Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 20-20)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فوَسْوس لَهما الشَّيطانُ } الوسوسة من الشيطان إلقاء كلام فى قلب الإنسان أو الجن ، وأصل الوسوسة التكلم بخلاف خفى متشابه الصوت ، كأنه تكرير ، ومنه وسوس الحلى ، ويحتمل أن يكون تكلم لهما خفية سمعاه ، قيل كانا يخرجان خارج الجنة ، فتمكن إبليس منهما وهو الشيطان فى الآية ، وقيل يقربان من الباب ، وقيل دخل فى فم الحية مرة إلى الجنة ، وقيل كان يدخل فى فمها إليها وضعف بعضهم القولين . وقال الحسن وسوس لهما من الأرض فى قلبيهما بالقوة التى جعلها الله فيه ، وهو قول ضعيف ، يرده لفظ القرآن ، وقال أبو سلمة الأصبهانى بل كان آدم وإبليس فى الجنة ، لأن هذه الجنة كانت بعض جنات الأرض ، وهو قول لا يكفى فى الجواب ، لأن الفرض أنه أخرج منها ، والكلام فى كيفية وسوسته لهما ، وقد فارقهما ، ومعنى وسوس لهما فعل الوسوسة لأجلهما ، ويجوز أن يكون اللام بمعنى إلى أى ألقاها إليهما فهما موسوس إليهما بفتح الواوات ، ولا يقال موسوسان ، كما يقال زيد موسوس إليه ، أو موسوس له ، ولا يقال موسوس اللهم إلا على سبيل الحذف والإيصال . { ليُبْدىَ } ليظهر { لَهما ما ووُرِىَ } ستر { عنْهُما من سَوْآتهما } عوراتهما ، وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر ، سميت العورة سوأة لأن ظهورها يسوء الإنسان ، وفى ذلك دليل على أن كشف العورة ولو للنفس أو فى الخلوة أو للزوج من غير حاجة قبيح مستهجن فى الطباع ، وهو منكر للغير ، والظاهر أن اللام للصيرورة لا للتعليل ، لأنه - لعنه الله - لا يدرى أن عورتهما تنكشف بسبب وسوسته لهما وقبولهما لهما ، فيقصد الانكشاف ، ويحتمل أن يكون قد علم بأنها تنكشف بقبول وسوسته ، أن ظن ذلك فتكون اللام للتعليل ، بأن قصد وسوستهما لتكشف عورتهما فيسوءهما ذلك ، ولذا عبر بالسوأة ، هذا تحرير المقام . وذكر بعضهم أنه يمكن أن تكون للتعليل بحسب قصد إبليس إلى حط مرتبتهما وإلقاءهما فى عقوبة غير مخصوصة ، وأقول لا تكون للتعليل بقصده عقوبة غير مخصوصة ، إلا إن أراد عقوبات عامة ، فقد يصح التعليل ، ووزن وورى فوعل بضم الفاء وكسر العين ، وهو مفاعلة ليست على بابها إلا أن يعتبر ، إنما وارى شيئا قد واراه الشىء ما خلفه مثلا ، وزعم قوم أن هذا من وراء بفتح الواو وهو خلف ، وهو قول ضعيف من حيث التصريف . والمعنى فإن السوأة تشمل القبل والدبر ، ولم تقلب الواو همزة مع أنها مضمومة فى الأول بعدها واو ، وقد كان ذلك جائزا كما يقال فى تصغير واصل أو يصل بقلبها همزة ، وقلب ألف واصل واو ، لأن الثانية فى الآية مدة ، فقد قرأ ابن مسعود بقلبها همزة ، وقرأه الحسن ومجاهد من سوتهما بالإفراد ، وقلب الهمزة واواً ، وإدغام واو فى واو ، وحكى سيبويه أن هذا القلب والإدغام لغة ، وكذا قرأ أبو جعفر بن القعقاع ، وشيبة بن نصاح ، والزهرى لكن بالجمع ، وقرىء سوآتهما بنقل فتح الهمزة إلى الواو وحذف الهمزة . { وقَالَ ما نهاكُما ربُّكما عَن هذِه الشَّجرة } أى عن أكل ثمرها { إلاَّ أنْ تكونَا مَلَكيْن } وقرأ ابن عباس ويحيى بن أبى كثير والضحاك بكسر اللام ، ويؤيده قوله تعالى فى آية أخرى { ومُلْك لا يبلى } وتكون فى تأويل مصدر مفعول لأجله على حذف مضاف ، أى كراهة كونهما ملكين ، وقيل هو على حذف لام التعليل ولن نافية ، أى لئلا تكونا ، والأول قول سيبويه والبصريين ، ورجح بأن إضمار الاسم أحسن من إضمار الحرف ، وبكثرة حذف المضاف ، وبقلة المحذوف فيه ، وزعم بعض إلا أن فى مثل ذلك بمعنى لئلا ، قيل وفى تزينه له الكون من الملائكة وقبوله ذلك التزيين دلالة على أن الملائكة أفضل من الأنبياء ، وعليه جار الله . والجواب أنه قيل الملكية ، واختارها قبل أن يشرف بالنبوة ، وإنما كان ذلك قبل النبوة ، سلمنا أن ذلك بعد النبوة ، لكن اختار الملكية لا لذاتها ، بل لطول العمر ، فإنهم على الصحيح لا يموتون إلا عند النفخة ، وليقدر على العبادة فوق قدرته ، وليستغنى عن الطعام والشراب والجماع ، وذلك لا يدل على أن الملائكة أفضل مطلقاً . والحاصل أنه اختار هذه الخُلل الشريفة فيكون بها ملكيا لا تبديل جسمه جسم ملك ، وإنما صح البحث لقبول آدم ذلك ، وإلا فما يفهم من قول إبليس من تفضيل الملك لا يعتبر لجواز كذبه ، بل هو كاذب ، وقد فسر بعضهم الغرور فى { فدلاهما بغرور } بكذبه أن الملك أفضل ، ولكنه تفسير ضعيف ، وقد يقال إن آدم لم يعرف حينئذ أن النبى أفضل والذى عندى أن الآدمى المطيع مطلقا أفضل من الملك ، لأنه ولو قلَّت عبادته لكنها بمشقة لكثرة موانعها ، بخلاف الملك فعبادته ولو كثرت لكن لا مشقة عليهم وقد طبعوا طبع من لا يعصى ، ولأنهم خدم أهل الجنة . { أو تَكُونا مِنَ الخَالِدينَ } فى الجنة ، وقيل من الذين لا يموتون إلى النفخة ، أو لا يموتون أبدا كذبا منه أبعده الله ، فإن كل حى يموت إلا الحى الدائم سبحانه .