Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 163-163)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ واسْأَلهم } اسأل بنى إسرائيل الذين فى زمانك يا محمد ، سؤال توبيخ وتقريع وإقرار ، لا سؤال استخبار ، لأنه صلى الله عليه وسلم عالم بما يسألهم عنه من قديم كفرهم وعنادهم ومجاوزتهم حدود الله ، وإذا أعلمهم بما لا يعلم إلا بوحى ، أو تعليم أو قراءة من كتاب ، وليس بمتعلم من أحد ولا بقارئ كتابة كان ذلك معجزة تدل على أنه رسول من الله ، إذ ما يسألهم عنه وهو الاعتداء كان من أسلافهم ، وعن بعض العلماء أن اليهود قالوا للنبى محمد صلى الله عليه وسلم إن بنى إسرائيل لم يكن فيهم عصيان ولا معاندة لما أمروا به ، فنزلت الآية موبخة لهم ومقررة . { عَنِ القَرْية التى كانت حاضِرة البَحْر } قريبة منه على شاطئه ، غير غائبة عنه ، قيل ويحتمل أن يكون ذلك تعظيما لها بأنها الحاضرة الذكر فى مدن البحر ، وهى أيلة بين مدين والطور ، وعن ابن عباس أيلة بين مصر والمدينة ، ولا منافاة ، وإنما ذكرها بطرفين أبعد . وقال فى رواية هى مدين ، وقال الزهرى طبرية الشام ، وقال وهب هى مقنى بقاف ساكنة بين مدين وعيونا ، وبه قال قتادة ، وقال ابن زيد مقناة كذلك ، لكن زاد تاء ، ويقال فيها مغنى بغين معجمة مفتوحة ، ونون مشدة ، والمشهور أنها أيلة به ، وقال السدى ، والثورى ، وعكرمة والعرب تسمى المدينة قرية ، والقرية عندهم المنازل المجتمعة ، قال المعرى ما رأيت قرويين أفصح من الحسن والحجاج ، قال جار الله يعنى رجلين من أهل المدن . { إذْ } بدل اشتمال من المضاف المحذوف ، لأن الأصل عن أهل القرية ، أو عن حالها ، وهو اعتداء أهلها ، أو متعلق بكانت أو بحاضرة ، أو بالمضاف المحذوف إذا قدر هكذا عن خبر القرية ، فإنه يوز التعليق بلفظ الخبر ونحوه ، مما يدل على حدث ، ولو لم يكن مصدرا ، ولا اسم مصدر ، ولا صفة ، ولا فعلا نص عليه الدمامينى { يعْدُونَ فى السَّبْت } يجاوزون حد الله فى اليوم المسمى بالسبت ، وذلك أنهم منعوا من الاشتغال فيه بغير الطاعة ، ومنعوا من الاصطياد فيه منعا أقوى ، ويجوز إبقاء السبت على المصدرية وهو القطع ، فإنهم يقطعون الاشتغال عن أنفسهم فى اليوم بعد الجمعة تعظيما له ، ويقال سبت اليهود وعظمت يومها بترك الاشتغال ، وقرأ شهر بن حوشب ، وأبو نهيد يعدون بفتح الياء والعين وتشديد الدال ، وأصله يعتدون ، نقلت فتحة التاء للعين وأبدلت التاء دالا ، وأدغمت فى الدال ، وقرئ يعدون بضم الياء وكسر العين وتشديد الدال مضارع أعد بمعنى هيأ ، وكانوا يعدون آلة الصيد يوم السبت . { إذْ } متعلق بيعدون أو بدل من إذ بدل كل ، أو بدل ثان بدل اشتمال { تأتيهِم حِيتانُهم } جمع حوت وهو السمك { يَوْم سَبْتهم } مصدر بمعنى القطع أو التعليم ، وذلك أنهم يعظمون اليوم بعد الجمعة ، ويقطعون فيه أشغال الدنيا كما ، ويدل لذلك قراءة عمر بن عبد العزيز إسباتهم بكسر الهمزة مصدر أسبت بمعنى دخل فى القطع ، أو التعظيم ولا تحتمل أن يكون المعنى يوم دخولهم فى اليوم المسمى سبتا ، إذ لا معنى صحيحا لذلك ، لأنه لا يمكن دخول اليوم فى اليوم ، ولا سيما دخول يوم فى نفسه ، ثم ظهر معنى محتمل ، وهو أن يراد باليوم الوقت مطلقا ، لا يقيد كونه الموالى للجمعة ، ولو كان هو المراد . أو أن يراد أول الوقت من اليوم بعد الجمعة ، إذ به يسمعون داخلين فى اليوم يجئ الحوت فى أوله ولا ينقطع حتى يتم وقيل إذا تم قل ولم ينقطع { شُرَّعا } ظاهرة على وجه الماء قريبة منهم ، تنالها اليد ، يقال شرع أى دنا وأشرف ، وعن الحسن تشرع على أبوابهم كأنها الكباش البيض ، وعن بعض كأنها المخاض ، أو مصطفة ممتدة ، وروى لا يرى الماء من كثرتها وهو جمع شارع أو شارعة حال