Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 96-96)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فالقُ الإصْباحِ } شاق عمود الصبح عن الليل مظهر له من الظلمة ، والمفلوق هو الظلمة ، فلقها وأخرج منها الصبح ، وضمن الفلق معنى الإظهار ، فجعل الإصباح مفلوقاً أى مظهراً ، والإصباح مصدر أصبح ، سمى به الصبح ، وهو الضوء الذى يكون فى ذلك الوقت ، أو شاق الصبح عن بياض النهار ، أو بياضه هو أول ما يبدو من الفجر ، فيشق عنه الصبح وهو بياض أعظم ، ويشق الصبح عن الإسفار وهو أعظم والصبح ، فالمفلوق هنا على ظاهر وهو الإصباح بمعنى الصبح ، فإنه يشقه ويخرج عنه ضوء أعظم ، وإن قلت كيف يكون ذلك فى الوجهين شقاً وإنما هو إحداث لضوء بجانب ظلمة ، أو ضوء بجانب دونه ؟ قلت بل شق فى الوسط لا إحداث لضوء بجانب ، لأن البحر المظلم لا تضيئه الشمس كله بل بعضه ، فإذا لم تكن الشمس بحيث يظهر ضوءها فى طرف الباء والمحيط كله من جانب مطلع الفجر مظلم ، فإذا طلع الفجر فقد شقت الظلمة ، فبقى بعضها إلى ما توغل من المحيط ، وهو ما لا يصله ضوءها ، كما أنها إذا غربت انقطع المحيط الغربى ، بل من فوق وسطه ، فبعضه مضئ ، وبعضه المتوغل فى الغرب لا ضوء فيه أبداً ، وكذلك يكون الفلق على أصله ، إذا قلنا معنى فالق ، فالق الفجر الكاذب وهو الصبح الكاذب ، فإن الله يفلقه ويخرج منه الصادق ، وكذا إذا قدرنا مضافاً فقلنا فالق ظلمة الإصباح ، أى الظلمة الصحيحة ، فإن الظلمة هى المفلوقة ، فيخرج الصبح منها . وقيل فالق بمعنى خالق ، وفالق خبر ثان لإن ، أو خبر لمحذوف ، أى هو فالق الإصباح ، أو خبر ثان لاسم الإشارة ، وقرئ فالق الإصباح بنصب فالق على المدح ، وجاعل الليل أيضا بالنصب عطفا وقرأ النخعى فلق الإصباح وجعل الليل بلفظ الفعل فيهما ، ونصب ما بعد الفعل به ، وقرئ الإصباح بفتح همزة إصباح وهو جمع صبح . { وجَعلَ اللَّيل سَكناً } السكن ما يسكن إليه الإنسان مثلا ويناسبه للنوم والراحة ، ويأنس به ، وكذا الحيوان ، قال ابن عباس كل ذى روح يسكن فى الليل ، قال الله تعالى { وجعل منها زوجها ليسكن إليها } ويجوز أن يكون من السكون ، لأن الحيوان ليسكن فيه عن الحركة ، قال الله تعالى { لتسكنوا فيه } وكلام ابن عباس قابل للوجهين ، ولكن ذكرته أولا تصديقاً لقولى للنوم والراحة ، وذلك أن الحيوان لا بد له من تعب ما ، ولو انطرح على الأرض لا ينثنى ، لأن نظر العين ، وسمع الأذن وتكلم اللسان ، وفكر القلب أعمال أيضا . وعلى كل حال فسكناً فعل بمعنى مفعول أى مسكوناً إليه ، أو مسكوناً فيه ، والأظهر أنه لم يرد أنه جعل الليل فيما مضى سكناً ، بل أراد أنه ما زال ولن يزال يجعله سكنا فجاعل اسم فاعل للحال ، فهو مضاف لمفعوله الأول ، وسكناً المفعول الثانى ، فهو باعتبار حاله واستقباله ، فهذا أولى من أن يقال إن الآية دليل للكسائى على جواز نصب المفعول بوصف الماضى ، ولو لم يكن صلة لأل على أن يكون جاعل بمعنى هو الذى رأيتم أنه جعل الليل سكناً فيما مضى من أعماركم ، وسمعتم عمن قبلكم وأولى من أن يقال سكنا مفعول لجعل محذوفا ، أى جعل الليل سكناً للفظ الفعل عطفا على فالق ، لأنه بمعنى فلق ، ولو أجاز الكسائى عمل الوصف الماضوى ، وقيل لا يعمل الوصف المستمر ، لأن فيه ظرفاً من الماضى ، وفى تقدير الفعل إشكال لأنه لا بد أيضا أن يقدر لجاعل ما يتم به معناه . { والشَّمسَ والقَمَر حُسْباناً } عطف على معمولى عامل واحد ، فالشمس معطوف على محل الليل ، وحسباناً على سكناً ، ويدل لهذا قراءة من قرأ بجر الشمس والقمر عطفاً على لفظ الليل ، فيكون حسباناً أيضا معطوفاً على سكناً ، وهى قراءة أبى حيوة وقيل فى النصب إنهما منصوبان بفعل محذوف ، أى وجعل الشمس والقمر حسباناً ، كما يدل له قراءة الكسائى ، وجعل الليل سكناً بالفعل ، وليس ما هنا من العطف على معمولى عاملين مختلفين جراً عطفاً على لفظ الليل ، أو نصباً عطفاً على محله ، لأن العامل على كل حال هو لفظ جاعل ، فعلى اعتبار استقباله وما ليته يكون محل الليل نصباً ، وعلى اعتبار ماضويته يكون لا محل نصب له خلافاً المجيز عمل اسم الفاعل الماضوى ، وقرئ بالرفع على الابتداء ، والخبر محذوف ناصب لحسباناً ، أى والشمس والقمر محسوبان حسباناً . وعلى كل فى حال يقدر مضاف حسباناً أى ذوى حسبان ، أو التى حسبان إذ كان على أدوار تحسب بها الأوقات كتقطيع الشمس الفلك فى سنة إذ تزيد على العام العربى أحد عشر يوماً ، ويقطعه القمر فى ثلاثين يوماً أو تسعة وعشرين ، فيكون ذلك الشمس ، والشهور العربية مذكورة فى القرآن كحساب أجل الديون ، ومواقيت الأشياء ، فيكون ذكر الشمس فى الحساب ذكراً للشهور العجمية ، ولكن السنة العربية والشهور العربية أفصح فى ذلك ، لقوله تعالى { قل هى مواقيت للناس } وهى أفضل لأن أمور الدين عليها كالزكاة والحج ورمضان ، وبالفصول تختلف الاحوال من برد وحرارة وتوسط وغير ذلك ، فيتعلق بذلك نضج الثمار ، وأمر الحرث والنسل ونحو ذلك ، فالحسبان حساب الآجال ومواقيت الأشياء الشمس والقمر ، أو حساب مسيرهما لا يزيدان عليه يوماً أو أقل أو أكثر ، فلا يجاوزان منتهاهما إلى جهة منتهى طول الأيام ، أو منتهى قصرها ، والحسبان مصدر حسب ، وقيل جمع حساب كشهاب وشهبان ، وقال مجاهد الحسبان حسبان الرحى والدولاب وهو العود أو الحديد الذى يدوران عليه لعله شبه القطب بذلك العود أو الحديد ، أعنى شبه قطب أسماء بقطب الرحى أو الدولاب . { ذلك } أى جعلهما حسباناً { تَقْديرُ العَزيزِ } الغالب لهما القاهر لهما على السير المخصوص { العَليمِ } بالتدبير النافع بهما ، وهو التدوير المعتاد لهما .