Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 157-157)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ الَّذين يتَّبعُون } نعت أو خبر لمحذوف ، أو مفعول لمحذوف على المدح ، أو مبتدأ خبره بأمرهم ، أو بدل من الذين بدل كل أو بعض على حذف الرابط ، أى الذين يتبعون منهم { الرَّسُولَ النَّبى الأمىَّ } إلخ وهذا منهم تعام وتغافل على العمد عن اشتراط التوحيد والإيمان بالآيات ، فإن المراد الآيات كلها كما هو واضح فتشمل القرآن ، ومن رد حرفا أو رسولا أشرك ، ويجوز أن يكون المراد بوسع الرحمة لكل شىء أنها موجودة لكل أحد ، ومن أتى بالإشراك أو بالكبائر فقد أبى منها بنفسه ، والمراد بسعتها بسأكتبها الخ أنى أحضرها وأوفق إليها من سبق فى علمى أنه يتقى ويؤتى الزكاة ، ويؤمن بآياتنا ، ويتبع الرسول ، فالرحمة رحمة الآخرة ، وقد فسر بعضهم الرحمة بالتوبة . وقيل إن المراد الرحمة الدنيوية والأخروية ، وإن المراد بكل شىء متأهل لها وهم المؤمنون ، وإنما أصابت الكافر فى الدنيا تبعا ، وتتمحض الرحمة للمؤمنين فى الآخرة كما قال { فسأكتبها } الخ وهو قول مقبول ، والنبوة الوحى بشرع ، و الرسالة فى البشر من الله الوحى به مع الأمر بتبليغه ، فالرسول أخص من النبى ، وقدم مع أن الصفة العامة تقدم على الخاصة ، لأن تقديمها غالب ، ولأن محله ما إذا لم يكن فى تقديم الخاصة نكتة ، وهى هنا الاهتمام بأمر الرسالة باعتبار المخاطبين ، أو اعتبر فى جانب رسالته كونها من الله ، وفى جانب نبوته كونها للعبادة فأخرت فقدمت ، ولتقدم معنى النبوة قال صلى الله عليه وسلم للبراء بن عازب حين قال آمنت بكتابك الذى أنزلت ، وبرسولك الذى أرسلت " قل وبنبيك الذي أرسلت " وليسلم من التكرار . والنبى مأخوذ من النبأ وهو الخبر ، لأنه مخبر عن الله ، ومخبر للخلق ، وذلك أنه يخبر ولو لم يؤمر بالإخبار رغبة فى الدين ، أو من النبوة وهى الرفعة ، وقيل لما كان طريقا إلى رحمة الله سمى بالنبى الذى هو الطريق ، يقال ساد فى النبى أى فى الطريق ، ويقال أيضا النبى بتشديد الياء ولا همزة بعدها ، قلبت الهمزة ياء وأدغمت فيها الياء ، أو هو من النبوة بالواو ، وقلبت ياء وأدغمت فيها الياء ، قيل روى النهى عن هذا التخفيف بالقلب والإدغام والأمر بالهمزة . والأمى نسب إلى الأم أى هو كما خرج من أمه لا يدرى كتابة ولا قراءة ولا حسابا ، وذلك إكمال لإعجازه ، حيث أتى بكلام لا يساوى ولا يتغير ، مع أنه لا يدرى ذلك ، وما اشتغل على معلم ، فلو درى بذلك لقيل كتبه عن غيره ، أو قرأه من كتاب ، وفى الحديث وذلك أن الأمة العربية لا يكتبون ولا يقرءون الكتابة ، ثم حدث فيهم ذلك ، أو نسب إلى امة العرب فإنهم لا يكتبون ولا يقرءون ، ويحتمله الحديث ، وقيل إلى أم القرى وهى مكة ، وقرأ بعض بفتح الهمزة إلى الأم وهو القصد ، فإنه صلى الله عليه وسلم مقصود فى أمر الدين ، قال أبو الفتح أو إلى الأم بالضم فهو من تغيير النسب ، وذلك الكلام إن كان مفعولا لموسى فيمن معه من بنى إسرائيل ومن بعده ، فالمراد باتباعه اعتقاد أنه رسول سيجئ ، وأن ما يقول حق ، ولا يشكل على ذلك قوله سبحانه وتعالى { الَّذى يجدُونَ مكْتوباً عنْدَهم