع التقطع ، على أن تقطع بمعنى وقع ، أى لقد وقع التقطع وإن أبقى كان الوصل ، لأن تقطع التقطع زواله فيجب الوصل ، وليس ذلك مراداً ، وذلك قراءة نافع والكسائى وعاصم من رواية حفص ، وقرأ غيرهم بينكم بالرفع هو قراءة أبى بكر عن عاصم على الفاعلية ، فتكون بين قيد تصرفت كما جرت على الإضافة فى قوله تعالى { فراق بينى وبينك } وقوله { مجمع بينهما } وقوله تعالى { شهادة بينكم } ورفعه على الفاعلية توسع من إسناد الفعل إلى ظرفه ، والأصل وقع التقطيع بينكم ، وقيل بين فى قراءة الرفع بمعنى الوصل ، على أنه من الأضداد تستعمل للوصل والفراق . { وضلَّ عنْكم ما كُنتم تزْعُمون } تزعمون أنه شريك لم يحضر لينفعكم ، بل غاب ولو حضر لم ينفعكم ، أو غاب نفعه ولو حضر فهى حاضرة لا تشفع لهم فهى كالغائب ، أو ذهب اعتقادكم أنه لا بعث ولا ثواب ولا عقاب .