من حيتانهم ، والحوت يذكر ويؤنث ، يقال ظهر الحوت وظهرت الحوت ، لأنه مثل نخل وشجر ، بدل على المصدرية أيضا قوله سبحانه { ويَومَ لا يسْبتُونَ } لا يعظمون أولا يقطعون الأشغال ، وهو غير يوم السبت ، وقرأ عيسى بن عمر ، وعاصم بخلاف بضم الباء ، وقرأ على والحسن وعاصم بخلاف بضم الياء وكسر الباء من أسبت إذا دخل فى التعظيم أو القطع ، وعن الحسن بالبناء للمفعول أى لا يؤمرون بالتعظيم أو القطع ، ويحتمل الفعل معنى الدخول فى ذلك اليوم على تلك القراآت ، ولكن ما ذكرت من المعنى المصدرى أولى ، وإذا جعلنا السبت اسما لليوم فى " ويوم سبتهم " فإضافة يوم إليه إضافة عام لخاص وهى للبيان ، وإضافة السبت للهاء لاختصاصهم بأحكام فيه ، كما تقول جمعتنا يوم عظيم ، وأضيفت الحيتان أيضا إليهم لظهورها لهم ، ولأنها فى بحرهم على ساحله ، ولأنها بلاء لهم ، ويوم الثانى متعلق بقوله { لا تأتيهِمْ } ولا صدر للا النافية إذا لم تعمل ، والمعنى لا تأتيهم لا كثير ولا قليل ، وقال قتادة لا تأتيهم شرعا وتأتيهم قليلا { كَذلكَ } مثل ذلك الاختبار الشديد { نَبْلوهُم } نختبرهم ونحن أعلم بهم ، ويجوز أن يكون الوقف على كذلك ، فتكون الإشارة إلى إتيانها شرعا أى ويوم لا يسبتون لا تأتيهم مثل ذلك الإتيان ، وهو إتيانها شرعا ، بل تأتيهم قليلا وتنقطع وتقل أول ليلة الأحد . { بما كانُوا يفْسُقُون } بكونهم يفسقون أو بالفسق الذى يفسقونه ، وزعم بعض أن المراد بيوم سبتهم شهر فى السنة هو وقت تعظيمهم الدين ، وترك الأشغال يجعلونه عيدا يجتمع فيه الحوت ما يجتمع فى سائر السنة ، وروى أن اليهود أمروا بالجمعة فتركوه واختاروا السبت فأمرهم الله بأن يشتغلوا فيه بالطاعة ، وحرم عليهم الصيد فيه ، فكان الحوت يكثر ويقل فى غيره حتى لا ينال إلا بتعب ، أو ينقطع فى غيره بالكلية كما مر لما اراد الله من بلائهم ، وذلك إما أن يرسله الله عز وجل يوم السبت كما يرسل السحاب ، أو يوحى إليه بإلهام أو لشعوره بالسلامة فيه ، أو لإشعار الله إياه بها ، وبقوا على ذلك برهة من الدهر ، ثم جاءهم إبليس فقال إنما نهيتهم عن أخذها يوم السبت ، فاتخذوا حياضا يسوقونها إليها يوم السبت ، ويأخذونها فى غيره ، ولا يقدر على الخروج منها لسدها بالحجر ، أو لصنعه وقيل قال لهم لم ينهكم عن الاصطياد ، بل عن الأكل فاصطادوا . وروى أشهب عن مالك أنه قال زعم ابن رومان أنه كان الرجل يأخذ خيطا ويصنع منه وهقة وألقاها فى ذنب الحوت ، ويعلقون الطرف الآخر من الخيط بوتد ، فيأخذه فى الأحد ، فبقوا على ذلك الاحتيال مدة ، ورآى الناس أنهم لا يبتلون فأكثروا صيده ومشوا به فى الأسواق ، وباعوا وملحوا ، وأعلن الفسقة بصيده ، وقالوا ذهبت حرمة السبت واستبشروا بذهابها ، وقال إنما يعاقب به آباءنا فى زمان موسى ، ثم استسن الأبناء سنة الآباء ، وخافوا العقوبة ولما فعلوا لم يضرهم شئ ، وروى أنهم عملوا بذلك سنين ، وكثر مالهم به ، وتزوجوا . وروى أن رجلا أخذ سمكة وربط فى ذنبها خيطا إلى خشبة فشواها يوم الأحد فوجد جاره ريح السمك فتطلع فى تنوره فقال له إنى أرى الله سيعذبك ، فلما لم يره عذب أخذ فى السبت القابل سمكتين ، ولم يروا العقاب عاجلهم فاجترءوا على الصيد ، وقد نهاهم الصالحون من بلدهم وغيره فى كل ذلك واجتهدوا ، ولم ينتهوا ، وكان أهل البلد سبعين ألفا ، فقال الصالحون منهم لا نساكنكم ، فقسموا القرية بجدار فيه باب ، وللمعتدين باب إلى خارج ، والمصالحين باب كذلك ، فطائفة من الصالحين نهوا بما صعب وما سهل حتى أيسوا من قبولهم فانقطعوا عن النهى ، والطائفة الباقية نهوا كذلك ، ورجوا القبول أو رغبوا ولم ينقطعوا عنه ، فقالت لهم الطائفة المنقطعة ما ذكر الله عنهم فى قوله { وَإذْ قالَتْ أُمَةٌ … }