فى التَّوراة والإنْجيلِ } فإنه على التوزيع ، فأهل الإنجيل يجدونه فى الإنجيل فى زمانهم ، وأهل التوراة فى التوراة فكأنه قال الذين يتبعونه ممن يجده فى التوراة من أهل زمانك وممن بعد زمانك ، وممن يجده فى الإنجيل إذا أنزلته بعد زمانك ، فلا حاجة إلى قول بعضهم إن المراد وستجدونه فى الإنجيل وإن كان مفعولا لمن فى زمانه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ممن آمن به من بنى إسرائيل او غيرهم ، وهو قول الجمهور ، فالاتباع اتباعه فى الاعتقاد والعمل بشريعته ، وكذا فى قول من قال إنه مقول لمن فى زمانه من بنى إسرائيل ، والظاهر أنه مقول لموسى . ويدل له ما رواه البكالى أنه لما اختار موسى السبعين قال له أجعل لك الأرض مسجدا وطهورا تصلون حيث أدركتكم الصلاة إلا عند مرحاض أو حمام أو قبر ، وأجعل السكينة فى قلوبكم ، وفى رواية وأجعل السكينة معكم فى بيوتكم ، وأجعلكم تقرءون التوراة عن ظهور قلوبكم ، يقرؤها الرجل والمرأة ، والحر والعبد ، والصغير والكبير ، فأخبر قومه فقالوا لا ندرى الصلاة إلا فى الكنائس ، ولا نستطيع حمل السكينة فى قلوبنا ، ولا نستطيع أن نقرأ التوراة عن ظهر قلوبنا ، ولا نقرؤها إلا نظرا فقال { فسأكتبها } أى هذه الخصال المرادة هى وغيرها بلفظ الرحمة { للذين يتقون } إلى { المفلحون } قال وهم هذه الأمة ، فقال موسى اللهم اجعلنى نبيها ، قال ، نبيهم منهم ، قال اجعلنى منهم ، قال إنك لن تدركهم ، قال يا رب جعلت وفادتى لأمة محمد ، قال البكائى فاحمد الله الذى جعل وفادة بنى إسرائيل لكم ، قال فأنزل عليه { ومن قوم موسى أمة } إلى { يعدلون } فرضى . { يأمُرُهم } لا يدل على أن المراد بالذين يتقون الخ من فى زمان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاصة ، لأن الكلام على التوزيع ، فالوجود فى التوراة لأهلها ، وفى الإنجيل لأهله بعد نزوله ، والأمر والنهى وما بعدهما لمن وجد فى زمانه ، صلى الله عليه وسلم ، أو بعده ، وهذه الجملة حال مستقبلة من هاء يجدونه ، أو من المستتر فى مكتوبا كقولك مررت برجل له صقر صائدا به غدا ، وليست الهاء ولا المستتر المذكوران مرادا بهما ذكر نبى ولا لاسمه ، ولا لصفته ، فضلا عن أن يمتنع الحالية كما زعم الفارسى ، فإنهما للنبى صلى الله عليه وسلم ، وإنما ذلك مضاف محذوف إلى يجدون نعته أو وصفة ، أو ذكره أو اسمه أو أمره . ولا يقال كيف جاء الحال من الهاء مع أنها مضاف إليه ، لأنها بعد حذف المضاف مفعول ، ولأن المضاف فى الثلاثة الأولى صالح للعمل ، مع أن الفارسى أجاز الحال من المضاف إليه مطلقا ، فقد علموا من التوراة والإنجيل أنه يأمر وينهى ، ويحل ويحرم ويضع ، بخلاف ما إذا جعلت الجملة مستأنفة فى وصفه صلى الله عليه وسلم ، وتفسيرا ، لما وجدوه مكتوبا كما يقول الفارسى ، والحالية أولى لأنه يزيد بها ذم من وجده كذلك ولم يؤمن به ، ومرادى بنعته ووصفه وذكره ما هو معنى مصدرى ، وما يشمل بيانه مطلقا ولو باسمه واسم أبيه ، فدخل فى ذلك بيانه فى الصفة والاسم ، وقد ذكر فيهما بهما . { بالمعْرُوفِ } هو ما لا تمجه القلوب السليمة ، فيشمل الخلق الحسن وصلة الرحم ولخصال المباحة المحمودة وسائر