Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 169-169)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَخَلفَ مِنْ بَعْدهم } أى من بعد اليهود الموصوفين ، والمراد من بعد من تقدم منهم ، ويدل على هذه الإرادة أن الكلام المذكور على العموم إلى يوم القيامة { خَلْفٌ } هو من جملة العموم السابق ، ورجح بعضهم بقوله { فخلف من بعدهم خلف } قول الطبرى أن المراد بالصالحين من كان قبل بعث عيسى ثابتا على الدين ، وإن قلت إذا كانت هذه الهاء شاملة لغير المؤمنين ، فما فائدة الكلام ؟ قلت فائدته التنبيه على فعل سوء من أفعالهم إعظاما له ، وهو أخذ الرشوة ، وإذا جعلنا قوله { ومنهم دون ذلك } فيمن آمن وعمل ولم يصل درجة الصالحين المذكورين ، فلا إشكال أصلا ، والخلف بإسكان اللام بدل سوء ، قال لبيد @ ذهبَ الَّذين يُعاش فى أكنافهم وبَقيتُ فى خَلفٍ كجلْد الأجرب يتحدثون مخانة وملاذة ويعاب قائلهم إن لم يشغب @@ يقال ولد خلف وقوم خلف ، أى أردياء ، والخلف بفتح اللام بدل خير يقال ولد خلف وقوم خلف أى صالحون ، وفى الحديث " يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله " ذكر ذلك فى السؤالات ، وأصل الخلف بالإسكان الفساد والتغيير ، خلف اللين فسد ، وخلف فم الصائم تغير ، وذلك هو الأشهر ، وقد تسكن فى المدح كقول حسان @ لنا القدم الأولى إليك وخلفنا لا ولنا فى طاعة الله تابع @@ وليس ضرورة ، وقد تفتح فى الذم قاله أبو عبيدة والزجاج ، ويجوز قراءة بيت لبيد بالفتح ، وكلاهما يطلق على الواحد والجمع ، لأنه مصدر ، وقيل جمع ، والمراد به فى الآية من يأخذ الرشوة من اليهود قبل سيدنا محمد أو بعد بعثه ، وقيل المراد الذين فى عصره ، وقال مجاهد النصارى ، وضعفه الطبرى ، وقيل بدل السوء من أى ناس جاءوا مفسدين بعد صلاح من صلح من اليهود . { وَرِثُوا الكِتابَ } التوراة عمرة قبلهم يقفون على ما فيها ، ولا يعملون به ، وقرأ الحسن بن أى الحسن البصرى بضم الواو وتشديد الراء ، فالكتاب مفعول ثان لتعديه بالتضعيف إلى اثنين ، والأول الواو النائب { يأخُذونَ عَرَض هَذا الأدْنى } متاع هذا الشئ الأدنى الذى هو الدنيا وعرضها متاعها ، والمراد به الرشا على الحكم ، وعلى تبديل كلام الله تسهيلا على الضعفاء والعامة ، وسمى متاع الدنيا عرضا لأنه لا يبقى ولا سيما الحرام كالرشوة ، وفى الحديث " الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر " وحقره وخسسه بقوله { هذا الأدنى } حيث أشار إليه إشارة قرب إشارة بعد المنزلة وعلوها ، ووصفه بأنه أدنى أى قريب عاجل يعقبه زوال أو دنى ساقط ، والجملة صفة ثابتة لخلف ، والأولى ورثوا أو حال منه أو من الواو . { ويقُولُون سيُغْفر لنا } نائب يغفر أو نائبه ضمير مستتر عائد إلى الأخذ المدلول عليه بيأخذون ، و القول قول بألسنتهم ، أو اعتقاد أو ظن ورجاء ، وعلى الأول فإنما نطقوا بذلك رجاء وظنا أو اعتقادا ، والواو عاطفة أو حالية بتقدير المبتدأ ، أو قد أو بلا تقدير ، وقولهم { سيغفر لنا } داخل فى جملة الذم من حيث إنهم يقولون { سيغفر لنا } وهم مصرون على ذلك العرض شديد أو الحرص عليه كما قال { وإنْ يأتِهِم عَرضٌ مثْلُه } على الارتشاء أو التبديل بعد أخذ العرض قبله وبعد قولهم سيغفر لنا { يأخُذُوه } وهذه الواو حالية ، وصاحب الحال فاعل ، يقول أو استئنافية ، والهاء فى مثله عائدة إلى العرض المدلول عليه بقولهم { سيغفر لنا } لأن المراد يغفر لنا أخذ عرض خاص أخذناه ، وهو جميع ما أخذوا ، أو إلى العرض المذكور قبل ، لأنه مراد به الحقيقة ، فهذا الضمير إلى حصة منها . وقال السدى المعنى أنه إن يأتهم عرض مثل العرض الذى أخذه الحكام المتقدمون عليهم ، أخذوه وكانوا لا يستقضون قاضيا إلا ارتشى ، فيقال له مالك ترتشى ؟ فيقال سيغفر لى ، وإذا استقضى من كان يظعن عليه ارتشى أيضا . { ألَم يؤخذْ عَليهم ميثاقُ الكتَابِ } المذكور وهو التوراة { أن لا يقُولُوا } إن مصدرية ، والمصدر بدل ميثاق أو عطف بيان عليه ، أو مقدر بالباء أو بلام التعليل متعلقة بيؤخذ أو بميثاق ، ولا نافية ، ويجوز كونها ناهية ، فأن مفسرة أو مصدرية على الأوجه المذكورة ، بناء على جواز دخولها على الأمر والنهى ، وقرأ الجحدرى أن لا تقولوا بالفوقية على طريق الالتفات ، وإن روعى جانب معنى القول فيما قبلها فلا التفات ، كأنه قيل ألم تقل لهم لا تقولوا . { عَلَى اللهِ إلا الحقَّ } وهو ما فى التوراة لا يملككم الهوى وحب العرض عنه ، ومعنى أخذ الميثاق عليهم إلزام الله إياهم العمل بما فى التوراة ، وكأنهم قالوا نعم نعمل ، لأنه لا اختيار لهم فى فرض الفرائض أو أخذه إذ خرجوا ذرًّا من ظهر آدم ، فالكتاب ما يحكم الله به ، أو قالوا لموسى لو أنزل الله عليك كتابا نعمل بما فيه ، أو قال لهم موسى ينزل الله كتابا ، فقالوا نعم نعمل به . { ودَرسُوا ما فيهِ } عطف على ما بعد همزة الإنكار أو التقرير ، فيتسلط عليه الإنكار أو التقرير ، وكأنه قيل لستم غير دارسين ، أو قيل أقروا بالدرس ، أو عطف على ورثوا ، فيكون { ألم يؤخذ } الخ معترضا ، ولا يضعف هذا بالبعد كما قال بعض ، لأنه بعد غير مفرط ، ولا بأن قوله { ودرسوا ما فيه } ليست فيه إقامة الحجة كما قال البعض ، بل إقامتها وزيادة ذم ، كأنه قيل ورثوا الكتاب ودرسوه ، ومع ذلك كله خالفوه ، ولا يضعف بزوال إقامة الحجة بالتقرير بالهمزة قبله ، لأنه لا ضير فى زوالها عن هذا الكلام . وقرأ أبو عبد الرحمن السلمى وادارسوا ، الأصل تدارسوا أبدلت التاء دالا وسكنت وأدغمت فجئ بهمزة الوصل ، وقد خالفوا التوراة رضاء لأكابرهم وسلاطينهم ، واتباعا للهوى ، وحبا للعرض ، ومن مخالفتهم قولهم سيغفر لنا ، مع أنهم لم يتوبوا ، وفى التوراة أن من ارتكب ذنبا عظيما لا يغفر له إلا بالتوبة وقد درسوه ، وفى الحديث " الكيس - أى الحاذق المشمر - من دان نفسه - أى ذللها للأوامر والنواهى أو حاسبها - وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله " فهؤلاء اليهود عاجزون إذ خالفوا كتاب الله ، وتمنوا الغفران ، وهم لم يتوبوا ، والمرجئة إخوانهم فى ذلك إذ قصروا عما أمروا به قالوا سيغفر لنا ، لأنا لم نشرك بالله شيئا ، كل أمرهم إلى الطمع خيارهم فيه المداهنة كما قاله مالك بن دينار رحمه الله ، قال الحسن لو عرضت لليهود الدنيا ومثلها معها لاصطلموها ولتمنوا المغفرة مع ذلك . { والدَّارُ الآخرةُ } الجنة { خيرٌ للَّذين يتَّقُون } المحارم مما يأخذ هؤلاء { أفلا تعْقِلونَ } أنها خير فيتقوا بترك العرض وغيره من المحارم ، وهو بالتاء الفوقية على طريق الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ، وقرأ غير نافع وابن عامر وحفص ويعقوب بالتحتية .