Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 133-134)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فأرْسَلنا عَليهُم الطُّوفانَ } قال فى عرائس القرآن قال ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، ومحمد بن إسحاق وغيرهم دخل حديث بعض فى بعض لما آمن السحرة وصلبهم عدو الله فرعون ، وانصرف موسى وهارون إلى عسكر بنى إسرائيل ، أمر فرعون أن يكلف بنى إسرائيل ما لا يطيقونه ، وكان الرجل من القبط يجىء إلى الرجل من بنى إسرائيل فيقول له انطلق معى فاكنس خبثى ، أو اعلف دوابى ، واستق لى ، وتجىء القبطية إلى الكريمة من بنى إسرائيل فتكلفها ما لا تطيق ، ولا يطعمونهم شيئا ، فإذا انتصف النهار قالوا اذهبوا فاكسبوا لأنفسكم ، ومر ما يخالف هذا فشكوا ذلك لموسى فقال استعينوا بالله الخ ، فقالوا أوذينا من قبل أن تأتينا الخ كنا نطعم إذا استعملونا ولا يطعمونا الآن ، قال { عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم فى الأرض } يعنى مصر والشام { فينظر كيف تعملون } فلما أبى فرعون وقومه إلا التمادى فى الشر والإصرار ، دعا موسى ربه وكان حديدا مجاب الدعاء ، وكان إذا غضب اشتعلت قلنسوته نارا لشدة غضبه فيما قيل ، قال رب إن عبدك فرعون طغى فى الأرض وعتا عتوا كبيرا ، وإن قومه نقضوا عهدك ، وأحلفوا وعدك ، فخذهم بعقوبة تجعلها لهم نقمة ، ولقومى عظة ، ولمن بعدهم من الأمم عبرة ، فتابع عليهم الآيات السنين ، ونقص الثمرات ، والطوفان ، وغير ذلك ، والطوفان هو كل طافٍ بالشىء وأتى عليه ، والمراد هنا الماء من مطر وسيل ، كثر عليهم حتى كادوا يهلكون ، وكانت بيوت القبط يدخلها الماء حتى يصل إلى صدر القبطى ، فلو جلس غرق ، ولم يدخل بيوت بنى إسرائيل قطرة وبيوتهم مختلطة ببيوت القبط ، وفاض الماء على وجه أرض القبط وحروثهم ، فلم يقدروا على الحرث ، ولا على عمل شىء ، وجهدوا ودام ذلك عليه سبعة أيام من السبت إلى السبت فقالوا لموسى ادع لنا ربك يكشف عنا هذا البلاء فنؤمن بك ، ونرسل معك بنى إسرائيل ، فدعا ربه فرفع عنهم الطوفان فلم يؤمنوا ، ولم يرسلوا معه بنى إسرائيل ، وعادوا إلى شر ما كانوا عليه . وروى أنهم مطروا ثمانية أيام فى ظلمة شديدة ، ولا يرون شما ولا قمرا ، ولا يقدر أحد أن يخرج من داره ، وبذلك قال ابن عباس ، وقال مقاتل الطوفان ماء طفا فوق حرثهم فأهلكها ، وقال الضحاك الغرق ، وقال مجاهد وعطاء الموت الذريع ، وهو رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم روتها عائشة رضى الله عنها ، وقيل الموتان بضم الميم وهو هلاك الدواب . وعن ابن عباس ، والضحاك ، ومجاهد المطر الشديد تولى عليهم حتى هدم بيوتهم وضيق عليهم ، وقيل أفيض النيل عليهم . وعن ابن عباس مصدر معمى عنى به شىء أطافه الله بهم ، يعنى أنه مصدر من طاف يطوف فهو عام فى كل ما يطوف ، وعن الأخفش جمع طوفانة . وقال وهب الطوفان الطاعون بلغة اليمن ، قيل أرسل إلى أبكارهم فلم تبق واحدة ، وفى الحديث " الطاعون رجز أرسل على طائفة من بنى إسرائيل ، أو على من كان قبلكم ، فإذا سمعتم به فى الأرض فلا تقدموا عليه ، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا فرارا منه " وقال أبو قلابة الجدرى ، ولم يكن قبل ذلك ، قيل صرخ الناس إلى فرعون