الأمور الدينية { وينْهاهُم عَن المنْكَر } خلاف المعروف ، وقيل المعروف التوحيد ، والمنكر الشرك ، والظاهر الأول لعمومه ، وعنه صلى الله عليه وسلم " بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " والأمور الشرعية كلها داخلة فيها { ويُحلُّ لَهم الطيِّباتِ } ما عوقبوا بتحريمه وما حرم غير عقاب لهم ، وذلك كلحم الإبل وشحم الغنم والبقر غير شحم الحوايا والظهور ، وقيل الطيبات كل ما تستلذه النفس ، فكل لذيذ حلال إلا ما قام الشرع بتحريمه ، والأمر كذلك ، ودخل ما ذبح باسم الله ، وما يضر حرام ، وقيل الطيبات ما حرمته الجاهلية من البحائر والسوائب والوصائل والحوامى ، وهذا على أن ما ذكر كله من كلام فيمن كان فى زمان النبى صلى الله عليه وسلم من العرب ، لا يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل ، فإنهم هم أصحاب البحائر وما بعدها . { ويُحرِّم عَليهم الخَبائثَ } قال ابن عباس الميتة والدم ولحم الخنزير ، والصحيح أن المراد ذلك وغيره من الخبائث كالربا والرشوة والسحت ، وما ذبح لغير الله ، فإن كل ما حرمته الشريعة فهو بتحريمها خبيث يوصف بالخبث ، ويحكم عليه به ، ولعل ذلك مراد ابن عباس ، ومثل ببعضه ، ثم اطلعت على أنه مراده ، وقيل هى ما يستقذره الطبع ، فإنه مضروما يضر حرام إلا ما خصه الشرع ، وعلى هذا تحرم الحية والوزغة والخنفساء والعقرب ونحوهن ، ولم يحرمهن مالك ، وقيل بتحريمهن ، وقيل بكراهتهن وما لا دم فيه كالخنفساء والعقرب والعنكبوت طاهر حيا أو ميتا عندنا ، وقيل كل ميتة حرام إلا الذباب لتخصيصه فى الحديث بأنه إذا وجد فى إناء ماء مثلا فإنه يغمس فيه ، لأن فى جناحه الذى يرفعه شفاء وفى المنتقل داء ، وحل الجراد والسمك حيا أو ميتا ، ويحرم ما يضر بسم أو غيره ، فالحية محرمة نجسة ، والعقرب محرمة طاهرة . { ويَضَعُ } أصله كسر الضاد وفتحها ، لأجل حرف الحلق والمعنى يحط { عَنْهم إصْرهُم } أى ثقلهم ، لأنه يأصر صاحبه أى يحبسه عن الحركة ، وذلك أن أحكام التوراة شديدة ، فهى كالشئ الثقيل المانع لحامله عن التحرك ، وذلك قول ابن جبير ، وقتادة ، ومجاهد ، وقال ابن عباس ، والضحاك ، والحسن وغيرهم الإصر العهد ، وحكى أبو حاتم ، عن ابن جبير أن الإصر شدة العبادة ، والماصدق واحد بالنظر إلى الآيات ، فإن أحكام التوراة ثقيلة شديدة ، عهدوا أن يعملوا بها ، وما ذكر عن نافع وعيسى والزيات من فتح الهمزة غلطا ، وذكره مكى عن عاصم ، عن أبى بكر ، وقال هو لغة ، وقرأ ابن عامر ، وأيوب السنحتيانى ، ويعلى بن حكيم ، وأبو سراج الهذلى إصارهم بهمزة فألف فصاد فألف جمعا لتعدد تلك الأحكام ، والإفراد على إرادة الجنس ، وأدغم أبو عمرو فى رواية أبى حاتم عين يضع فى عين عنهم وأشمها الضم ، وقرأ طلحة ويذهب عنهم إصرهم . { والأغْلالَ التى كانَتْ عَليْهم } جمع غل وهو ما يقيد به ، وذلك تشبيه لأحكام التوراة بما يغل به الإنسان ، فلا يقدر على العمل لثقلها ، فكل من الإصر والأغلال عبارة عن ثقل أحكامها وشدتها ، كتعيين القصاص ، قيل القصاص فى العمد والخطأ من غير شرع للدية والعفو ، وقطع الأعضاء الخاطئة ، وقطع الموضع النجس من الثوب والبدن غير الفرجين ، وإحراق الغنائم ، وتحريم العروق من اللحم ، ووجوب الصلاة فى الكنائس ، وترك العمل يوم السبت . روى أن موسى عليه السلام رأى يوم السبت رجلا يحمل قصبا فضرب عنقه ، وحط ذلك عنا رحمة ، ولنداوم على العمل ، وفى الحديث " بعث بالحنيفية السهلة السمحة " وقال عطاء المراد بالأغلال ظاهرها ، كان الرجل إذا قام يصلى لبس المسح وغل يديه إلى عنقه ، وربما ثقب الرجل ترقوته وجعل فيها السلسلة وأوثقها إلى السارية ، يحبس نفسه على العبادة ، وقال أيضا أبو زيد المراد بالأغلال ما فى قوله تعالى { غلت أيديهم } فمن آمن بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم زالت عنه الدعوة وتغليلها ، ومن قال الكلام مفعول لمن عاصر النبى من العرب إلا قوله { يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل } فمعنى وضع ذلك عنهم إخبارهم أن ذلك غير واجب عليهم ، كما وجب على غيرهم ، كأنه قيل الذين يؤمنون بالنبى الذي تجده أهل الكتاب فى التوراة والإنجيل ، فيأمرهم مستأنف لبيان خصاله ، أو حال من واو يتبعون ، والأولى ما تقدم لسلامة من تخالف مراجع الضمائر ، وما ذكر من وضع الإصر والأغلال ، وما ذكر قبله موجودان فى التوراة والإنجيل عنه صلى الله عليه وسلم ، وقد أذكر شيئا مما ورد فى شأنه فى التوراة والإنجيل فى سورة الشعراء . { فالَّذينَ آمنُوا به وعزَّرُوه } عظموه ووقروه ، أو منعوه حتى لا يقوى عليه عدو ، ومنه التعزير المذكور فى الأحكام ، وهو ما دون أربعين جلدة أو سبعين وما دنها ، أو على قدر النظر أقوال ، وذلك لأنه نعظيم للدين ، وتوقير له ، ومنع عن معاودة القبيح وقرأ الجحدرى ، وقتادة ، وسليمان التيمى ، وعيسى بن عمرو بالتخفيف . { ونَصَروهُ } على أعدائه { واتَّبَعوا النُّور } القرآن ، سمى نورا لأن إعجازه ظاهر كظهور النور ، ولزم من ذلك أنه مظهر لغيره ، أو سمى بذلك لأنه كاشف للحقائق مظهر لها ، مزيل لظلمة الجهل ، تستضئ به القلوب كما تستضئ العين بالنور { الَّذى أنزِلَ معَهُ } حال من ضمير أنزل مقدرة ، لأنه حال الإنزال ، وهى حال المجئ به من السماء غير موجود معه ، بل يقدر وجوده معه ، وإن أريد بالإنزال إنهاءه إليه مجال المقارنة مع كونه معه أنه عنده حاضر ، أو أنه مع بعثه أو نبوته بتقدير مضاف ، فإن استنباءه مصحوب بإنزال القرآن ، ويجوز تعليقه باتبعوا كقولك سرت مع زيد ، أى سرت أنا وزيد فى وقت واحد ، فالمعنى التبعوه هم ومحمد ، أو بمحذوف حال من الواو ، أى اتبعناه مصاحبين له فى اتباعه ، والمعنى فى ذلك كله اتباع القرآن ، ويجوز تعليقه باتبعوا على معنى أنهم اتبعوا القرآن واتبعوا النبى ، أى سنته كقولك قرأت الأعراف مع الأنفال تريد أنك قرأتهما معا . { أولئكَ هُم المفْلحُونَ } الفائزون بالرحمة الدائمة ، وفائدة قوله { فالذين آمنوا به } إلى { المفلحون } ترغيب بنى إسرائيل فى الإخلاص والعمل الصالح ، وترك الطالح ، كطالب الرؤية باستماع أوصاف أعقابهم المؤمنين ، ككعب الأخبار ، فيجتهدوا فيما يجمع بينهم فى رحمة الله مع ما تضمن ذلك من تبشير موسى ، بأن نبى إسرائيلَ من يصير من هذه الأمة الكريمة ، ومن أن ما دعوت به لقومك يكون لهم إن عملوا كأعقابهم .