Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 26-26)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يا بنى آدمَ قَدْ أنزلنا عَليكُم لِباساً } أى أنزلنا عليكم ما يكون لباساً بالتدريج وهو المطر ، فجميع ما يلبس منه ، أو خلقناكم لباسا ، فعبر بالإنزال ، لأن ما فى الأرض مكتوب فى السماء ومفصل فيه ، ومنزل منه بقدر على أيدى الملائكة بالذات أو بالمآل ، والصيرورة . { يُوارِى } يستر { سَوْآتكم } التى قصد الشيطان إبداءها ، ويغنيكم عن خصف الورق ، فإن ظهورها أول سوء أصاب الإنسان من الشيطان . وعن مجاهد نزلت هذه الآيات الأربع فيمن كان يطوف بالبيت عريانا من قريش وغيرهم . وعن قتادة والضحاك كانت العرب تطوف عراة إلا الحُمس وهم قريش ، ومن تلاها وهو الصحيح وكان العربى يستعير منهم ثوبا أو يطوف عريانا أو فى ثيابه ، ثم يلقيها ، وتمادى ذلك حتى كان الطواف بالعراء قربة عند العرب ، ويقولون لا نطوف فى ثياب المعصية ، ونودى بمكة وعام تسع لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، وعظمت قريش البيت . وذكر النقاش أن عادة ثقيف ، وخزاعة ، وبنى عامر بن صعصعة ، وبنى مدلج ، وعامر ، والحارث ابنى عبد مناة ، رجالهم ونساءهم الطواف بالبيت عراة ، وكان بعض العرب يطوفون بالبيت بالعراء ويقولون لا نطوف فى ثياب عصينا الله فيها . { وَرِيشاً } لباس زينة مستعار من ريش الطائر ، لأنه لباسه وزينته ، والعطف على لباسا عطف أحد المتغايرين على الآخر ، على أن المراد باللباس المذكور خصوص اللباس الموارى الذى لا زينة زائدة على المواراة فيه ، وذلك قول ابن زيد . وقال ابن عباس ومجاهد والضحاك والسدى الريش المال ، وتريش الرجل تمول ، وقيل سعة الرزق ، وقال قوم الأثاث ، والصحيح ما ذكرته أولا لاتصال الكلام بعد ذلك فى اللباس ، وليست الزينة بملغاة شرعا ، بل معتبرة كما قال الله سبحانه " لتركبوها وزينة … ولكم فيها جمال " وقال صلى الله عليه وسلم " إن الله جميل يحب الجميل " وقرأ ابن عباس ، وأبو عمرو ، وعاصم ، ومجاهد فى رواية عنهم ، وأبو عبد الرحمن ، وأبو رجاء ، وزيد بن على ، وعلى بن الحسين ، وقتادة ورياشا وهى قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال عثمان بن عفان ، والمعنى واحد ، وقيل الرياش جمع ريش كبيرٍ وبيار ، وذئب وذئاب ، وشعب وشعاب ، وقيل الريش والرياش مصدران ، يقال راشه الله بمعنى أنعم عليه ، وقرأ أبى وزينة بدل وريشا . { ولباسُ التَّقوى } بالنصب عطفا فى قراءة نافع وابن عامر والكسائى ، فيكون قوله { ذَلك خيرٌ } مستأنفا وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وحمزة بالرفع فهو مبتدأ وذلك مبتدأ ثان ، وخير خبره ، والجملة خبر الأول ، والرابط إعادة المبتدأ بمعناه ، فإن الإشارة للباس التقوى ، أجاز ابن هشام ذلك ، وأجاز كون ذلك بدلا أو بيانا لا نعتا ، لأن النعت عنده لا يكون أعرف من المنعوت ، وأجازه الفارسى أيضا ، فعلى البدلية والبيانية أو النعتية ، فالخبر مفرد . والذى يظهر لى أنه لا يصح كون المبتدأ نفس المبتدأ الأول ، بل يجب كونه مغايراً له أو بعضه أو أعم ، فتتعين التبعية فى الآية ، إلا أن يجعل لباس خبر المحذوف ، أى هو لباس التقوى ، وذلك مبتدأ أو لباس ، وخير خبر إن لذلك ، وقرأ أبى ولبس التقوى ، وفى مصحف ابن مسعود ولباس التقوى خير ذلكم من آيات الله ، ويروى عنه خير ذلك من الخ ، وكذا روى عن أبى ، وقرأ بعضهم ولبوس التقوى بالرفع ، وذلك فى قراءة نافع إشارة إلى ما ذكر من اللباس والريش ، ولباس التقوى . والمراد بلباس التقوى الإسلام والعمل الصالح ، وامتثال المأمورية به ، واجتناب المنهى عنه ، والورع ، وخشية الله ، وقال ابن جريج الإيمان ، وقال معبد الجهنى الحياء وقال ابن عباس العمل الصالح ، وعنه السمت الحسن فى الوجه ، وقاله عثمان على المنبر ، وعروة بن الزبير خشية الله ، وابن الأنبارى ستر العورة ، والحسن الورع والسمت الحسن فى الدنيا ، وعن ابن عباس والكلبى العفة ، وقيل الصوف وما فيه تواضع لله عز وجل ، وقال زيد بن على السلاح وآلة الجهاد ، وقيل ما يتقى به فى الحرب كالدرع والمغفر ، ونسب لزيد بن على ، والصحيح ما ذكرته أولا ، وما كان من الأقوال بعده متضمنا له ، وما أحسن قول بعضهم @ إذا أنت لم تلبس ثياباً من التقى عريت وإن وارى القميص قميص @@ { ذلكَ مِن آياتِ اللهِ } الإشارة إلى اللباس ، والريش ولباس التقوى ، وقال النقاش إلى لباس التقوى ، أى هو فى العبد أمارة من الله أنه رضى عنه ورحمه ، وذلك على الرجاء بحسب المبلغ من المعرفة ، وقيل إلى اللباس والريش بتأويل ما ذكر ، أو إلى إنزالهما ، وعلى هذا القول وما ذكرته قبل قول النقاش المراد أن ذلك دليل على رحمة الله وفضله على عباده وقدرته ووجوده ووحدانيته ، وإشارة البعد فى الموضعين للتعظيم . { لعلَّهم يذَّكَّرونَ } فيعرفون عظم النعمة ، ويتورعون عن القبائح ، ومن أراد التوبة والطاعة فليلبس قميصا جديدا يوم الخميس والقمر فى الزيادة ، ثم يصلى ركعتين شكرا لله على ما ألبسه ، ثم يكتب { يا بنى آدم قد أنزلنا } إلى { يذكرون } فى إناء زجاج يمحوه بماء ورد ، ويدهن به وجهه ، ثم يكتب فى ذلك فى ورقة زيتون ، ويجعلها فى جيب القميص ، فإنه لا يلبسه أبداً إلا ويعان على الطاعة .