وخافوا الغرق ، فأرسل فرعون إلى موسى فأتاه فقال يا موسى اكشف عنا هذا فنؤمن ونرسل معك بنى إسرائيل ، فدعا فأقلعت السماء وانشقت الأرض ماءها ، وأنبتت من الكلأ والزرع ما لم يروا مثله قط فى مطر ، فقالوا لا والله لا نؤمن ولا نرسل بنى إسرائيل ، ولقد جزعنا من أمر كان خيرا لنا ، فنكثوا وعصوا فأقاموا شهرا فى عافية ، ثم بعث الله عليهم الجراد كما قال الله سبحانه { والجَرادَ } الواحدة جرادة للمذكر والمؤنث ، فأكل عامة زروعهم وثمارهم ، وورق الشجر ، وأكل الأبواب ومسامير الحديد التى فيها ، والسقوف والخشب ، والأمتعة والثياب ، ابتلاه الله بالجوع ، فكان لا يشبع ، ولم تصب بنى إسرائيل جرادةٌ وكتب فى صدر كل جرادة جند الله الأعظم ، وكثر فيهم حتى ركب بعضه بعضا ذراعا . وروى " أن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يدعو على الجراد ويقول " اللهم اقطع الجراد ، اللهم اقطع دابره ، اللهم اعقم كباره ، وأمت صغاره ، وأفسد بيضه ، وخذ بأفواهه عن معايشنا وأرزاقنا إنك سميع الدعاء " فقيل كيف تدع على جند من جنود الله بذلك ؟ فقال ، " إنما الجراد نثر حوت من البحر " " قال أبو قلابة حدثنى من رأى الحوت ينثره ، وقلَّ الجراد فى سنة من خلافة عمر رضى الله عنه ، فأرسل راكبا إلى اليمن ، وراكباً إلى الشام ، وراكبا إلى العراق ، فأتاه الراكب إلى اليمن بقبضة منه فكبر ثلاثا ، وقال خلق الله ألف أمة ستمائة فى البحر وأربعمائة فى البر ، وأول أمة تهلك الجراد ، فتتابع غيره كالنظام إذا قطع . وسألت مريم ربها أن يطعمها لحما بلا دم فأطعمها الجراد فقالت اللهم أعشه بغير رضاع ، وتابع بينه بغير شياح ، أى صوت . وعن الأوزاعى بيروت رجل صالح راكب على جرادة ، عليه خفان طويلان ، قال الراوى أظنه قال أحمران أيضا ، يقول الدنيا باطل ما فيها ، ويشير بيده إلى موضع فينساق إليه الجراد ، وذلك ملك الجراد ، وأقام عليهم سبعة أيام من سبت لسبت ، وقيل ثمانية ، فضجوا إلى موسى لئن كشفته عنا لنؤمنن ولنرسلنّ معك بنى إسرائيل ، وقيل ضجوا إلى فرعون فأرسل إلى موسى فأتاه فقال ادع ربك يكشفه عنا نؤمن ونرسل ، فدعا فكشف . وروى أنه خرج إلى الفضاء فأشار بعصاه إلى المشرق والمغرب ، فرجع الجراد من حيث جاء وقالوا قد بقى لنا ما يكفينا من الزرع والثمر ، فلا نترك ديننا ولا نرسلهم ، وروى أنه بقى لهم ما يقوم به رمقهم ، فعادوا إلى شر ما كانوا ، وقاموا شهرا فى عافية ، فأرسل الله سبحانه عليهم القمل كما قال { والقُمَّل } قال ابن عباس ، وابن جبير هو السوس الذى يخرج من الحنطة ، كان يخرج أحدهم إلى الرحى عشرة أجرية ولا يرد منها إلا يسيرا ، أو روى يخرج عشرة أقفزة فيرد ثلاثة ، وروى أن موسى مشى بأمر الله إلى قرية من قرى مصر تسمى عين الشمس ، فضرب بعصاه كثيب رمل أعفر بجانبها فانهال ، فملأ فأكلُ ما بقى من زرعهم وثمارهم وشجرهم حتى لحس الأرض ، ويدخل بين الثوب والجلد ، فيعض ويأكل أحدهم طعاما ويمتلئ قملا . وقال ابن عباس فى رواية ، ومجاهد وقتادة والسدى والكلبى الجراد الذى يثب ولا يطير فهو كما قيل عن قتادة أولا الجراد ، وكما قيل عن على الجراد التى لا أجنحة له ، يعنى لما تنبت ولم يُبق لهم عودا أخضر ، وقال أبو عبيدة صغار القردان ، وقيل كباره ، يأكل ويعض ، وعن أبى