Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 99-99)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وهُو الَّذى أنزلَ منَ السَّماء ماءً فأخْرجْنا بهِ نَباتَ كلِّ شئٍ } السماء السحاب ، لأن كل ما كان فوقك منفصلا عنك فهو سماء كسقف وأعلى الخيمة والمظلة التى لم تلتصق برأسك ، أو هى السماء الدنيا ، قال الجبائى من المعتزلة يخلق الله الماء فى السماء ثم يرسله إلى السحاب ، وحمل السماء على المتبادر هو المتعين عنده لعدم دليل على التأويل ، وقيل المراد بالسماء جهة السماء ، والله قادر أن ينزل الماء من السماء مسيرة عشرين سنة فى ساعة أو لحظة ، ولكن المتبادر السحاب أو جهة السماء ، وجاء أخرجنا على طريق الالتفات من الغيبة إلى التكلم والنبات الأغصان والأوراق الخشب والأعواد ، وكل شئ بمعنى كل شئ من الثمار التى خلقها الله ، فنبات التمر الجذع والجريدة ، ونبات الشعير ساقه وأوراقه ، ونبات التين أوراقها وأعوادها ونبات القرع غصنه المنبطح على الأرض وورقه . وقيل كل شئ هو النبات أيضا لكنه أخص باعتبار أفراده ، فيكون نبات أعم ، وإضافته إضافة عام لخاص ، لأنه بمنزلة نبات النخل وشجر العنب وشجر التين وهكذا ، والمعنى أخرجنا نبات كل شئ مما اعتيد أنه ينبت سواء حملنا كل شئ على الثمار أو على الغصن والورق ، ودخل فى ذلك الكمأة ، وخرج ما لا يكون له نبات ، والآية دليل القدرة ، إذ قدر على إخراج أنواع مختلفة بماء واحد ، وذلك اختلاف فى الغصن والورق كما يذكر الاختلاف فى الثمار ، إذ قال { تسقى بمآء واحد ونفضل بعضها على بعض فى الأكل } وقيل النبات الغذاء الذى ينبت به الجسم وهو الثمار ، وكل شئ هو الحيوان الذى يأكل نبات الأرض وثماره ، والهاء عائدة إلى الماء . وأما الهاء فى قوله { فأخْرجْنا منْه خَضِراً } فللماء أيضا أو للنبات ، والخضر الشئ الأخضر ، والمراد الأغصان والورق الخارجة من أبزارها ، وقيل المراد بالخضر ما حسن منظره بلا اعتبار لون الخضرة { نُخْرج منهُ حبّاً مُتراكِباً } وقرأ الأعمش وابن محيصن يخرج منه حب متراكب بالبناء للمفعول ، ورفع حب متراكب وعلى القراءتين الجملة نعت خضراً ، وهاء منه عائدة إليه ، ومعنى متراكباً ، متراكباً بعضه على بعض كما ترى السنبلة والرمانة حبة على حبة ، وقدم الحب على التمر لأنه قوت مألوف فى كل بلد يغنى عن التمر عالياً ، وحاجة الناس إليه أكثر ، والتمر كالفاكهة ، وإنما يكتفى بها أهل الشدة ، وربما اكتفى به أعراب الحجاز . { ومِنَ النَّخْل مِنْ طَلعِها قِنْوانٌ دانِيةٌ } الواو عاطفة لأخرجنا محذوفاً يتعلق به ، من النخل ناصباً لمحذوف ، والمحذوف منعوت بقوله { من طلعها قنوان } أى وأخرجنا من النخل نخلا من طلعها قنوان ، ومعنى إخراج النخل من النخل إخراج نخل تكون من نوع النخل ، أو إخراج نخلة من أصل نخلة ، أو من جذعها ، فتكون هذه ذات قنوان دانية ، فما حال أصلها ، والمعطوف عليه أخرجنا الأول ، وإن شئت فقل ذلك من العطف على معمولى عامل واحد ، ويجوز أن يكون من النخل خبراً مقدماً ، ومن طلعها بدل بعض ، وقنوان مبتدأ موجز ، فتعطف الجملة الاسمية على الفعلية ، ويجوز تعليق من النخل يكون خاص ، أى ومخرجة من النخل ، من طلعها قنوان ، والطلع الكفرى ، والقنوان جمع قنور وهو العذق أعنى الشماريخ مع ثمارها ، وقرئ بضم القاف جمعاً أيضا كذيب وذوبان ، وقرئ بفتحها على أنه اسم جمع ، لأن فعلان بفتح الفاء لا يكون جمعاً ، ودانية قريبة للتناول لقربها من الأرض لصغر النخل ، فيتناول المضطجع والقاعد والقائم . وخص ما كان هكذا بالذكر ، لأن النعمة فيه أعظم ، ولدلالتها