Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 98-98)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وهُو الَّذى أنْشأكُم من نَفْسٍ واحِدةٍ } ابتدأ خلقكم من نفس واحدة هى أدم ، لأن أمنا حواء منه أيضا ، فصح أن يقال من نفس واحدة ، لأنا وإياها كلنا منه ، فما كان منها فهو أيضا منه ، هذا ما ظهر لى ، ولا يشكل عيسى لأنه من مريم ، وهى من أب وأم إلى آدم ، وهذا ايضا دليل لقدرة الله تعالى ووحدانيته { فمُسْتقرٌّ ومسْتَودعٌ } اسما مكان أى موضع استقرار ، وموضع استقرار ، أو مصدران ميميان أى لكم استقرار أو استيداع ، والوجهان فى الأقوال الآتية كلها ، وهو حينئذ محذوف الخبر ، أى فلكم مستقر ومستودع ، فالمستقر صلب الأب أو الاستقرار فيه ، والمستودع رحم الأم أو الاستيداع فيه ، وذلك أن الاستقرار أعظم ثباتاً من الاستيداع ، لأن الاستيداع معرض للانتقال ، فكان المستقر أولى بالصلب ، كذلك روى عن ابن عباس ، وذلك أن النطفة أسبق فى صلب الأب وأبقى فيه زماناً أطول من بقائها فى الرحم ، إذا خرجت من الأب إلى الرحم ، أعنى المادة التى تستحيل نطفة ، وهذا مشكل ، لأن للأم أيضا نطفة سبقتها ، لأنها فى صدرها . والجواب أن المعتبر ماء الرجل لأنه أعظم وأكثر ، ووجهه بعض بأن النطفة حصلت فى صلب الأب لا من قبل غيره ، ثم فى رحم الأم من جهة الأب ، فهى فيها وديعة ، وعن ابن عباس المستقر رحم الأم ، والمستودع الصلب وقرئ { ونقر فى الأرحام ما نشاء } لأن النطفة لم تبق فى الأب نطفة إلا زماناً قليلا بعد كونها نطفة ، وتبقى فى رحم الأم أربعين يوما ، وتبقى مستحيلة أطواراً وجنينا مدة طويلة ، وهذه الرواية عن ابن عباس هى المشهورة . قال سعيد بن جبير قال لى ابن عباس رضى الله عنهما هل تزوجت ؟ قلت لا ، قال أما أنه كان مستودعا فى ظهرك فسيخرجه الله تعالى ، وهذا قول الجمهور ، قالوا مستقر فى الرحم ، مستودع فى ظهور الآباء حتى يقضى الله بخروجه ، قال ابن عون مشيت إلى منزل إبراهيم النخعى وهو مريض ، فقالوا قد توفى فأخبرنى بعضهم أن عبد الرحمن بن الأسود سأله عن مستقر ومستودع فقال مستقر فى الرحم ومستودع فى الصلب ، وكان ابن عباس يقرأ فمستقر الرحم ، ومستودع الصلب . وعن ابن مسعود المستقر الرحم والمستودع القبر إلى يوم يبعث ، وقال الحسن المسقر ظهر الأرض فى حياته ، والمستودع القبر بعد موته إلى البعث ، قال الله جل وعلا { ولكم فى الأرض مستقر ومتاع إلى حين } وبه قال مجاهد ، وروى عن الحسن عكس هذا ، وأنه كان يقول يا ابن آدم أنت مستودع فى أهلك إلى أن تلحق بأهلك يعنى القبر ، وقال ابن عطية كل من الصلب والرحم والدنيا والقبر والمحشر مستودع ، لأنه ينتقل من كل للآخر وكلا أيضا مستقر بالنسبة إلى ما قبله ، مستودع بالنسبة لما بعده ، والجنة أو النار مستقر على الإطلاق ، لأنه لا انتقال منهما ، وكأنه يرى الخلود فى النار كالجنة ، وقيل المستقر الجنة أو النار ، والمستودع القبر ، وتشكل الفاء بتفسير ما يليها فى بعض هذه الأقوال بالمعنى الذى يتأخر وجوده عن معنى لفظ المستودع ، لما مرّ من أن المتعاطفات بغير الفاء وثم بعد المعطوف بالفاء لا ترتيب بينها وبين ما عطف قبلها بالفاء ، بل ترتيب بينهما بعد الفاء كله وما قبلها . وأما لو قلت قام زيد فبكر وعمرو فالترتيب بينهما وبين زيد فقط ، فكلاهما بعد زيد ، وأما هما فيحتمل أن بكراً قام قبل عمرو ، وأن عمراً قام قبل بكر ، هذا ما ظهر لى عند التحقيق ، ورأيت فى بعض الكتب غير هذا ، وهو إنما يلى الفاء مقدم على ما بعدها ، ولا ترتيب بين ما بعدها إذ لم يعطف بحرف مرتب لو قرأه ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب مستقر ومستودع بكسر القاف ، فيكون اسم فاعل ، ومستودع على هذا اسم فاعل ، أى فمنكم إنسان مستقر ، ومنكم إنسان مستودع ، والاستقرار والاستيداع محلهما على الخلاف السابق ، ولا يجوز أن يكون مستقر بفتح القاف اسم مفعول ، لأنه لازم لا مفعول له ينوب عن الفاعل ، ولا ظرف أو مجرور أو مصدر ينوب ، اللهم إلا أن يقال الأصل مستقر به فيه ، أو الهاء نائب فحذف الجار واتصل الضمير به واستتر نائبا على الحذف والإيصال ، فيكون كقولك زيد ممرور به ، فحينئذ يجوز أن يكونا اسمى مفعول أى منكم إنسان مستقر به ، ومنكم إنسان مستودع . { قَدْ فصَّلنا الآيات لقومٍ يفْقَهون } قال هنالك يعلمون ، وهنا يفقهون ، لأن العلم يقوم بما يدقق فيه النظر وما يظهر ، والفقه مختص بما يخفى ويدق فيه النظر كما سمى علم الشرع فقها ، لأنه بدلائل دقيقة ، وأمر النجوم ظاهراً وبعضه يخفى فذكر فيه يعلمون لصلوحه لذلك ، وأنشأ الناس من نفس واحدة مع كثرتهم وكثرة أحوال نشأتهم وتصرفاتها غامض فذكر فيه يقهون .