العالية أرسل صغار القردان على دوابهم فأهلكها ، فلم يستطيعوا الميرة ، وقال عبد الرحمن بن أسلم البراغيث ، وقال حبيب بن أبى ثابت الجعلان ، وقال عطاء الخراسانى هو القمل بفتح القاف وإسكان الميم كما قرأه الحسن ، لزم جلودهم كأنه الجدرى ، ومنعهم النوم والقرار ، وأخذت أشعارهم وحواجبهم وأشفار عيونهم ، ويمتلئ طعامهم ، ويبنى أحدهم أسطوانة من جص ويزلقها حتى لا يرقاها شىء ، ويجعل عليها طعامه فيجده ممتلئا قملا ، وما أصيبوا ببلاء أشد عليهم منه . وقيل حيوان صغير جدا أسود ، وإن فى أرض مصر منه الآن شيئا ، فجزعوا وضجوا ، لئن كشف ليؤمنن وليرسلن ، وقد قام فيهم سبعة أيام ، وقيل ضجوا إلى فرعون ، وأرسل إلى موسى مثل ما مر ، فدعا فكشف فانتشر إلى أطراف الأرض ، ونقضوا العهد ، ورجعوا أخبث مما كانوا ، وقالوا تحققنا الآن أنه ساحر ، حيث جعل الرمل دواب ، كيف نؤمن ونرسل وقد أهلك زرعنا وأشجارنا وأموالنا ، فماذا يفعل أسوأ من ذلك ، لا نؤمن به وعزة فرعون ، وبقوا شهرا ، وقيل أربعين يوما فى عافية ، فأرسل الله عليهم الضفادع كما قال { والضَّفَادِعَ } أوحَى الله سبحانه أن يقوم على ضفة النيل فيغرز عصاه فيه ، ويشير بالعصى إلى أدناه وأقصاه وأسفله وأعلاه ففعل ، فتداعت له الضفادع بالنقيق من كل جانب ، وأسمع بعضها بعضا ، وخرجت من النيل كالبحر سراعا نحو باب المدينة ، فدخلت عليهم بيوتهم ، وامتلأت أفنيتهم وأبنيتهم وأطعمتهم ، ولا يكشف أحد ثوبا ولا إناء ولا شرابا إلا وجد فيه ضفادع ، وكان الضفدع يراعى ذقن الرجل إذا هم أن يتكلم وثب فيه وينام على فراشه وسريره ، فيستيقظ وقد ركبته الضفادع حتى لا يستطيع أن ينصرف للشق الآخر ، ولا يعجنون عجينا إلا انشدخت فيه ، ولا يطبخون قدرا إلا امتلأت ، وكانت تثب فى نيرانهم فتطفيها ، وفى طعامهم فتفسده . وعن عكرمة ، عن ابن عباس كانت الضفادع برية ، فلما أرسلها الله على فرعون سمعت وأطاعت ، وجعلت تقذف نفسها فى القدور وهى تفور ، وفى التنانير وهى مسحورة ، أثابها - بحسن طاعتها - برد الماء ، وعن ابن جبير كان الرجل يجلس فى الضفادع إلى ذقنه ، وإذا فتح فاه يتكلم أو يأكل وثبت فيه ، وضجوا إلى موسى أو إلى فرعون ، فأرسل إلى موسى كما مر ، وقالوا هذه المرة لا نعود ، فأخذ مواثيقهم وكانت طرقهم ودورهم مملوءة بما مات منها بأرجلهم ، فدعا موسى فلحق ما حيى منها بالبحر ، وأرسل الله الريح فنقلت عنهم ما مات ، وقيل المطر وقد قامت عليهم من سبت لسبت ، وقاموا فى عافية شهرا ، وقيل أربعين يوما وقد نقضوا العهد ، فأرسل الله سبحانه عليهم الدم كما قال { والدَّمَ } صارت مياههم كلها دما ، روى أن الله جل جلاله أمر موسى عليه السلام أن يضرب النيل بعصاه ففعل ، وسال عليهم دما عبيطا فشكوا إلى فرعون لا شراب لنا إلا الدم ، فقال إنه سحركم فيجتمع الإسرائيلى والقبطى على إناء ماء ، فيخرج للقبطى دم وللإسرائيلى ماء ، ويأتى القبطى أو القبطية إلى إسرائيلى أو إسرائيلية ، يصب من مائه فى القربة ، فيصير فى الوعاء دما ، ومن فيه فى فمه فيصير فى فم القبطى دما ، وكذا المرأة والنيل يسقى الزرع والشجر على حاله ، واعترى فرعون العطش ، فكان يمص الأشجار فيصير ماؤها ، فى فمه دما ، وقيل ملحا أجاجا ، وقال زيد بن أسلم الدم الذى سلط عليهم هو