على الجبار وهى التى فاتت اليد إلا بطلوع فالتقدير فى هذا دانية وغير دانية ، وهو قول ابن عباس ، أو قال الحسن دانية قريب بعضها من بعض ، بأن تطلع قنواناً كثيرة متجاورة ، وقيل متدلية ، ولو كانت فى الجبار وبه قال مجاهد ، وخص المتدلية والكثيرة فى القولين لعظم النعمة ، ولدلالتها على غيرها كذلك ، والمتدلية أشهى إلى النفس . { وجنّاتٍ مِنْ أعْنابٍ } عطف على نبات خاص على عام لمزيته ، ومن أعناب نعت جنات ، والمراد بالأعناب شجر العنب ، وقرئ بالرفع على الابتداء ، والخبر محذوف ، أى ولكم جنات ، أو ثم جنات ، أى مع النجل أو من الكرم جنات ، ولا يجوز عطفه على قنوان ، لأن جنات الأعناب لا تكون من طلع النخل ، ولعل صاحب الكشاف أراد بعطفه على قنوان عطف جملة على شبهها ، هكذا ، ومن النخل من طلعها قنوان ومن الكرم جنات من أعناب . { والزَّيتُون والرمَّانَ } لم يقرأهما أحد بالرفع ، بل بالنصب عطفاً على نبات ، سواء نصبت جنات أو رفعت ، ويجوز نصبهما على الاختصاص إذا رفعت جنات ، وكذا يجوز نصب الثلاثة على الاختصاص ، وذلك لشرفهن ، ويجوز عطف جنات على خضر ويرجح القرب ، ولأن الإخراج الجنات عبد إخراج النبات ، كما أن إخراج الخضر بعده ، ويجوز أن يعطف الزيتون والرمان على حباً ويقويه ، قيل إن الحب هو نفس ما أخرج بالأكل ، وكذلك الزيتون والرمان ، وليس كذلك ، بل المتبادر أن يراد بهما شجر الزيتون والرمان ، وإنما قدم النخلة لأنها قد تكون غذاء ، وفيها من المنافع والخواص ما ليس فى غيرها ، وقدم العنب لأنه أشرف الفواكه ثم الزيتون ، لأنه يؤكل فى الطعام ويدهن به ويسرح به وهو مبارك . { مُشْتبهاً وغير مُتشابهٍ } ردهما قتادة إلى الزيتون والرمان ، أى مشتبهاً ورقها مختلفا ثمرها ، لأن ورقهما مشتبهاً وحب الرمان ليس كحب الزيتون لوناً ولا طعما ، ولا مقداراً ولا هيئة ، فمتشابها حال من الرمان ، أى مشتبهاً بالزيتون ، أو غير متشابه ، ويجوز أن يكون حال من خضرا وحبا ، وحبات الزيتون والرمان ، وأفرد لتأويل ما ذكر أى مشتبها ما ذكر بعضه ببعض ، وغير متشابه ، ووجه الشبه عام أى مشتبهاً لوناً وطعماً ومقداراً وهيئة ورائحة ، أو فى عدم الرائحة أو فى بعض ذلك أو فى الورق ، وبعض ذلك أو فى الورق وحده ، أو حال من نبات أو نعته ، ومشتبهاً بمعنى متشابه وخولف تغليباً فى اللفظ . { انْظُروا إلى ثَمره إذا أثمر ويَنْعِهِ } انظروا نظر اعتبار إلى ثمر ما ذكر من شجر الزيتون وشجر الرمان والنخل والخضر ، وهذا مما يدل أن الزيتون والرمان مراد بهما الشجر لا الثمار ، فالهاء عائدة إلى ما ذكر ، ومعنى أثمر أخرج ثماره وقرأ حمزة والكسائى بضم الثاء والميم فى قوله { إلى ثمره } جمع ثمرة بفتحتين كخشبة وخشب ، أو جمع ثمار ككتاب وكتب ، فهو جمع جمع ، وأما كتاب وكتب فمرد وجمعه ، وقرأ أبو عمرو بضم وإسكان تخفيفا ، اعتبروا كيف يخرج ذلك كله رقيقا لا نفع يه ، ثم يصير إلى حال مرغوب فيها نافعا غليظاً لذيذاً وهو حال ينعه ، والينع النضج ، أو نفس الثمر النضيج ، وهو مصدر باق ، أو بمعنى الثمر المدرك ، ودل له قراءة ابن محيصن يانعه ، وقيل ينعه جمع يانع كتاجر وتجر ، وقرئ ويُنعه بضم الياء وهم لغة بعض نجد . { إنَّ فى ذلك لآياتٍ لقومٍ يؤمنون } دلائل على وجود الله جل وعلا ، وكمال قدرته ووحدانيته ، وصحة البعث إذ أخرج هؤلاء الثمار من أعواد وخشب مع اختلافها واختلاف أحوالها ، وتنقلها من حال لأخرى بحسب ما هو لحكمة ولا معارض له ، ينقض ما قضى وخص المؤمنين بالذكر ، لأنهم المنتفعون بالوعظ ، ووبخ الكفار على شركهم مع تلك الأدلة كما قال بعضهم