الرعاف ، وكانوا فى ذلك سبعة أيام من سبت لسبت ، وقيل ثمانية ، فضجوا إلى موسى أو لفرعون ، فأرسل إلى موسى كما مر ، فدعا فكشف عنهم ونقضوا ، قال كعب لبث موسى فى آل فرعون سنة بعد ما غلب السحرة يريهم الآيات الطوفان وما بعده آية بعد أخرى كما قال الله سبحانه { آياتٍ } حال من الطوفان وما بعده { مُفَصَّلاتٍ } واحدة بعد أخرى ، يقومون فى كل واحدة سبعة أيام ، وبينها وبين الأخرى شهر ، وقيل ثمانية أيام أو غير ذلك مما مر ، وقد قيل قعد فيهم يريهم الآيات عشرين سنة بعد ما أمر السحرة ، ووجه الفصل بينهن بالزمان امتحان أحوالهم أيفون أم ينقضون ، أو معنى مفصلات مبينات لا يشك عاقل فيها . { فاسْتَكبرُوا } عن الإيمان { وكانُوا قَوماً مُجْرمين * ولما وَقَعَ عَليهم الرِّجْز } هو العذاب بتلك الآيات ، فكأنه قيل لما وقعت تلك الآيات ، وهذا لا يلزم منه أنهم لم يطلبوا الكشف إلا بعد وقوعها كلها ، ولكنه أخبر عن نقض العهد الذى هو آخر يترتب عليه إغراقهم ، وهذا كما تقول جاء زيد وقت العصر مع أنه قد جاء وقت الظهر أيضا ، ورجع وقرأ ابن محيصن ، ومجاهد ، وابن جبير الرجز بضم الراء فى جميع القرآن إلا { رجز الشيطان } { والرجز فاهجر } فكسرهما ابن محيصن ، قال أبو حاتم رآهما بمثابة النتن الذى يجب التطهر منه ، وقال قوم منهم سعيد بن جبير الرجز الطاعون ، وأنه عذاب سادس بعد الخمس ، مات به منهم فى اليوم الواحد سبعون ألفا ، وروى فى ليلة واحدة ، ويجمع بينهما بأن مراد من عبر باليوم هو اليوم العام لليل والنهار ، فلم يستطيعوا التدافن . وروى أن موسى أمر بنى إسرائيل أن يذبحوا كبشا كبشا ، ويضمخوا أبوابهم بالدم فرقا بينهم وبين القبط فى نزول العذاب ، قال عياض وهذا ضعيف ، وهذه الأخبار وما شاكلها إنما تؤخذ من كتب بنى إسرائيل ، فلذلك ضعف ، وفى اختصاص هذه الآيات بالقبط مع اختلاط إسرائيليين بهم معجزة عظيمة ، وفى توالى هذه المعجزات مع علم الله أنهم لا يؤمنون تقوية العذاب عليهم فى الآخرة حيث لم يؤمنوا بواحدة منهن مع كثرتهن ووضوحهن ، وحيث ازدادوا كفرا عند كل واحدة ، هذا هو الحق ، وزعم بعض أهل السنة أن الجواب فى تواليها ، أن الله يفعل ما يشاء ولا يسأل عما يفعل ، وكونه يفعل ما يشاء ولا يسأل عما يفعل حق ، لكن الجواب به فيه ضعف وقصور ، قال ذلك البعض ، وأما على قول المعتزلة فى رعاية المصلحة فلعله تعالى علم من قوم فرعون أن بعضهم كان يؤمن بتواليها . { قالُوا يا موسَى ادْعُ لنا ربَّك بما عَهِدَ عِنْدكَ } ما مصدرية أو اسم موصول ، أى بعهده عندك ، أو بالذى عهد عندك ، وكل من العهد أو الذى عهده النبوة ، أو دعاء عهد أن يجيبه إذا دعا به كما أجاب فى مجىء الآيات ، أو جمع ما يتوسل به من طاعة ونعمة من الله ، أو ما أوصاك أن تدعو به ، قال شيخ الإسلام سميت النبوة عهدا لأن الله عهد أن يكرم النبى وهو عهد أن يستقل باعبائها أو لأن فيها كلفه واختصاصا ، كما بين المتعاهدين أو لأن لها حقوقا تحفظ كما يحفظ العهد ، أو لأنها كعهد ومنشور يكتب للولاة ا هـ . والياء متعلق بادع ، وبمحذوف حال من ضمير ادع ، أى متوسلا أو مأتيا بما عهد عندك وجملة { لَئِن كشفْتَ عنَّا الرِّجْز لنُؤمننَّ لكَ } ننقاد لك مقدر قبلها قسم ، ويجوز جعل الباء للقسم ، فجوابها فى تلك الجملة .